مصدر إيراني: خامنئي يعين شاهرودي «وليا فقيها» للعراق.. ويسعى لترجيح كفة المالكي

قال لـ «الشرق الأوسط» إن الخطوة تأتي في إطار توسيع النفوذ الإيراني بعد الانسحاب الأميركي

آية الله هاشمي شاهرودي مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في مناسبة رسمية بطهران (أ.ب)
TT

تبدو إيران متوجسة من تفاقم الخلافات بين الشيعة في العراق مع الانسحاب الوشيك للقوات الأميركية بحلول نهاية العام الحالي، خاصة بين المرجعية الدينية وحكومة نوري المالكي الشيعية من جهة، وبين أقطاب الأحزاب والقوى الشيعية الأخرى، منها الخلافات بين زعيمي حزب الدعوة الإسلامية إبراهيم الجعفري ونوري المالكي، والخلاف المستفحل بين رئيس منظمة بدر الشيعية هادي العامري وعمار الحكيم رئيس المجلس الإسلامي الأعلى من جهة أخرى.

ونظرا لحساسية الوضع القادم ومواجهة تداعيات ما بعد الانسحاب الأميركي من العراق، بدأ النظام الإيراني يركز جهوده للسيطرة على الوضع العراقي من خلال تكثيف دعمه للمالكي، واتخذ عدة إجراءات بهذا الاتجاه لخصها معارض إيراني طلب عدم الكشف عن هويته في تصريح خاص بـ«الشرق الأوسط». وتركز تلك الإجراءات على تعيين «ولي فقيه» في العراق، وترجيح كفة المالكي في مواجهته الحالية مع زعماء حزب الدعوة والتحالف الوطني، وكذلك إغراء بعض أقطاب وقيادات الأحزاب الشيعية من خلال منحهم عقودا تجارية مغرية، وأخيرا السعي لإضعاف دور المرجعية الدينية في النجف بخلق مرجعية بديلة تتبع إيران بشكل كامل.

ويعرض المصدر وهو من داخل إيران ولديه تواصل مع السلطات العليا هناك، أنه «نظرا إلى أن انسحاب القوات الأميركية من العراق بات وشيكا.. وكون حكومة المالكي اليوم في أضعف حالاتها، يتخذ خامنئي جملة من الإجراءات كخطة وقائية وتدافعية لمواجهة التهديدات المحتملة للنفوذ الإيراني في العراق، من أهمها المعلومات التي وردت من داخل النظام الإيراني بتعيين آية الله هاشمي شاهرودي (وليا فقيها) للعراق». ويربط المصدر الإيراني المعارض هذه المعلومات بالأنباء التي أذاعتها قناة «العراقية» الفضائية الحكومية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي حول افتتاح مكتب للمرجع الديني هاشمي شاهرودي، ناقلة قرب مجيء شاهرودي إلى العراق. وطرحت هذه القناة الحكومية ملاحظات في ما يخص مجيء شاهرودي، نقلا عن مصادر ذكرت، أنه سوف لن يدعم أي جهة سياسية عراقية على حساب أخرى، وأنه لا يأتي للشارع الشيعي فقط وإنما لكل العراقيين، وأن هدفه هو التقريب بين كل العراقيين، وأن مجيئه لن يكون على سبيل الإقامة الدائمة. وأكد أن فتح مكتب شاهرودي في النجف هو من أجل مساعدة العائلات الفقيرة والأيتام ومن لا معيل له، كما يهدف إلى دعم مشروع حشد الناس في بيت العراق، ومكافحة الثقافة الغربية. واعتبر المصدر أن افتتاح هذا المكتب لا يمكن أن يتم من دون تنسيق إيراني مع حزب الدعوة والمالكي.

وربط المصدر بين هذا التطور وتصاعد الخلافات بين المرجعية الدينية في النجف وبين الحكومة العراقية التي يرأسها المالكي. ويقول «لا يمكن أن تأتى هذه الزيارة بلا صلة بالأنباء التي تفيد برفض السيد السيستاني منذ فترة طويلة استقبال المالكي أو أي مسؤول في السلطات الحكومية، وأن ممثليه اتخذوا مواقف صارمة ضد هذه الحكومة وفسادها، ولهذا السبب يحاول حزب الدعوة منذ فترة أن يختلق له مرجعية دينية بديلة، ليتمكن من ترسيخ نفسه مقابل الذين يذهبون وراء السيستاني كالمجلس الأعلى وغيره».

ويضيف المصدر «اعتمادا على أن مجيء شاهرودي إلى العراق ليس من أجل الشيعة فحسب، فإنه يشكل دليلا واضحا على تخطيط وعزم خامنئي للتدخل الواسع في العراق. فمنذ فترة طويلة يخطط خامنئي وقادة قوة القدس والحرس لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من العراق والسعي لملء هذا الفراغ، وبعد دراسة أحداث السنوات الأخيرة للتيارات الموالية لإيران في العراق وتصرفاتهم مع البعض، استنتجوا بأنه نظرا إلى المتغيرات في الساحة السياسية العراقية بعد الانسحاب، هناك إمكانية بتصاعد الخلافات من جديد في هذه الظروف، وصولا إلى حد وقوع الاشتباكات بين هذه التيارات والقوى الشيعية، مما يؤدي إلى انهيار التحالف الصوري بينهم، وفي النهاية استنتجت قوة القدس بأن هناك خيارين، الأول: هو استدعاء الموالين للنظام إلى طهران بصورة دورية من أجل تلقي التوجيهات، وفي هذا المجال يشار إلى حضور قادة منظمة بدر والمجلس الأعلى وتيار الإصلاح وحزب الدعوة في المؤتمر العالمي لمجمع أهل البيت المنعقد في طهران، حيث تم توجيه جميعهم فيما يخص الخطوط العريضة لسياسة النظام الإيراني في العراق، وعقدت لهم دورات تعليمية مدتها أسبوعان قبل أن يعودوا إلى بغداد. والخيار الثاني: هو وجود دائم لإحدى أعلى سلطات النظام الإيراني في العراق للسيطرة على الساحة العراقية عن كثب والعمل بشكل ميداني للتغلب على الخلافات الشيعية، فعلى سبيل المثال يعرف الجميع أن العلاقة بين منظمة بدر والمجلس الأعلى (لا سيما العلاقة بين هادي العامري وعمار الحكيم) متدهورة جدا، حيث لا يطيق أحدهما أن يرى الآخر، كما أن العلاقة بين الجعفري والمالكي لم تتحسن، بل هي آخذة بالتدهور يوميا، وتعيين فالح الفياض لمنصب مستشار الأمن القومي، أو الإعلان عن تعيين الجعفري رئيسا للتحالف الوطني لم يحلا المشكلة بعد، فالجعفري يعتقد أن المالكي يستخدم التحالف الوطني كأداة، يراجعه عند الحاجة، وفي غير الحاجة لا يهتم به. ويعتقد الكثير من المقربين إلى هذا التحالف، أنه بقي كاسم فقط نتيجة محاولات إيران وضغوطها، وإلا فإن هذا التحالف لا وجود حقيقيا له على أرض الواقع. أما مسألة الخلاف بين حزب الدعوة (تنظيم العراق) بقيادة خضير الخزاعي، مع حزب الدعوة (المقر العام) بقيادة المالكي، فإنه لم ينته بإعطاء منصب نائب رئيس الجمهورية للخزاعي الذي يتهم حزبه المالكي بأنه لم يعطه الاستحقاق الانتخابي، والخزاعي يأمل منذ فترة طويلة في أن يخوض الانتخابات القادمة بصورة مستقلة ويعزل نفسه عن المالكي». ويخلص المصدر الإيراني المعارض بالداخل إلى نتيجة أنه «في هذا الإطار، ولغرض تطبيق نيات خامنئي في العراق وبعد دراسات مكثفة وجدوا الحل في إرسال شاهرودي إلى العراق، لينوب عن خامنئي في العراق».

وكان آية الله شاهرودي يتولى رئاسة السلطة القضائية في النظام الإيراني حتى عام 2009، وكان هو أول من أعلنه حزب الدعوة الإسلامية ناطقا باسمه في ثمانينات القرن الماضي، حيث نشرت الجرائد الإيرانية صورة له عام 1983 وسمته آية الله الهاشمي الناطق باسم حزب الدعوة الإسلامية، ولكن بعد تعيينه رئيسا للسلطة القضائية في إيران سمي شاهرودي. واسمه الكامل هو السيد محمود هاشمي شاهرودي من مواليد 1949 في العراق، ولكنه من أصل إيراني ومن مدينة شاهرود في محافظة خراسان الإيرانية. وغادر العراق في الثمانينات. وعينه «الولي الفقيه» خامنئي في 25 يوليو (تموز) 2011 وعقب تصعيد الأزمة والانشقاق في رأس النظام الإيراني، رئيسا للهيئة العليا لحل خلافات السلطات الثلاث.