نائب من حزب الله لـ «الشرق الأوسط»: كشف عملاء «سي آي إيه» لم يكن ضربة حظ بل بعملية مدروسة

القضاء اللبناني لم يبلغ بأي شيء رسميا ولم يتسلم العملاء

TT

أثار ما نقلته مؤخرا وكالة «أسوشييتد برس» عن مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين عن أن «عمليات الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) تعرضت لنكسة بعد أن كشف حزب الله وجود عدد من عملاء (سي آي إيه) في صفوفه مؤخرا»، بلبلة في الساحة اللبنانية، خاصة بعدما كانت السفارة الأميركية ببيروت في يونيو (حزيران) الماضي، نفت ما كشفه أمين عام حزب الله حسن نصر الله عن أن «جهاز مكافحة التجسس في الحزب تمكن من الكشف عن عميلين للاستخبارات المركزية الأميركية في الجسم التنظيمي لحزب الله».

ورأى نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن الاعتراف الأميركي له «دلالات؛ أولها اعتراف أميركا بأن عملها الاستخباري قائم بفاعلية في لبنان، وهذا يكشف أن أميركا تحاول أن تعبث بالاستقرار اللبناني وتتدخل لمصلحة إسرائيل»، وقال: «نحن نضع هذا السلوك العدواني برسم أولئك الذين يروجون للوصاية الأميركية ليعلموا جيدا أن أميركا خطر حقيقي على لبنان والمنطقة ولا يواجه إلا بتقليم الأظافر، وكشف العملاء، وثبات معادلة الجيش والشعب والمقاومة».

وقال قاسم: «هذا الأمر يعتبر بمثابة تعبير عن الفشل في تحقيق القدرة اللازمة بسبب انكشاف الأيدي التي تتعامل معهم، وبالتالي يريدون تبرئة ساحتهم إذا أصابهم المزيد من الشلل والفشل كما هم عليه الآن في لبنان، فيبررون ذلك بأن شبكاتهم قد انكشفت، وأن قدرتهم للعمل في الساحة صعبة». وتابع: «أما ثالثا، فهم يريدون خداعنا ليقولوا إنهم أوقفوا العمل في لبنان بسبب الانكشاف، كي نطمئن فنخفف اهتمامنا ونشاطنا في هذا الموضوع، ولكن بالنسبة إلينا سنتعامل مع أميركا وإسرائيل كأنهما لا يتركان فرصة إلا ويحاولان اختراق الساحة بالأشكال المختلفة، وستكون عيوننا مفتوحة إن شاء الله تعالى، وسنستمر في هذا الجهد الطيب الكبير مع القوى الأمنية التي تعمل في بعض الملفات». وأضاف: «ليكن معلوما للجميع؛ أميركا اليوم ليست في أفضل حالاتها، فهي تعاني من فشل متكرر في مواقع مختلفة في هذا العالم، وتحاول أن تضبط الإيقاعات في الشرق الأوسط الجديد بحسب رؤيتها، لكنهم يصابون بإحباطات مختلفة».

وعلق النائب كامل الرفاعي عضو كتلة حزب الله النيابية على الموضوع وفي اتصال مع «الشرق الأوسط» قائلا: «الكشف عن هؤلاء شكل ضربة محكمة من قبل الحزب للاستخبارات المركزية الأميركية، وهي لم تكن أبدا ضربة حظ بقدر ما كانت نتيجة عملية مدروسة وجهد متواصل»، وأشار الرفاعي إلى أن «حزب الله يعلم تماما أن الموساد و(سي آي إيه) وحتى مخابرات دول عربية تسعى وبجهد كبير لدخول ساحة الحزب وحلفائه»، مشددا على أن «حزب الله وانطلاقا من ذلك، يقوم وبحذر كبير، بعمل متواصل للتنبه لهؤلاء سعيا للكشف عنهم».

في هذا الوقت، اكتفى مصدر قضائي بالقول ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول الموضوع: «القضاء اللبناني لم يتبلغ أي شيء رسميا بهذا الصدد ولم يتسلم من الأجهزة المختصة أيا من الموقوفين».

وكانت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية قد نقلت عن مصادر أميركية رفيعة أن مسؤولي الاستخبارات عملوا بشكل سري خلال الأشهر الماضية لحماية عملائهم «المتبقين» في لبنان حتى لا يكشفهم حزب الله، لافتين إلى أن «الضرر الذي أُلحِق بهم في لبنان كان أكبر بكثير من المعتاد».

وأشارت الوكالة إلى أن «الاستخبارات كانت تدرك أن الإجراءات المتخذة في لبنان ضعيفة»، متحدثة عن «تنبيهات كانت قد وصلت إلى مسؤولي (سي آي إيه)، لا سيما قائد الوحدة التي تراقب عمليات حزب الله في (سي آي إيه)»، لكنها أشارت إلى عدم وجود وضوح حول ما إذا كان هناك أي شخص سيتحمل مسؤولية «الكارثة»، كما وصفتها، وما إذا كانت هذه الحادثة ستترك آثارا على قدرة «سي آي إيه» على تجنيد المزيد من العناصر في لبنان.

وأشارت الوكالة إلى أن مسؤولي «سي آي إيه» أُبلغوا «بضرورة اتخاذ أقصى أنواع الحذر في التعاطي مع أي نوع من المصادر في لبنان»، علما بأن مسؤولا أميركيا كشف عن توصيات تم اتخاذها لمواجهة الأمر الواقع الجديد، دون أن يوضح ماهية هذه الإجراءات. وذكرت أمس صحيفة «واشنطن بوست» نقلا عن مسؤولين أميركيين، أن عمليات الاستخبارات الأميركية توقفت في لبنان بعد الكشف عن شبكة عملائهم وإلقاء القبض على أكثر من خمسة عملاء على الأقل.

بدوره، شرح الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد المقرب من حزب الله أمين حطيط الأسباب الكامنة وراء ما سمته «سي آي إيه» بـ«النكسة»، لافتا إلى أن «الخيبة التي أصيبت بها أميركا هي وبدرجة أولى نتيجة موقع لبنان في منظومة محطات الاستخبارات العالمية لـ(سي آي إيه) الذي تم تصنيفه ضمن 9 محطات رئيسية لها في العالم، أولا بسبب عامل حرية الحركة المتاح فيه، وثانيا لقربه من الأهداف المطلوبة التي تعتبر أهدافا استراتيجية وفئة أولى لـ(سي آي إيه)، من سوريا إلى إيران وحزب الله».

وقال حطيط لـ«الشرق الأوسط» «العملاء الذين تم كشفهم هم ذوو مرتبة عالية، ومكلفون بملفات أساسية، من هنا، اعتبرها الأميركيون ليست فقط نكسة؛ بل ضربة قاصمة للاستخبارات الأميركية في لبنان»، لافتا إلى أن «الأميركيين بدأوا اليوم في مسعى لترميم الأضرار كونهم يدركون تماما أنهم غير قادرين على التخلي عن منظومتهم في لبنان أولا، لأن الوقت حرج وهم بحاجة لأصغر معلومة، وثانيا لأن حزب الله كشف آليات عمل الاستخبارات الأميركية؛ مما يصعب مهمة عملائها إلى حد بعيد الذين أصلا يعتبرون الحزب منظومة معقدة».

وأضاف حطيط: «الضرر الذي لحق بالأميركيين نتيجة الكشف عن عملائهم أكبر وبكثير من الضرر الذي لحق بالحزب نتيجة هؤلاء العملاء».

يذكر أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله كان قد كشف في 23 يونيو (حزيران) الماضي أن «جهاز مكافحة التجسس في المقاومة تمكن من ضبط ثلاث حالات تعامل مع استخبارات معادية داخل الجسم التنظيمي للحزب»، وقال نصر الله إن «اثنين من الموقوفين يتعاملان مع الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) والثالث مع جهة لم يتم تحديدها بعد».

وإذ شدد نصر الله حينها على أنه «ليس بين هذه الحالات أي أحد من الصف القيادي الأول أو من رجال الدين»، أكد كذلك أنه «ليس بينهم أحد من الحلقة القريبة من الأمين العام، لا أمنيا ولا عمليا، وأن ليس لأحد منهم علاقة بالجبهة ولا بالوحدات العسكرية الحساسة كالصاروخية وأمثالها التي يسعى الأميركيون والإسرائيليون إلى جمع معلومات عنها». ولفت نصر الله إلى أن ما جرى يسلط الضوء على «وكر الجاسوسية في عوكر، إذ تأكد وعلى نحو قاطع أن السفارة الأميركية في عوكر هي مركز تجسس ومركز تجنيد لمصلحة إسرائيل».

وقد نفى المتحدث باسم السفارة الأميركية في لبنان حينها ما سماها «الاتهامات»، واصفا إياها بـ«الفارغة ولا أساس لها من الصحة»، معتبرا أن «نصر الله يحاول معالجة مشكلات داخل حزب الله، الأمر الذي لا شأن لنا به».