روس يستعينون بالهواتف الذكية لفضح انتهاكات الانتخابات

جدل حول مقاطع على «يوتيوب» تكشف تورط الحزب الحاكم في شراء أصوات الناخبين

بوتين خلال تجمع تعرض فيه إلى الاستهجان من قبل الحضور (نيويورك تايمز)
TT

عرض رئيس إحدى البلدات الصغيرة، ينتمي إلى الحزب الحاكم في روسيا تقديم عشرات الآلاف من الدولارات في الآونة الأخيرة إلى مجموعة من المحاربين القدامى، في مقابل الحصول على أصواتهم في الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها الشهر المقبل، وكان هذا بمثابة أمر معتاد الحدوث في الانتخابات الروسية.

ولم تعد انتهاكات قواعد الانتخابات في روسيا تثير الكثير من الدهشة هنا، حيث كانت تلك الانتهاكات تتم في الماضي دون أن تتم ملاحظتها، أو على الأقل دون معاقبة مرتكبيها، لكننا أصبحنا الآن في عصر الهاتف الذكي الذي تمكن بفضله أحد الأشخاص من تسجيل كلمة رئيس البلدية وتحميل الفيديو على موقع «يوتيوب». وبالإضافة إلى الوعد بتقديم تلك الأموال، هدد رئيس البلدية بعدم منح قدامى المحاربين المسنين مستحقاتهم إذا لم يصوتوا لحزب «روسيا الموحدة» الذي يتزعمه رئيس الوزراء فلاديمير بوتين.

أظهر الفيديو رئيس البلدية، دينيس أغاشين، وهو يقول لقدامى المحاربين في اجتماع عقد في مدينة إيجيفسك: «إذا لم يؤيد الناس الحزب فمن أين سيحصلون على المال؟ إذا كان هذا هو الحال، فمن الواضح أن الناس لا تحتاج إلى أي شيء». وقد انتشر الفيديو على نطاق واسع، وهو ما دعا بالبعض إلى المطالبة بالإطاحة برئيس البلدية. وقد وجهت له إحدى المحاكم الأسبوع الماضي تهمة انتهاك قواعد الانتخابات وفرضت عليه غرامة مالية، في الوقت الذي تعهد فيه معارضوه بالسعي إلى اتخاذ تدابير تأديبية أشد قسوة.

وتعد هذه الخطوة انتصارا صغيرا في المعركة ضد المخالفات الانتخابية في روسيا، حيث تمخضت عن نوع جديد وفعال في مراقبة الانتخابات في روسيا والذي يتمثل في الهواتف الذكية والمسجلات والكاميرات الرقمية التي يملكها المواطنون العاديون.

ويتزامن هذا مع مرور حزب «روسيا الموحدة» بأوقات عصيبة، حيث تظهر استطلاعات الرأي ضعف موقف الحزب والذي أصبح عرضة لهجمات أخرى من قبل مستخدمي شبكة الإنترنت والذين أصبح لهم نفوذ كبير، إلى درجة جعلت المدونين يصفون الحزب بأنه: «حزب النصابين واللصوص». وقد أصبح هذا الوصف شائعا على شبكة الإنترنت لدرجة أنه سرعان ما يظهر ما إن تكتب اسم الحزب على محرك «غوغل» للبحث.

وقد انتقل النقد المتزايد من عالم الإنترنت إلى العالم الحقيقي، وظهر هذا جليا عندما صعد بوتين لإلقاء خطاب بعد مشاهدة مباراة في فنون القتال في نهاية الأسبوع الماضي، ولكنه قوبل بصيحات الاستهجان من قبل الجمهور على شاشة التلفزيون الوطني، وهو انتقاد علني غير مسبوق لأكثر الساسة الروسيين نفوذا. وقد انتشر هذا المقطع بشكل سريع للغاية عن طريق المدونات.

ويعد مقطع أغاشين واحدا من مقاطع الفيديو الكثيرة التي توثق الانتهاكات وانتشرت بصورة كبيرة على شبكة الإنترنت قبيل الانتخابات البرلمانية، مما اضطر السلطات إلى مواجهة الحملات الانتخابية غير النظيفة، لا سيما تلك التي يقوم بها حزب «روسيا الموحدة».

وقال جريجوري ميلكونيانتس، وهو نائب مدير مؤسسة «غولوس» المستقلة لمراقبة الانتخابات في روسيا: «بفضل هذه الفيديوهات التي حظيت بقدر كبير من الاهتمام، أصبحنا نرى أن السلطات مستعدة لاتخاذ قرارات غير سارة بالنسبة لها، مثل معاقبة المسؤولين. ويرى المواطنون أنه من الممكن أن يكون لهم تأثير كبير من خلال هذه الفيديوهات التي أصبحت أداة للضغط على السلطات».

وأضاف ميلكونيانتس أنه قد لاحظ زيادة ملحوظة في استخدام الفيديو ووسائل الإعلام الأخرى لتسجيل الانتهاكات خلال العام الماضي. يُذكر أن مؤسسة «غولوس» قد أنشأت موقعا إلكترونيا يستقبل شكاوى المواطنين الروس حول الانتهاكات التي تمارس في الانتخابات. وقد أرسل نحو 2000 مواطن بشكاوى إلى الموقع، وقام نحو 100 شخص منهم بإرسال مقاطع فيديو، في حين أرسل آخرون ملفات صوتية وصورا فوتوغرافية.

وتظهر هذه الفيديوهات والملفات تورط مسؤولين في أنواع الدعاية الانتخابية الشائنة التي طالما كانت تحظى بانتقادات من جانب المعارضين، ولكن لم تكن قط بهذا الانتشار الواسع. وثمة مقطع فيديو وملف صوتي منفصل يظهران مسؤولي الانتخابات في مدينة مورمانسك الروسية وهم يعدون بتقديم 50 دولارا لكل من يصوت لصالح حزب «روسيا الموحدة». ويظهر مقطع فيديو آخر حشدا من الناس معظمهم من الشبان يحملون لافتات مؤيدة لحزب «روسيا الموحدة» ويعطلون مسيرة للمعارضة في بلدة ستيرليتاماك. وظهروا في المقطع أيضا وهم ينفخون في آلة الفوفوزيلا ويسمعون الموسيقى من خلال مكبرات الصوت.

وهناك مقطع آخر يظهر فيه رئيس بلدية نوفوكوزنتسك وهو يقول لكبار رجال الأعمال المحليين: «اعملوا مع موظفيكم على ضمان الحصول على نتيجة هامة» لحزب «روسيا الموحدة». وكانت هناك شكاوى عديدة في الماضي من قيام أرباب الأعمال بتهديد العمال بمواجهة تدابير تأديبية مثل الخصم من رواتبهم أو أسوأ من ذلك في حال عدم التصويت للحزب.

وقد تم تحميل واحد من أكثر مقاطع الفيديو إثارة للجدل في الآونة الأخيرة عن طريق ماتفيه تسيفينوك، وهو طالب من كراسنويارسك يبلغ من العمر 15 عاما، وقام خلسة بتسجيل نقاش مع مديرة المدرسة بعد أن مزق ملصق دعاية لحزب «روسيا الموحدة» كان معلقا على مدخل المدرسة.

وعندما واجه الطالب مديرة المدرسة وقال لها إن ذلك يعد حملة سياسية غير مشروعة - لم تكن الأحزاب السياسية الأخرى ممثلة في المدرسة - استشاطت المديرة، ألكساندرا برونينا، غضبا وقالت بصوت مرتفع وصل في بعض الأحيان إلى الصراخ: «لقد مزقت عدة ملصقات بالفعل، وإذا قمت بتمزيق واحد آخر، سوف أذهب إلى الشرطة. اقرأ سيرة فلاديمير ايليتش لينين الذي تم طرده من المدرسة عندما اختلف مع شيء ما».

وقد انتشر هذا الفيديو على نطاق واسع وتناولته العديد من وسائل الإعلام الوطنية. وفي المقابل، قال نائب المحافظ إن رد فعل مديرة المدرسة «مبالغ فيه»، وفقا لوكالة أنباء روسيا «ريا نوفوستي»، على الرغم من أنه قد انتقد احتجاج الطالب ووصفه بأنه «جهل متشدد وحقارة». وبعد عدة أيام من انتشار الفيديو، وردت أنباء بأن المدرسة قد علقت ملصقات لكافة الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات التشريعية المزمع عقدها الشهر المقبل.

ونتيجة لهذا الضغط، بدأ حزب «روسيا الموحدة» إطلاق حملة للتصدي للانتهاكات الانتخابية المحتملة، على الرغم من أنه يبدو أنه يركز على خصوم الحزب فقط. وفي بيان على موقعها على الإنترنت، تعهدت مجموعة «ناشي» الموالية للكرملين بإرسال آلاف المراقبين إلى موسكو خلال الانتخابات بهدف «منع الاستفزازات خلال عمليات التصويت والفرز». وقالت ماريا كيسليتسينا، وهي زعيمة المجموعة: «لن نسمح للمحرضين بإثارة الشكوك حول دعم الشعب لحزب روسيا الموحدة».

وقد أنشأ حزب روسيا الموحدة موقعا لاستقبال الشكاوى حول الانتهاكات أثناء الانتخابات. وثمة العديد من المنشورات التي تتهم الحزب الشيوعي بالترويج للانتخابات خارج المناطق المحددة لذلك في بعض المدن، كما تم اتهام أحزاب أخرى بمحاولة شراء أصوات الناخبين من خلال منحهم ساعات وعطورا وأشياء أخرى. يذكر أن هذا الموقع يسمح باستقبال كافة الشكاوى ضد جميع الأحزاب المشاركة في الانتخابات، باستثناء حزب «روسيا الموحدة».

* خدمة «نيويورك تايمز»