موقف ساركوزي يهتز مع استمرار الأزمة الأوروبية

تساؤلات حول ما إذا كان التالي في السقوط.. ووحدها ميركل تبدو في مأمن

ساركوزي
TT

في ظل الهزيمة النكراء التي مني بها الاشتراكيون في إسبانيا يوم الأحد الماضي، وصل عدد الحكومات التي أدت أزمة اليورو المستمرة منذ عامين إلى إسقاطها، إلى ثمانية، مما أثار القلق في قصر الإليزيه وحتى في البيت الأبيض. وتعد القضية المحورية في الانتخابات الأخيرة عدم رضا الناخبين عن التقشف وعدم اليقين وأي حزب أو ائتلاف في السلطة.

ومع ذلك، بات على قادة عالم المال في أوروبا، والحكومات الجديدة، أن تقطع وعودا مماثلة تحت ضغط الأسواق وطلبات ألمانيا. وفي ظل تأرجح الأسواق من هدف إلى آخر، صار يتعين على آيرلندا والبرتغال واليونان وإيطاليا وفنلندا والدنمارك وسلوفاكيا، تغيير حكوماتهم، سواء من خلال صناديق الاقتراع أو المناورات البرلمانية. ويخشى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن يكون التالي، حيث تشهد تكاليف سندات الحكومة الفرنسية أعلى ارتفاع لها، بينما يبقى معدل النمو على حاله واقتراب الانتخابات الرئاسية التي من المقرر عقدها في أبريل (نيسان) المقبل.

ويضعف احتمال خفض التصنيف الائتماني للسندات الفرنسية موقف ساركوزي، ويقوض جهوده الرامية إلى الحفاظ على موقعه كشريك أساسي في التحالف الألماني - الفرنسي الذي يهدف إلى حل أزمة منطقة اليورو. وتكمن المشكلة حاليا في انتشار العدوى وثقة الأسواق. وتريد الأسواق بشكل عام دعم أوروبا، وخاصة ألمانيا للسيولة النقدية في إيطاليا.

وتريد ألمانيا أن تصل إلى طريقة تحقق بها ذلك دون أن تعرض أموال دافعي الضرائب إلى خطر آخر يضاف إلى الخطر الذي يواجهونه بالفعل بسبب ما يملكونه من السندات الإيطالية والإسبانية والبرتغالية واليونانية. وتهيمن ألمانيا بالفعل على الوضع، لكن ليس بالدرجة التي تجعلها تدير الأمور كما يتراءى لها وتصر على إدخال مجموعة من التعديلات على الاتفاقية التي تحكم الاتحاد الأوروبي، والتي ستفرض على الدول الـ17 التي تستخدم عملة اليورو التزاما ماليا على شاكلة الالتزام الألماني، لكنها في الوقت ذاته ستحدث انقساما بين تلك الدول والدول الأخرى المنضمة إلى الاتحاد الأوروبي.

ويتركز الخلاف بين ألمانيا وشركائها على قضيتين محوريتين، واحدة فورية وأخرى على المدى الطويل، الأولى هي ما إذا كان سيتم الاستعانة بالمصرف المركزي الأوروبي لتحقيق الاستقرار في دول منطقة اليورو وكيفية القيام بذلك، والثانية هي كيفية إعادة تشكيل منطقة اليورو، وبالتالي الاتحاد الأوروبي ذاته في المستقبل.

كلتا القضيتين عسيرة، حيث تختلف فرنسا مع ألمانيا حول دور المصرف المركزي الأوروبي ولا تشعر بارتياح تجاه إعادة تشكيل القوى السياسية في الاتحاد، والتي طالما كانت لصالح فرنسا. ومع ذلك، في الوقت الذي تضغط فيه ألمانيا على شركائها من أجل التوصل إلى حل على المدى الطويل للإخفاقات المؤسسية لمنطقة اليورو، ليس لديها الكثير لتقدمه لحل الأزمة الحالية المتعلقة بتكهنات السوق بشأن إيطاليا وفرنسا، بل عارضت كل اقتراح لتشكيل نوع من الترابط الجماعي أو الاستعانة بالمصرف المركزي الأوروبي كجهة إقراض إذا تم استنفاد كافة سبل الحل.

ويقول هنريك إندرلين، أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة «هيرتي سكول أوف غوفارنانس» في برلين: «ينتظر الجميع من ألمانيا تقديم حل على المدى القصير، لكن لا يوجد أي مؤشرات سوى تقديمها لحلول على المديين المتوسط والطويل. يمكنني تفهم الإحباط تجاه هذه القيادة».

وتقدمت الكثير من الأطراف الفاعلة بالكثير من المقترحات، كان آخرها اقتراح المفوضية الأوروبية ورئيسها خوسيه مانويل باروسو، لكنه وضع جانبا خلال الأزمة. فقد دعا بحماس إلى التضامن الأوروبي والتوصل إلى طريقة لجعل إصدار السندات محاولة جماعية من أجل دول منطقة اليورو. وسوف يتقدم باروسو بمقترحاته الخاصة بإصدار سندات جماعية تسمى «سندات الاستقرار» خلال الأسبوع الحالي، والتي ربما تتضمن ضمانات محلية محدودة، لكن، في ضوء الخطر الذي يتعرض له تصنيفها الائتماني، عارضت كل من فرنسا وألمانيا المقترح إلى أن تصبح دول منطقة اليورو أكثر التزاما وهو ما يمكن أن يستغرق سنوات والمزيد من التكامل.

وفي ظل تطلع فرنسا إلى لعب دور هام في «قلب» تجمع أوروبي أكثر تكاملا، لا تتفق مع ألمانيا على الشكل الجديد للاتحاد. ويختلف البلدان أيضا حول مدى أهمية الاتفاقية الجديدة وهي مشروع سيستغرق ثلاث سنوات على أقل تقدير. ولا يرضي تشكيل منطقة يورو تحكمها قوانين منفصلة ولوائح داخلية الدول العشر الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي ليست جزءا من منطقة اليورو، رغم التزام كل الدول باستثناء السويد والدنمارك وبريطانيا، التي رفضت استخدام عملية اليورو، بالعمل من أجل الانضمام يوما ما إلى منطقة اليورو إذا تمكنت من الصمود والبقاء. وتشعر بريطانيا بالقلق خاصة في ظل قيادة الحزب المحافظ الذي يتخذ موقفا مناهضا للاندماج الأوروبي. وطالما كانت بريطانيا حذرة من التخلي عن سيادتها المالية لصالح بروكسل وتخشى أن تقوض الترتيبات الجديدة في منطقة اليورو «السوق المشتركة» التي تمثلها أوروبا أو القطاع المالي في لندن. وعندما التقى رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يوم الجمعة، أوردت الصحف المحافظة عناوين عن «مؤامرة ألمانية» للسيطرة على أوروبا و«مذكرة ألمانية سرية» تضمنت أفكارا ألمانية حظيت بمناقشة واسعة عن نظام أكثر تكاملا. وتعمل كل من فرنسا وألمانيا مع رئيس المجلس الأوروبي، هيرمان فان رومبوي، على مقترحات بزيادة إشراف الاتحاد الأوروبي على الميزانيات والإحصاءات وسن قوانين خاصة بتحديد حجم الديون المسموح به وتحقيق التواؤم بن بعض السياسات الخاصة بالرفاهية الاجتماعية والضرائب. والهدف من ذلك هو تفادي حدوث انهيار آخر، لكن هذه الأمور لن تتم سوى على المدى الطويل ولن يكون لها عظيم أثر على ثقة السوق في الوقت الحالي.

وقالت ميركل: «أي فشل لعملة اليورو، سيؤدي إلى انهيار أوروبا»، لكن يركز حزبها، بالاشتراك مع حزب الديمقراطيين الأحرار الذي يؤيد زيادة حرية السوق، على خطرين في هذا السياق. الأول هو أنه بمجرد انتهاء ضغط السوق على الدول ذات الاقتصاد الضعيف، ستمتنع عن الاستمرار في القيام بتغييرات صعبة، لكنها هامة تتعلق بالاقتصاد والميزانية. ومن الضروري السماح للدول الغارقة في الديون بإصدار سندات بضمان من منطقة اليورو بأكملها، أو السماح للمصرف المركزي بإقراضها دون حدود، مما يضمن عمل الأسواق بشكل سلس، كما يفعل مصرف الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة، وهو ما من شأنه أن ينقذ الحكومات المسرفة غير المسؤولة. والخطر الثاني هو شعور الألمان بأن المصرف المركزي هو آخر المؤسسات الباقية التي لا تزال تتمتع بالمصداقية في الاتحاد الأوروبي. ويرى مسؤولون ألمان أن مصداقيته ستتعرض للخطر كقوة حكيمة لعملة اليورو من خلال ضخ الأموال في النظام المالي.

وصرح وزير المالية الألماني، فولفغانغ شويبله، في مقابلة الأسبوع الماضي قائلا: «إنني مقتنع بأننا إذا تخلينا عن الوعد بتحقيق استقرار اليورو، فسنحظى بأسابيع وربما شهورا قليلة من الانتعاش في الأسواق المالية. لكن ستعاود المشكلة الظهور مرة أخرى بعد ذلك. إن الأمر يتعلق بالثقة». ويعتقد الألمان أنه بمجرد بداية المصرف شراء السندات الحكومية بكمية كبيرة «سوف تتقوض ثقة المستثمرين العالميين في آخر مؤسسة من مؤسسات منطقة اليورو»، على حد قول غونترام وولف، نائب مدير معهد «بروغل» لأبحاث الاقتصاد. ويوضح أن فرنسا، التي تواجه هجوما شديدا، تدرك الطرح الخاص بالمخاطرة التي يواجهها طرف من الأطراف، ورغم قولهم إن المخاطر ستزداد، سيتفاقم الوضع إذا انهار الكيان بأكمله.

* شارك نيكولاس كوليش في إعداد التقرير من برلين

* خدمة «نيويورك تايمز»