الانتقادات تحاصر الكيب.. والمجلس الانتقالي يدافع عن حكومته باستماتة

رئيس الائتلاف المؤسس للثورة يصف أول حكومة انتقالية بعد القذافي بالموؤودة

TT

* احتجاز بلحاج لمدة ساعة في مطار طرابلس.. ورئيس مجلس ثوار طرابلس يشكو لـ«الشرق الأوسط» من ربطة العنق بعد تخليه عن زيه العسكري واصل كل من المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي، والدكتور عبد الرحيم الكيب رئيس الحكومة الانتقالية، دفاعهما المستميت عن الحكومة التي باشرت عملها أمس بعد أداء اليمين القانونية بالعاصمة الليبية طرابلس، بينما تتصاعد الانتقادات الداخلية بشكل علني على الرغم من تعهد الوزراء المعينين في أول حكومة انتقالية في البلاد بعد سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي وقتله، والذين أقسموا على الوفاء لأهداف ثورة 17 فبراير (شباط) الماضي، بأداء مهامه عملهم بكل أمانة وإخلاص.

وقبل توجهه إلى العاصمة السودانية الخرطوم تلبية لدعوة رسمية من الرئيس السوداني عمر البشير، دعا المستشار عبد الجليل إلى منح حكومة الكيب الفرصة كي تتمكن من أداء مهامها، لكنه قال في المقابل إن الاحتجاجات التي تشهدها بعض المناطق في البلاد ضد الحكومة تعتبر ظاهرة صحية للديمقراطية.

وجدد عبد الجليل، في مقابلة مع وكالة أنباء «شينخوا» الصينية للأنباء تلقت «الشرق الأوسط» نصها، أن حكومة الكيب التي تم الإعلان عنها يوم الثلاثاء الماضي لم تشكل أبدا على أساس من الجهوية أو المحاصصة، مشيرا إلى أن النظام السابق كان يفرض على الشعب الليبي أسماء حكوماته ولا أحد يتكلم. وأضاف «العبرة في تقييم الحكومة بالأداء والنزاهة والشفافية، والفيصل هو تقديم الخدمة لكل أفراد الشعب الليبي والاهتمام والنهوض بكل المناطق». ومنذ الإعلان عن تشكيل الحكومة الليبية اندلعت مظاهرات مناوئة لها في عدة مدن ليبية، بينما عبر ناشطون سياسيون ومسؤولون ليبيون عن عدم رضاهم عنها.

من جهته، قال الكيب إن حكومته التزمت بمعايير الوطنية والكفاءة، معربا عن رفضه القبول بالحديث الإعلامي والسياسي المتواتر عن تعرضه لضغوط خارجية من قطر تحديدا لإسناد بعض الحقائب الوزارية إلى مسؤولين ليبيين موالين لها، مؤكدا أن اختياراته تمت بناء على معايير محددة مع استبعاد كل عناصر ورموز النظام الليبي السابق.

في المقابل، شن علي الترهوني، القائم بأعمال رئيس الوزراء الليبي المنتهية ولايته، هجوما حادا على أعضاء المجلس الانتقالي، وقال إنهم نخبة غير منتخبة، وإنهم مدعومون «بالمال والسلاح والعلاقات»، محذرا من أن 90 في المائة من مناطق ليبيا ليس لها صوت سياسي. وقال الترهوني الذي تولى منصب وزير للنفط والمالية في الحكومة السابقة، في مؤتمر صحافي عقده بالعاصمة طرابلس بعد ساعات من تشكيل حكومة الكيب، إن الأصوات التي تسمع الآن في ليبيا هي أصوات النخبة وأصوات المجلس الوطني الانتقالي الذي لم ينتخب وأصوات آخرين يدعمون من الخارج بالمال والسلاح والعلاقات. وأضاف أن الوقت قد حان لسماع أصوات الليبيين، وأن ليبيا بحاجة لإعادة بناء الحركة الديمقراطية الدستورية، مشيرا إلى أنه طلب منه الانضمام للحكومة، لكنه رفض بسبب تحديات المرحلة الانتقالية ولأنه يريد التحدث بحرية.

وقال الترهوني إن ثروة الشعب الليبي في خطر، وإن القضايا الاقتصادية هي تحد كبير، معتبرا أن المجلس الانتقالي فشل فشلا ذريعا في دمج الميليشيات المسلحة المختلفة التي ما زالت تهيم في ليبيا تحت قيادة جيش وطني رسمي. وأشار إلى التحديات الأمنية والاقتصادية الكثيرة التي تواجه الحكومة الوليدة في البلاد بعد خروجها من صراع دموي، وقال إن سلامة المنشآت النفطية قضية مهمة.

من جهته، رأى عبد السلام المسماري، المنسق العام لائتلاف ثورة 17 فبراير الذي يعتبر القوة المؤسسة للثورة والذي أخذ على عاتقه تنظيمها في بدايتها، لـ«الشرق الأوسط»، إن حكومة الكيب محكوم عليها بالفشل.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «تقييمي الشخصي أطلقته قبل إعلان تشكيلة الحكومة وقبل تكليف الكيب بها بسبب قراءة واعية لانعكاسات المادة 30 من الإعلان الدستوري على أمن واستقرار ليبيا». وتابع «بالنسبة لهذه الحكومة فقد قصرت تلك المادة المثيرة للجدل عمر الحكومة على ثمانية أشهر بعد التحرير مضى منها شهر، ويتبقى أقل من سبعة أشهر من عمرها، هل تكفي لإكمال بنية الوزارات، والحصول على مقرات لها؟ كلا». ومضى المسماري إلى القول إن النتيجة أن هذه الحكومة ما إن تشرع في العمل حتى تكون مدتها قد انتهت.. وبالتالي ترحل المشاكل التي تتطلب مواجهة إلى حكومة تالية، لذا سميت هذه الحكومة بالحكومة الموؤودة.

من جهة أخرى، احتوى المجلس الانتقالي والثوار أزمة توقيف مفاجئة تعرض لها عبد الحكيم بلحاج رئيس المجلس العسكري لطرابلس قبل قليل من توجهه إلى العاصمة التركية أنقرة لتفقد الجرحى الليبيين هناك. وكان المسؤولون في سلطات مطار طرابلس قد استوقفوا بلحاج أحد القياديين السابقين في الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، واحتجزوه لمدة ساعة بسبب اختلاف اسمه في جواز سفره الحالي عن السابق.

وقال عاملون في مطار طرابلس الدولي إن مقاتلين من ثوار الزنتان يعملون تحت إمرة عبد الله ناكر رئيس مجلس ثوار طرابلس، ويتولون تأمين المطار، أوقفوا بلحاج الذي ينظر إليه ناكر على أنه عميل لقطر التي أغدقت المساعدات العسكرية والإنسانية على معسكر الثوار التابع له.

وعارض ناكر منح بلحاج أي دور في الحكومة أو الجيش الوطني، فيما تعرض معسكر بلحاج لانتكاسة سياسية بعد منح منصب وزير الدفاع في الحكومة الجديدة هذا الأسبوع إلى أسامة الجويلي أحد القادة العسكريين لمدينة الزنتان بمنطقة الجبل الغربي في ليبيا.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن اتصالات جرت بين مسؤولي المطار والمجلس الانتقالي تأكد بعدها أن بلحاج مكلف رسميا من قبل المجلس بزيارة الجرحى الليبيين في تركيا، فيما قال مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي إن حصول بلحاج على جواز سفر جديد باسم مختلف يرجع إلى كونه مطلوبا وملاحقا من قبل بعض الدول الغربية، مما قد يعرضه لبعض الملاحقات الدولية لأنه لم تتم تسوية أموره الدولية بالكامل.

وأشار إلى أن بلحاج تخلى تماما عن فكر تنظيم القاعدة، وقبل بالمبادرة التي طرحت عليه في السجن، وانضم إلى الثوار، وهو الآن يحمل أفكارا إسلامية وسطية لا غضاضة فيها على الإطلاق. ونفى عبد الجليل ردا على معلومات مفادها أن توقيف بلحاج يرجع إلى محاولته تهريب عملات أجنبية، أي علاقة لبلحاج بعمليات تهريب أموال سواء من قريب أو بعيد.

يشار إلى أن بلحاج اعتقل في أفغانستان بتهمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة، قبل أن تسلمه المخابرات الأميركية إلى نظيرتها الليبية بعدما أفرج عنه من معتقل غوانتانامو الأميركي.

إلى ذلك، أبلغ عبد الله ناكر، رئيس مجلس ثوار طرابلس «الشرق الأوسط» بأنه خلع بالفعل زيه العسكري وارتدى زيا مدنيا في مؤشر على رغبته في الانضمام إلى الحياة السياسية في المرحلة المقبلة.

واشتكى ناكر الذي ظهر في مؤتمر صحافي عقده بالعاصمة الليبية مساء أول من أمس مرتديا للمرة الأولى بدلة رسمية كاملة على غرار ما فعله قبل أسابيع فقط غريمه بلحاج، لـ«الشرق الأوسط» من عدم رضاه وعدم اعتياده على ارتداء ربطة العنق، وقال «لم أعتد عليها من قبل، لا أريد أن أبدو رسميا، أنا مواطن عادي يحب بلده ويسعى لصالحه علىّ أن أعتاد على هذا الوضع الجديد».

وقال ناكر عبر الهاتف من طرابلس «نريد أن نعود إلى ممارسة حياتنا المدنية بصورة طبيعية.. الزي العسكري وحمل السلاح أمور اضطررنا لها في مواجهة نظام القذافي، الآن هناك مرحلة جديدة على الجميع أن يستوعبها».

وأكد أن مجلس ثوار طرابلس الذي يضم جميع مناطق العاصمة الليبية، ويتألف من جانبين مدني وعسكري، مستعد لتسليم أسلحته وأسلحة ثواره تحت مظلة وزارتي الدفاع والداخلية، من أجل العودة إلى المؤسسات لطبيعية للدولة المدنية، مشيرا إلى أنه شخصيا ليس ممن وصفهم بطلاب السلطة أو المناصب الحكومية والرسمية. وأضاف «دوري سيقتصر على رقابة أداء الحكومة الانتقالية، لو كنت توليت أي منصب لم كان سيصبح بمقدوري النقد إذا رأيت أي خطأ أو تقصير».

ووصف ناكر المرحلة التي تمر بها ليبيا حاليا بأنها مرحلة حساسة وحرجة في الوقت نفسه، داعيا إلى تضافر كل الجهود من أجل الوصول إلى بر الأمان. وأعرب عن رضاه التام عن تشكيلة حكومة الكيب، معلنا وقوف المجلس ودعمه لها من أجل ما وصفه ببناء ليبيا الديمقراطية، دولة القانون والمؤسسات.

ودعا ناكر، الليبيين إلى تناسي أحقادهم والترفع عن الانتقام وفتح صفحة المصالحة الوطنية العادلة والوقوف صفا واحدا من أجل دولة المواطنة والعدالة والمساواة.

وقال ناكر، وهو زعيم إحدى أقوى مجموعتين مسلحتين في طرابلس تحاولان استغلال قوتهما المسلحة في كسب نفوذ سياسي، إن رجاله سيحترمون الحكومة الجديدة، معتبرا أن تشكيل الحكومة كان إيذانا بتحول ميليشيات المتمردين السابقين من الحرب إلى السياسة.

وأضاف أن رجاله الذين قال إن عددهم يبلغ نحو مائة ألف رجل سيعلنون ولاءهم لوزارتي الدفاع والداخلية رغم أنه لم يحدد متى يتم ذلك، مشيرا إلى أنه بصدد تشكيل حزب سياسي للعمل من أجل أولئك الناس الذين حملوا السلاح للإطاحة بالقذافي. وقال إن ليبيا أصبحت الآن دولة ديمقراطية.

كما تمنى ناكر التوفيق لحكومة الكيب في تراجع لافت للانتباه عن تعهدات سابقة بأن يسعى مجلس ثوار طرابلس لإسقاطها إذا تجاهلت الثوار أو امتنعت عن إشراكهم في حقائبها الوزارية.