باريس تدفع باتجاه إيجاد ممرات آمنة في سوريا وتحذر من تدهور الوضع الإنساني في حمص

جوبيه يعرض الخيارات المفتوحة ويربط أي عمل في سوريا بوجود «انتداب دولي»

TT

ما زال الغموض يلف اقتراح وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه بإيجاد «ممرات إنسانية» في سوريا لتوفير السلع الحياتية والأدوية للمواطنين الذين يعانون من نقص فيها.

وتبدو باريس قلقة بشكل خاص إزاء الوضع الإنساني في حمص. وأمس، أصدرت الخارجية بيانا عكس عمق هذا القلق، إذ تحدث عن «معلومات مقلقة بشكل خاص وردت من مصادر متطابقة»، عن حال الوضع في حمص «المحرومة من الحاجات الأساسية، والتي تعاني من قمع همجي». ويضيف البيان أنه يتعين العثور على «وسيلة» لتزويد هذه المدينة بما تحتاجه من أساسيات. ويؤكد البيان أن باريس عازمة بالتعاون مع كافة شركائها على التحرك من أجل «إنقاذ» المدنيين و«تعزيز» إجراءات حمايتهم.

وينتهي البيان بالإشارة إلى أن فرنسا، استجابة لطلب المجلس الوطني السوري ولنداءات الاستغاثة من المدنيين السوريين، فإنها طرحت الموضوع على كافة شركائها، مشيرة إلى وزيرة الخارجية الأميركية التي تحادث معها الوزير جوبيه بهذا الشأن وإلى الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية وتركيا والأمم المتحدة.

ويظهر بوضوح أن باريس قررت مقاربة جديدة للملف السوري من الزاوية الإنسانية وعن طريق إيجاد ممرات إنسانية لإغاثة المدنيين. غير أنه رغم التصريحات التي أدلى بها الوزير الفرنسي مساء الأربعاء، عقب استقباله وفدا من المجلس الوطني السوري برئاسة الدكتور برهان غليون ولإذاعة «فرانس أنتير» صباح الخميس، فإن تصور «الممرات الإنسانية» أو «المناطق الآمنة» ما زال غير واضح. كذلك فإن الطريقة للوصول إلى إقرارها يشوبها الكثير من التشويش.

يقول جوبيه، إن «الفكرة» جاءت من المجلس الوطني الذي طلب إقامة مثل هذه الممرات، وإنه «تبناها» وقرر عرضها على اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين الذين سيجتمعون في الأول من الشهر المقبل في بروكسل. كما أن جوبيه «تشاور» بشأنها مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مساء الأربعاء. وأكد جوبيه أيضا أن مشاورات بشأنها تجرى مع الجامعة العربية التي حرص على ضمها إلى كل التحركات الدولية الهادفة لمعالجة الملف السوري على الصعيد الدولي.

ولكن حتى الآن، لم يفصح أحد عن الأماكن التي ستقام فيها الممرات الإنسانية ولا نقطة انطلاقها والمدن والقرى التي ستشملها ولا الجهات التي ستتولى إدارتها وتنفيذها ولا كيفية حمايتها. غير أن الأصعب يتمثل في كيفية إقرارها والآلية التي ستفضي إليها.

ويعتبر الوزير الفرنسي، بطبيعة الحال، أن ثمة طريقتين للوصول إلى إيجاد هذه الممرات، إما بقبول السلطات السورية وإما من غير قبولها. والطريقة الأولى، وفق جوبيه أن «تنجح الأسرة الدولية والأمم المتحدة والجامعة العربية في إقناع السلطات السورية بالسماح بإيجاد هذه الممرات الإنسانية مهما حصل في أماكن أخرى»، من غير أن يحدد ما يقصده بالضبط. ويضيف الوزير الفرنسي المتيقن من صعوبة تحقيق مثل هذا السيناريو: «هذا ليس عبثيا وأنا لا أريد الاعتراف بالفشل سلفا لجهة النجاح في إقناع النظام السوري بإيجاد هذه الممرات تحت حماية غير مسلحة ومن قبل مراقبين دوليين يتمكنون من دخول الأراضي السورية».

أما في حال فشل الحل الأول وهو المرجح، بسبب معارضة النظام السوري الثابتة لأي تدخل دولي في شؤونه «فيجب البحث عن حلول أخرى»، كما يقول الوزير الفرنسي. وكل الصعوبة تكمن في تحديد «الحلول الأخرى» التي تمر وفق الوزير الفرنسي عبر مجلس الأمن الدولي، إذ «ليست هناك إمكانية للتدخل حتى وإن كان إنسانيا من غير انتداب دولي بطبيعة الحال»، في إشارة إلى مجلس الأمن. ولتطمين من يتخوف من كلمة تدخل وإن إنسانيا، فإن الوزير جوبيه عمد إلى تأكيد أن التدخل «العسكري» هذه المرة «غير مطروح» في الحالة السورية. وسارع جوبيه إلى القول إنه في كل محادثاته مع المسؤولين الأتراك قبل أيام «لم تبحث أبدا الخيارات العسكرية»، مما يبدو أنه رد على المعلومات المتداولة، والتي تتحدث عن التحضير لضربة عسكرية في سوريا انطلاقا من تركيا.

غير أن هذا التصريحات لا توضح تماما الموقف الفرنسي، إذ إن جوبيه يشير تارة إلى «حماية مسلحة» لمواكب المساعدات وتارة أخرى إلى «مراقبين دوليين». ويتعين، كما تقول مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية انتظار ما ستؤول إليه المشاورات بين البلدان الأوروبية من جهة، ومع الجامعة العربية من جهة أخرى، فضلا عن استجلاء الموقف الأميركي الحقيقي قبل معرفة المسار الذي سيسلكه هذا الاقتراح الذي يفترض أن يمر في مرحلة أولى في مجلس الأمن الدولي. أما إذا بقيت المعارضة الروسية - الصينية على حالها وإذا رفضت سوريا الخيار الأول، فإن مروحة الاحتمالات عندها ستتسع للبحث عن «أسس قانونية» يتم العمل عليها في الوقت الحاضر ومن شأنها أن تتيح «التدخل الإنساني» من غير المرور حكما بقرار من مجلس الأمن.

وتعتبر المصادر المشار إليها أن الاجتماع الذي استضافته الخارجية الفرنسية يوم الجمعة الماضي يصب في اتجاه إنشاء «مجموعة اتصال» يكون من بين أهدافها حشد أوسع دعم دولي لخطة تحرك إزاء التطورات الجارية في سوريا.