فرنسا تبدأ تنفيذ عقوبات «لا سابق لها».. وتوقف استيراد النفط الإيراني

بعد النفط.. العقوبات ستستهدف البنك المركزي الإيراني.. وبريطانيا تتوعد بعقوبات واسعة النطاق في ديسمبر

TT

يوم الاثنين الماضي، وجه الرئيس الفرنسي ساركوزي رسائل إلى رؤساء دول وحكومات الولايات المتحدة الأميركية وكندا وبريطانيا واليابان وألمانيا فضلا عن رئيس المفوضية الأوروبية ورئيس المجلس الأوروبي يقترح فيها عقوبات «لا سابق لها» على إيران وتقوم على وقف مشتريات النفط الإيراني وتجميد أصول وودائع البنك المركزي الإيراني في الدول المعنية.

وجاءت مبادرة ساركوزي مباشرة قبل إعلان واشنطن ومعها أوتاوا ولندن عن «عقوبات» إضافية بحق إيران فيما بدا أنه «تسابق» بين باريس والعواصم الأخرى. وكانت تقارير صحافية أفادت أن هناك «حنقا» فرنسيا من «تمييع» التعامل مع إيران التي ألقى تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية الأخير أضواء على جهدها النووية وشبهات على غايته العسكرية.

وبانتظار أن تطرح العقوبات التي تقترحها فرنسا على النقاش داخل الاتحاد الأوروبي في الأول من الشهر القادم بمناسبة اجتماع وزراء الخارجية في بروكسل وعلى الأطراف الأخرى، فإن باريس سارعت للإعلان أول من أمس عن البدء في تنفيذ التدبير الأول «وقف المشتريات النفطية من إيران» وعدم انتظار القرار الأوروبي الجماعي. وجاء ذلك على لسان الناطقة باسم الحكومة ثم الناطق باسم الخارجية حيث قال برنار فاليرو، في إطار المؤتمر الصحافي الإلكتروني إن «وقف المشتريات النفطية من إيران جزء من التدابير التي اقترحتها فرنسا على شركائها» مضيفا أن باريس «ستطبقها على المستوى الوطني». لكن وكالة الصحافة الفرنسية نقلت عن مسؤول في الخارجية أن وقف المشتريات «يتم بالتواصل» مع الدول الأوروبية الأخرى من غير أن، يفسر معنى «تواصل». فضلا عن ذلك، لم يعرف ما إذا كانت هذه المشتريات ستتوقف فورا أم بعد مدة معينة لتنقضي معها العقود الموقعة مع الجانب الإيراني. وتتم عمليات الشراء عبر شركة النفط الفرنسية «توتال» التي كانت موجودة بقوة في القطاع النفطي والغازي الإيراني ولكنها اضطرت للانسحاب منها بعد العقوبات التي فرضت على إيران. ورفضت الشركة المذكورة أمس إعطاء تفاصيل لا عن مشترياتها من إيران ولا عما إذا كانت الحكومة الفرنسية طلبت منها التوقف عن التعامل بالنفط الإيراني مكتفية بالقول إنها «تطبق القوانين النافذة محليا وأوروبيا ودوليا».

وتعتبر باريس أن العقوبات الأميركية والأوروبية على إيران هي الوسيلة المتاحة أمام الدول الغربية للضغط على المسؤولين في طهران. وتريد باريس أن تصيب النظام الإيراني في الصميم وذلك من خلال تجفيف موارده المالية وشل نظامه المالي والمصرفي.

وتشدد رسالة ساركوزي على ضرورة أن تعلق إيران نشاطاتها النووية والصاروخية «فورا» وتوضيح كافة تفاصيل برنامجها النووي والتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة النووية في فيينا فضلا عن الامتناع عن كافة التهديدات الموجهة إلى جيرانها ولدول في المنطقة في إشارة واضحة إلى إسرائيل.

وتذهب المقترحات الفرنسية أبعد مما ذهبت إليه قرارات واشنطن ولندن وأوتاوا إذ إنها المرة الأولى التي يطرح فيها اقتراح وقف مشتريات النفط الإيراني. وتريد باريس أن تكون العقوبات الجديدة «غير مسبوقة».

وقال الناطق باسم الخارجية الفرنسية إن ثمة «استحقاقين» قادمين بشأن الملف النووي الإيراني هما اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في الأول من الشهر القادم وتليه القمة الأوروبية في الثامن منه. وينتظر أن تقر هذه العقوبات على المستوى الأوروبي خلال الأسبوعين القادمين. وسبق لأوروبا أن حرمت أي استثمارات جديدة في القطاع النفطي الإيراني أو تصدير ما من شأنه مساعدتها على تطوير صناعتها النفطية أو قدراتها التكريرية. وبحسب المسؤولين الإيرانيين، فإن الصادرات النفطية من إيران إلى الولايات المتحدة «معدومة» و«ضعيفة» باتجاه البلدان الأوروبية فضلا عن أن إيران قادرة على بيع نفطها إلى دول أخرى خصوصا في جنوب شرقي آسيا.

وقالت مصادر فرنسية رسمية إن التوجه نحو العقوبات مباشرة وقبل المرور بمجلس الأمن الدولي سببه «الاعتراضات» الروسية والصينية. وسارعت موسكو وبكين إلى انتقاد الإجراءات الأخيرة. وجاءت المساومات التي جرت في إطار مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة النووية لاستصدار قرار جديد يدين طهران وعجز الغربيين عن تضمينه فقرة تدعو لنقل الملف دفعه إلى مجلس الأمن الدولي لإقناع الدول الغربية بالذهاب فورا إلى فرض عقوبات إضافية وعدم التوقف عند مربع مجلس الأمن.

وتسعى باريس إلى «التعجيل» في إقرار العقوبات الجديدة لأن «الطاردات المركزية الإيرانية لا تتوقف عن الدوران» وهي تقرب، وفق ما يقوله المسؤولون الفرنسيون، إيران من هدفها وهو الحصول على السلاح النووي. وفي رسالته، اعتبر ساركوزي أن «تصرف» النظام الإيراني «يشكل تهديدا خطيرا ومباشرا» للسلام ويفرغ معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية من مضمونها كما يفتح الباب أمام «تصعيد» عسكري في المنطقة ستكون نتائجه كارثية لإيران وللعالم.

وتقوم المراهنة الغربية على فرضية قوامها أن العقوبات المالية والاقتصادية ستدفع «في نهاية المطاف» المسؤولين الإيرانيين إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات وقبول التفاوض «جديا».

ويتلازم في الرؤية الغربية الملفان السوري والإيراني وتتشابه، في خطوطها العريضة، العقوبات المفروضة مع فارق أول وهو أن العقوبات على سوريا لم تأت قط من مجلس الأمن. وفي ذهن الغربيين أن إضعاف النظام الإيراني سيؤدي حكما إلى إضعاف النظام السوري والعكس صحيح. غير أن مشكلة العقوبات، كما تقول أوساط باريس، أنها «تستلزم الكثير من الوقت» لتأتي أكلها. ومع ذلك، يعتبر مصدر فرنسي رسمي أن العقوبات التي أقرت سابقا «تزعج» النظام الإيراني وتعقد تطوير صناعته النفطية ومعاملاته المالية. لكنها لم تصل بعد إلى مرحلة الضغط كفاية على هذا النظام لحمله على الاستجابة لمتطلبات الأسرة الدولية. لذا فإن التصور اليوم مفاده أن العقوبات الجديدة والمشددة ستوجد حالة من تشديد الاختناق المالي والاقتصادي والنفطي فضلا عن العزل السياسي مما سيدفع المسؤولين في طهران إلى التعاون والتوقف عن المكابرة في تعاطيهم مع الوكالة الدولية ومع مجلس الأمن الدولي ومجموعة الست التي تفاوض طهران منذ سنوات.

وبحسب الإحصائيات المتوافرة، فإن شركة توتال اشترت العام الماضي نحو 45 مليون برميل من النفط الإيراني وهو ما قيمته 2,5 مليار يورو وبمعدل 123 ألف برميل يوميا. ووفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، فإن مشتريات «توتال» تشكل 5.5 في المائة من مجمل المبيعات الإيرانية للعام الماضي.

من جهة أخرى قالت وزارة الخارجية البريطانية إن بريطانيا تتوقع الإعلان عن فرض عقوبات على «كيانات وأفراد» آخرين في إيران في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في أول ديسمبر (كانون الأول) القادم. وقالت متحدثة باسم الوزارة «نبحث فرض عقوبات واسعة النطاق على إيران مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي». وكان مسؤول في الاتحاد الأوروبي ذكر قبل أيام أن المجموعة الأوروبية، تنوي إطلاق عقوبات تشمل 200 شركة إيرانية وأفرادا.