عبد الله ناكر لـ «الشرق الأوسط»: السنوسي في قبضة الثوار.. وسننقله قريبا إلى الزنتان ليراه العالم

رغم أن رئيس «الانتقالي» ورئيس الحكومة أعلنا عدم توافر أي أدلة ملموسة على اعتقاله

عبد الله السنوسي
TT

رغم احتدام الجدل حول مدى صحة اعتقال عبد الله السنوسي صهر العقيد الراحل معمر القذافي ورئيس جهاز المخابرات الليبية السابق، فقد كشف رئيس مجلس ثوار طرابلس عبد الله أحمد ناكر النقاب للمرة الأولى لـ«الشرق الأوسط» عن أن السنوسي بالفعل معتقل وأنه في قبضة الثوار في مكان آمن رفض الإفصاح عنه لما وصفه باعتبارات أمنية ومخاوف من حدوث اختراقات أمنية.

وتقول قيادات من الثوار إن السنوسي اعتقل في جنوب ليبيا على أيدي عناصر من كتيبة «جحفل فزان» حيث كان مختبئا في منزل أخته بمنطقة القيرة الواقعة على بعد مائة كيلومتر شمال مدينة سبها، وعلى بعد 500 كيلومتر جنوب العاصمة الليبية طرابلس.

ورغم إعلان مسؤولين في المجلس الوطني الانتقالي وقيادات عسكرية وأمنية من الثوار صحة اعتقال السنوسي، فإن رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل أعلن عدم توافر أي أدلة ملموسة على اعتقال السنوسي، وهو نفس الموقف الذي اتخذه رئيس الحكومة الليبية الجديدة الدكتور عبد الرحيم الكيب.

لكن عبد الله ناكر رئيس مجلس ثوار طرابلس أكد أمس في المقابل لـ«الشرق الأوسط» أن نبأ اعتقال السنوسي هو خبر أكيد، مشيرا إلى أنه سيتم الإعلان عنه في الوقت المناسب.

وأضاف: «بالفعل هو (السنوسي) معتقل وتحت سيطرة مجلس ثوار طرابلس لكن بالنظر إلى عدم الاستقرار الأمني والعسكري في منطقة الجنوب حيث نعتقل السنوسي حاليا، فإننا نتحفظ على الإعلان عن أي تفاصيل».

وتابع «نخشى حدوث اختراقات أمنية، لا تنسى أن هذا المجرم كان يتولى رئاسة جهاز مخابرات القذافي ولديه أموال طائلة يمكنه بها محاولة شراء بعض الذمم والهروب كما حدث قبل سقوط نظام القذافي في مسألة اعتقال نجله الأكبر محمد الذي تمكن من الهرب بعد اعتقاله نتيجة للفوضى الأمنية ولحالة الهرج والمرج التي سادت عملية اعتقاله».

وقال ناكر لـ«الشرق الأوسط»: «سنعلن في الوقت المناسب عن اعتقال السنوسي، في الوقت الحالي توجد مخاطر أمنية كثيرة».

ولدى سؤاله عن طبيعة هذه المخاوف قال ناكر: «نخشى أن يحاول البعض اغتيال السنوسي انتقاما لدوره القذر الذي قام به ضد ثورة الشعب الليبي، وأيضا لكونه أحد كبار مجرمي نظام القذافي على مدى أكثر من أربعة عقود».

وطبقا لما رواه ناكر لـ«الشرق الأوسط» في تصريحات خاصة عبر الهاتف من العاصمة طرابلس، فإن محاولة واحدة على الأقل جرت لنقل السنوسي من مكان اعتقاله الحالي إلى مكان أكثر أمنا لكنها فشلت بسبب تعرض الطائرة لهجوم في اللحظات الأخيرة.

وأضاف «كانت هناك طائرة تستعد لنقله إلى الزنتان، لكن فور هبوطها تعرضت لإطلاق نار ورماية فقررنا إلغاء العملية، سنفعلها ثانية عندما يستتب الوضع الأمني بشكل جيد، سننقله إلى الزنتان كما فعلنا مع سيف الإسلام النجل الثاني للعقيد القذافي».

وقال ناكر لـ«الشرق الأوسط» إن «مسألة نقل السنوسي إلى الزنتان هي بالتأكيد مسألة وقت ليس أكثر، سيراه العالم قريبا معتقلا في قبضتنا، هذا أمر مؤكد».

وربما لا يصدق الكثيرون أن الرجل الذي اشتهر بقسوته ودمويته في التعامل مع كل معارضي نظام القذافي، بات أخيرا في حوزة وقبضة الثوار الذين تمكنوا بعد نحو ثمانية أشهر من الكفاح المرير من الإطاحة بنظام القذافي في نهاية ناجحة للثورة الشعبية التي اندلعت ضده في السابع عشر من شهر فبراير (شباط) الماضي.

ويعتقد البعض أن اعتقال السنوسي هو بمثابة الإعلان الحقيقي عن سقوط نظام القذافي، حيث قال عبد المنعم الهوني ممثل المجلس الوطني الانتقالي لدى الجامعة العربية ومصر لـ«الشرق الأوسط»: «نعم هذا هو اليوم الرسمي لسقوط النظام السابق، هذا المجرم مسؤول عن مقتل آلاف الليبيين، إنه اليد القذرة للقذافي».

وأوضح الهوني الذي كان ذات يوم أحد من يطاردهم السنوسي ويسعى لاغتياله بسبب الشك في مدى ولائه لنظام القذافي، أن «هذا مجرم يداه ملطخة بدماء شعبنا، لدى كل مواطن ليبي ثأر شخصي معه، إنه أهم صندوق أسود في نظام القذافي وربما كان أبو الصناديق كلها بالنظر إلى الدور الذي لعبه في خدمة سيده».

كان القذافي يعتمد بالفعل على السنوسي في كل المهام القذرة الموكلة إلى جهاز المخابرات الليبية، خاصة في مطاردة وتصفية المعارضين المناوئين للنظام الذي كان يطلق عليهم في السابق تعبير «الكلاب الضالة».

لم يكن السنوسي الذي يبلغ من العمر نحو 62 عاما، مجرد مسؤول عادي في نظام القذافي أو مجرد مسؤول حكومي فقط، بل كان «ظل» القذافي وكاتم أسراره الأول مما يضعه في مصاف كبار المسؤولين عن الحقبة التي حكم فيها القذافي ليبيا اعتبارا من عام 1969 وعلى مدى نحو 42 عاما متواصلة.

رافق السنوسي القذافي ليس فقط بحكم المصاهرة الاجتماعية والأسرية بينهما في رحلة السلطة والحكم، لكن أيضا باعتباره أحد المسؤولين عن أمن القذافي وأجهزة مخابراته الداخلية والخارجية.

لكن الرجل الذي اشتهر وسط الليبيين بلقب «الجزار» بالنظر إلى المهام القذرة والدموية التي قام بها لخدمة ولصالح نظام القذافي بات أخيرا في قبضة الثوار الذين يتوقون إلى محاكمته بأسرع وقت ممكن للكشف عن كل الحقائق والقضايا الغامضة والعالقة التي تركها نظام القذافي خلفه.

وكأي فرعون يكون في حاجة إلى رجل يضطلع بمهام هامان، فإن السنوسي كان بالفعل أكثر من هامان للقذافي في ليبيا، وربما لأهميته الشديدة بالنسبة للثوار يتخوف البعض من قتله قبل الوصول به إلى قفص المحاكمة سليما.

كان السنوسي شديد الصلة بالقذافي، حيث رافقه في حله وترحاله أينما كان، تماما كما الحال بالنسبة إلى الخيمة البدوية الشهيرة التي اعتاد القذافي أن ترافقه في سفرياته إلى الخارج أو تنقلاته الداخلية.

وعندما اندلعت ثورة الشعب الليبي انطلاقا من مدينة بنغازي شرق البلاد منتصف شهر فبراير الماضي كان السنوسي مستعدا لمواجهة هذه اللحظة، فوضع خطة للاستعانة بالمرتزقة من جميع أنحاء العالم، كما أمر بوضع قوات الأمن الموالية للقذافي في حالة تأهب وأعطى تعليمات رسمية بالضرب «في المليان» وبالرصاص الحي ضد أي متظاهر يجرؤ على إعلان عصيانه للنظام.

لكن الليبيين الذين خرجوا للمرة الأولى للهتاف بمطالبة القذافي بالرحيل عن السلطة للمرة الأولى، كانوا بالفعل قد كسروا حاجز الخوف وبرهنوا مجددا على أن الحل الأمني ليس كافيا في مواجهة ثورة الجماهير الغاضبة.

راهن السنوسي على جبن الشعب الليبي لكن هذا الشعب فاجأه بصموده الأسطوري في مواجهة آلة قمعية عنيفة ربما تضاهي، مع الأسف، الآلة العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين.

فشلت خطة السنوسي في قمع الثورة الشعبية، لكنه لم يتراجع أو يستسلم، وظل حريصا على مواصلة واستمرار أعمال القتل والتنكيل بحق شعبه الأعزل الذي خرج في مظاهرات سلمية ترفع للقذافي «الكارت الأحمر» وتأمره بالخروج من الحلبة بعدما انتهت المباراة التي جرت على مدى عقود من جانب طرف واحد، ومن دون أن يكون الشعب شريكا فيها.

لم يكن السنوسي مثقفا أو أكاديميا معروفا وربما كما يقول البعض لم يقرأ كتابا واحدا في حياته، بل كان فقط واحدا من أهل البيت بحكم مصاهرته للقذافي، وهو تصدر المشهد السياسي لعقود كانت كافية لكي يتمنى الليبيون لاحقا أن يحاكم ملايين المرات على جرائمه ضدهم.

قبل سقوط طرابلس واجتياح الثوار للمقر الحصين للقذافي في ثكنة باب العزيزية نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي ظهر السنوسي على شاشات التلفزيون الليبي الرسمي لكي يعيد نفس الأسطوانة المشروخة التي طالما رددها نظام القذافي بشأن اتهامات عبثية لـ«القاعدة» ولجماعات إسلامية متطرفة بمحاولة القفز على السلطة.

واختفى السنوسي عن الأنظار بعد اجتياح الثوار لطرابلس في شهر أغسطس الماضي، علما بأنه ظهر قبلها بأسبوعين فقط على شاشات التلفزيون لينفي نبأ إصابته في عملية تبنتها إحدى الجماعات الليبية المسلحة قبل سقوط طرابلس.

كان من النادر أن يدلي السنوسي بأي أحاديث أو مؤتمرات صحافية، لكنه شذ عن هذه القاعدة بعد اندلاع الثورة الشعبية ضد القذافي حيث وجه اتهامات مباشرة إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالتدخل المباشر في الشؤون الداخلية الليبية، كما زعم أنه سلم أموالا لمسؤولين في حملة ساركوزي الانتخابية التي قادته إلى الفوز بمنصبه الراهن.

والسنوسي هو زوج أخت صفية فركاش الزوجة الثانية للقذافي. ويصفه المعارضون الليبيون بأنه «عين القذافي وأذنه ويده اليمنى» في إحكام السيطرة الأمنية على البلاد.

ويقول الثوار إنه المسؤول عن طريقة تعامل السلطات الليبية مع الاحتجاجات التي انطلقت في 17 فبراير 2011 والتي طالبت بإسقاط القذافي ونظامه، حيث تميزت بالقسوة المفرطة والقتل المباشر للمواطنين الليبيين.

شغل السنوسي عدة مناصب أمنية وعسكرية رفيعة المستوى وضعته في دائرة المقربين من القذافي أو «رجال الخيمة»، وهو التعبير الذي كان يطلق عادة على أبرز الموثوق فيهم من قبل النظام السابق.

وأسندت إليه عدة مهام أمنية حساسة بينها قيادة جهاز الأمن الخارجي والاستخبارات العسكرية، وما يعرف في ليبيا بـ«الكتيبة»، وهي الجهاز المكلف بحماية القذافي، وأصبح يمثل الوجه القمعي للنظام داخل البلاد، ويعتقد أنه يقف وراء تصفية عدد من الأصوات المعارضة في الداخل والخارج.

ويواجه السنوسي اتهامات خطيرة ومتعددة، لعل أبرزها المسؤولية الرئيسية عن واحدة من أكثر المآسي المحلية بشاعة، في مجزرة سجن أبو سليم بطرابلس في شهر يونيو (حزيران) من عام 1996 التي قتل فيها نحو 1200 سجين معظمهم من المعتقلين السياسيين بالرصاص، ردا على احتجاجهم على ظروفهم السيئة داخل السجن.

وكان السنوسي قد عارض بشدة قيام نظام القذافي بالإفراج عن معتقلين إسلاميين قاموا بمراجعة أفكارهم وأعلنوا تخليهم عن العنف، كما اتهمته منظمات حقوقية ليبية بالوقوف خلف قتل واختفاء العديد من المعارضين السياسيين داخل ليبيا وقت رئاسته لجهاز الأمن الداخلي مطلع الثمانينات.

ويعتبر السنوسي معروفا جدا لدى أجهزة الاستخبارات الغربية، حيث حكم عليه القضاء الفرنسي بالسجن مدى الحياة على خلفية تورطه المحتمل في تفجير طائرة تابعة لشركة «يوتا» الفرنسية وقتل نحو 170 من ركابها عام 1989، وأدت هذه الحادثة إلى إصدار مذكرة اعتقال دولية بحقه، حيث كان ممنوعا من دخول معظم دول الاتحاد الأوروبي.

وصفته برقية دبلوماسية أميركية سرية نشرها موقع «ويكيليكس» بأنه «ظل» القذافي والمشرف على كل ترتيباته الشخصية بما في ذلك مواعيده الطبية، مشيرة مع ذلك إلى أنه شخص مصاب بالخوف والرهاب الشديدين.