الأزهر يتصدر المشهد الثوري في التحرير

إمام مسجد عمر مكرم يتلو مطالب الثورة.. وخطبته تلهب الثوار

ضابطان في الجيش المصري يلوحان للمتظاهرين في ميدان التحرير بالقاهرة أمس (أ.ب)
TT

للمرة الأولى منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني)، تصدر الأزهر الشريف المشهد الثوري في المظاهرة المليونية أمس بميدان التحرير، وبعث بتمثيل رسمي له مؤيدا لمطالب الثوار، حين أناب الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، الدكتور حسن الشافعي، لإلقاء كلمة الأزهر وإمامة المصلين في الصلاة.

وقال مراقبون، إن موقف الأزهر تغير تماما خلال أحداث الثورة المصرية الثانية، خاصة بعد أن أصدر الأزهر العديد من البيانات التي أيدت الثورة، وحرمت إراقة الدماء، ودعت للوقف الفوري لإطلاق الرصاص على المتظاهرين. بعد أن كان الأزهر قد اكتفى عقب الأيام الأولى للثورة بإصدار بيان واحد، حث فيه الثوار على ضبط النفس.

وفي خطبة الجمعة بميدان التحرير، طالب الشيخ مظهر شاهين إمام مسجد عمر مكرم بـ«تشكيل حكومة إنقاذ وطني بصلاحيات رئيس الجمهورية»، داعيا جميع أطياف الشعب بمسلميه ومسيحييه والقوى السياسية والوطنية لتوحيد الصفوف لتحقيق أهداف الثورة، وإلى ضرورة المحاكمة العاجلة لكل من تسبب في إراقة دماء المتظاهرين وقتل الشهداء خلال الأحداث الأخيرة.

وأضاف شاهين، وهو إمام بوزارة الأوقاف المصرية، وملقب بـ«خطيب الثورة»، أن المجلس العسكري (الحاكم في مصر) مطالب بإصدار قرارات ثورية تتضمن تشكيل مجلس رئاسي مدني، وتشكيل لجنة تحقيق قضائية مستقلة للتحقيق في مقتل المتظاهرين، ووقف المحاكمات العسكرية للمدنيين على الفور، وإلغاء جميع الأحكام العسكرية السابقة وإعادة المحاكمات أمام المحاكم المدنية.

وأكد شاهين ضرورة منع «فلول» النظام السابق الذين أفسدوا الحياة السياسية من خوض الانتخابات البرلمانية (المقرر لها بعد غد الاثنين) والرئاسية، وتطهير مؤسسات الإعلام الرسمي ووزارة الداخلية، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بشكل كامل وسريع، قائلا: «ثورتنا المجيدة منذ أن قامت حتى هذه اللحظة كانت جسدا بلا رأس، والآن سيصبح للثورة رأس».

وأضاف شاهين أن «الثورة هي من تفكر وتقرر وتحكم وتحاكم، وسنشكل حكومة إنقاذ وطنية تمثل كل الأطياف، حتى لا تكون هناك فرقة وحتى لا يكون هناك خلاف»، مشيرا إلى أن الثوار ليسوا في خلاف مع الجيش، لكنهم ينتقدون أداء المجلس العسكري خلال الأشهر العشرة الماضية.

وأدى الشيخ شاهين قسما داخل الميدان ردده المصلون وهو: «أقسم بالله إنه لن تموت مصر ولن ينال منها أحد»، وعقب انتهائه من أداء القسم، دوى الميدان بهتافات المصلين «الله أكبر.. الله أكبر». ووجه حديثه إلى المتظاهرين، قائلا: «ها هو الأزهر الشريف عاد إلى الميدان.. يؤيدكم في مطالبكم».

وقتها أمّ الدكتور حسن الشافعي المتظاهرين في الصلاة، وأسهب في الركعة الثانية من الدعاء بنصرة الثورة والدعاء للشهداء بالرحمة والمغفرة وللمصابين بالشفاء العاجل، بنبرة أبكت العديد من المصلين.

وقال الشافعي في كلمة وجهها للمتظاهرين عقب صلاة الغائب على أرواح الشهداء: «إن ما حدث من قبل رجال الأمن تسبب في إثارة غضب الأمة الإسلامية»، مضيفا: «إن إراقة الدماء يهتز لها عرش الرحمن وتهتز لها السماء»، مستشهدا بالآية الكريمة، في قوله تعالى: «من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا». وأشاد ممثل الأزهر في الميدان بما فعله الشباب من جهود طوال الأسبوع الماضي، وطالبهم بالصمود والتصدي لكل معتد على مصر.

يأتي دعم الأزهر للمتظاهرين، في وقت غابت فيه جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية وجانب من قوى التيار السلفي عن الميدان، بعد أن قرروا عدم المشاركة في مظاهرات التحرير.

وكشفت مصادر بالأزهر لـ«الشرق الأوسط» عن أن الدكتور الطيب، أجرى على مدار اليومين الماضيين اتصالات مكثفة بقيادات المجلس العسكري، لحثهم على وقف العنف الدائر بين المتظاهرين وقوات الأمن، وإزالة الاحتقان بين المؤسسة العسكرية والشعب، للوصول إلى حل ودي للأزمة.

وأكدت المصادر أن شيخ الأزهر أكد لقيادات المجلس العسكري أن دماء المصريين جميعا معصومة وأغلى من أن تراق، وأن المتظاهرين لهم حق التظاهر السلمي وإبداء الرأي. وأشارت المصادر إلى أن شيخ الأزهر كلف الشافعي، بالتواصل مع المعتصمين الموجودين في ميدان التحرير، والاجتماع مع وفود منهم بمقر مشيخة الأزهر، للتوصل إلى كلمة موحدة يقبلها الجميع.

ويرى علماء دين أن دخول الأزهر على خط الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس السابق حسني مبارك عقب ثلاثين عاما قضاها رئيسا لمصر، يعد امتدادا لدوره الوطني على مدار عقود طويلة امتدت لأكثر من ألف عام، صاغ علماؤه خلالها وجدان الأمة من فوق منابر المساجد.

ويقول الدكتور محمد مهنا عضو المكتب الفني لشيخ الأزهر، إن مشايخ الأزهر كان لهم دائما دور الصدارة طوال التاريخ في إخماد الفتن، وإعمال الحكمة بين الأطراف المتنازعة، مضيفا لـ«الشرق الأوسط» أنه في ظل تصاعد الأحداث بالتحرير، كان يجب أن يكون لمشايخ الأزهر دور في محاولة توحيد الصف، وإعادة اللحمة بين فئات الشعب المصري وقواه ومؤسساته. وعلق الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، قائلا لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأزهر منذ نشأته وهو بمثابة (بيت أمة) ينصهر فيه الجميع».