إسلام آباد تعين سفيرة اشتراكية موالية للجيش في واشنطن

السفير السابق أثار قلق المؤسسة العسكرية بعد مزاعم استعانته بأميركا للحد من نفوذها

شيري رحمن
TT

سارعت باكستان إلى تعيين سفير جديد لها لدى الولايات المتحدة بعد يوم واحد من إقالة السفير السابق، إثر مزاعم بسعيه إلى طلب المساعدة الأميركية في كبح جماح مؤسسة الجيش الباكستاني القوية، والتي يبدو أنها تحاول في الوقت الراهن تعزيز دورها في إدارة العلاقات الخارجية فيما يتعلق بسياسات الأمن القومي الباكستانية.

الجدل الذي أججته الادعاءات ضد السفير المنتهية ولايته، حسين حقاني، أبرز قلق المؤسسة العسكرية الكبير منه ومخاوفها من سعيه والمسؤولين الأميركيين إلى الحد من سلطة الجيش. ويرى جنرالات باكستان في حقاني، وهو ناشط سياسي سابق وأكاديمي بارز يحظى باحترام كبير في واشنطن، تهديدا كبيرا لنفوذهم المتنامي في البلاد وأن صلتهم الوثيقة بالرئيس، آصف علي زرداري، الذي لا يحظى بشعبية كبيرة، يجعل من الصعب الوثوق به في تعامله مع الولايات المتحدة.

ويقول محمد زين الدين، رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة «إكسبريس تريبيون»، الصحيفة اليومية الصادرة باللغة الإنجليزية في كراتشي: «يعلم جنرالات باكستان يقينا أن العلاقات مع الولايات المتحدة أمر لا غنى عنه، لكن حقاني واصل وبالغ في تقدير نفسه».

ويرى الجنرالات في السفيرة الجديدة، شيري رحمن، سياسية باكستانية عالمة بالولايات المتحدة، حيث درست في كلية سميث في ماساتشوتس، وتشاركهم إلى حد بعيد وجهات النظر بشأن السياسة الخارجية وتحديات الأمن القومي والمتمثلة في الحاجة إلى التعامل معها كنظير في التحالف المحفوف بالخطر مع الولايات المتحدة وضرورة تأمين المصالح الباكستانية في أفغانستان في الوقت الذي تمضي فيه الولايات المتحدة قدما في الانسحاب منها.

وأضاف زيدان: «كان الجيش يستقطبها إثر تخليها عن منصبها كوزيرة للإعلام في أعقاب خلافها مع الرئيس زرداري». في الوقت ذاته، تحظى شيري رحمن، النائبة في البرلمان عن حزب الشعب الباكستاني الحاكم، بصلات قوية بالنخبة السياسية الباكستانية، ولا تزال على وفاق مع زرداري ورئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني، الذي لم يبد ارتياحا على الإطلاق تجاه حقاني.

من بين أبرز مؤهلات رحمن لنيل الوظيفة كونها اشتراكية تقدمية، فقد دافعت عن حقوق النساء والأقليات. وقد أجبرت العام الماضي على الإقامة تحت حماية الشرطة في أعقاب تلقيها تهديدات بالقتل من قبل متطرفين إسلاميين، على خلفية معارضتها لقوانين التجديف الوحشية في باكستان، والتي عادة تستغل لتسوية حسابات شخصية، خاصة ضد الأقلية المسيحية أو الهندوسية.

وعبر مسؤولون أميركيون، ممن تحدثوا شريطة عدم ذكر أسمائهم، خشية أن ينظر إليهم على أنهم يخوضون في الشأن الداخلي الباكستاني، عن أملهم في أن تتمكن شيري بعلاقاتها الواسعة داخل المؤسسة العسكرية الباكستانية والحكومة وجماعات الحقوق المدنية من جعلها محاورا أكثر فاعلية من سلفها، على الرغم من مناقشته لقضية الجيش عند الضرورة.

وقد أبدى المسؤولون الأميركيون في الوقت ذاته سعادتهم بسرعة تعيين رحمن، الأمر الذي يهدئ من ثائرة المخاوف من مواجهة طويلة بين السلطات العسكرية والمدنية على منصب السفير، والذي يمكن القول إنه المنصب الدبلوماسي الأكثر أهمية. فيقول أحد الدبلوماسيين الأميركيين: «الجيش لا يحتاج إلى مزيد من الذرائع لتجاهل الرئيس ورئيس الوزراء، وهذه السرعة في توافق جميع الأطراف أمر إيجابي، فهم في حاجة إلى السفير في واشنطن، ونحن بحاجة لأن يكون لديهم سفير في واشنطن».

في الوقت ذاته حذر خبراء في باكستان والولايات المتحدة من ضرورة ألا يرى الأميركيون رحمن في ثوب الليبرالية الاشتراكية، الأمر الشائع بين النخب الباكستانية، كمؤشر على إمكانية تأييدها لوجهات نظر الولايات المتحدة فيما يتعلق بصالح باكستان.

وتقول شاميلا تشودري، محلل شؤون جنوب آسيا في منظمة يوراسيا، والتي عملت في السابق مديرا لقسم باكستان وأفغانستان في مجلس الأمن القومي: «الرفاق في واشنطن يعتقدون أن تكون أجندتها المتعلقة بالأمن القومي ليبرالية كأجندتها الداخلية». وأضافت: «إنها قادمة إلى هنا لتمثل الحكومة، والتي تشمل الجيش أيضا».

في المقابل كان حقاني يتصرف «كمؤسسة بحثية من فرد واحد»، بحسب أحد المسؤولين الأميركيين. فكان السفير يعلن في كثير من الأحيان عن انتقاداته للمؤسسة العسكرية بصورة سرية، لكن نشرها قبل توليه منصبه.

حرص حقاني على تبادل وجهات نظره الخاصة، والتي تتوافق في كثير من الأحيان مع الانتقادات الأميركية للمؤسسة العسكرية الباكستانية وعلاقاتها طويلة الأمد للجماعات المسلحة، أدى إلى تراجع نفوذه في واشنطن العام الماضي، وخصوصا في البيت الأبيض، بحسب مسؤولين أميركيين. وقال أحدهما: «كانت هناك تساؤلات حول نفوذه في الداخل وعما إذا كان يمكن الوثوق بها لينقل بدقة ما يفكر به قادته».

ولم يتضح بعد ما إذا كان جنرالات باكستان الكبار يعلمون بذلك، لكن آراء حقاني لم تكن سرية، فقد نشرها في عام في كتابه الذي طرحه عام 2005، والذي يحمل عنوان «باكستان بين المسجد والعسكرية»، والتي بحث العلاقة بين الجيش والجماعات المسلحة، والتي يقاتل الكثير منها حاليا في أفغانستان حاليا. وقد ألف هذا الكتاب خلال عمله أستاذا في جامعة بوسطن.

وقد عزز الجدل حوا المذكرة التي زعم أن حقاني طلب فيها مساعدة الولايات المتحدة في الحد من سلطات جنرالات الجيش الباكستاني من فرصة الجيش في إقالته. وكان المذكرة قد قدمت في مايو (أيار) إلى الأدميرال مايك مولن، الذي كان يتولى حينها منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة عبر منصور إعجاز، رجل الأعمال الأميركي، الباكستاني الأصل. وزعم إعجاز أنه كان يتحدث نيابة عن حقاني.

وقد نفى حقاني مرارا أي صلة له بالمذكرة على الرغم من اعترافه في المقابلة التي أجريت معه يوم الأربعاء باختلافه في وجهات النظر مع الجيش بشأن مدى صلة باكستان مع الولايات المتحدة وما إذا كانت إسلام آباد بحاجة إلى بسط هيمنتها في أفغانستان لحماية نفسها من الهند، خصمها الأكبر.

ووصف استقالته، بأنها نتيجة خسارة الرئيس زرداري الصراع على السلطة. وقال: «من الواضح أن الاختلافات كانت حول وجهة النظر العالمية، لكن إذا ما كان هناك أي استياء أو انزعاج، فإن ذلك لم ينقل لي. فقيادة الجيش لم تكن ودودة تجاهي، لكن هناك الكثير من التعقيدات في باكستان».

وعلى النقيض من شيري رحمن، يقول حقاني: «أنا متشكك تجاه العمق والسياسة الاستراتيجية الباكستانية»، تلك العقيدة التي يستند إليها الجيش في باكستان في حال غزو هندي كاسح ورفض حقاني مناقشة تفاصيل لقائه يوم الثلاثاء مع القادة المدنيين في باكستان والجنرال أشفق برفيز كياني، قائد الجيش، واللفتنانت جنرال أحمد شجاع باشا، مدير المخابرات الباكستانية، أعلى جهاز استخبارات عسكري في باكستان.

لكن مسؤولين باكستانيين على اطلاع بما دار في الاجتماع أشاروا إلى أن حقاني ثبت تورطه بصورة كبيرة من خلال نصوص محادثات الـ«بلاك بيري» مع إعجاز. وقال المسؤولون الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأنهم كانوا يصفون جلسات سرية، إنه على الرغم من اعتراف حقاني بمعرفته بإعجاز، إلا أنه أكد أن النصوص تم التلاعب بها.

في النهاية تقرر رحيل حقاني. وقال أحد المسؤولين: «الجنرال كياني والجنرال باشا مهذبان للغاية، كان قلقهما الوحيد من تحول هذا الأمر إلى قضية كبيرة وأنه من دون الاستقالة لن يكون هناك ما يمكن فعله لتهدئة الموقف».

* خدمة «نيويورك تايمز»