رعونة الإسلام السياسي تفقده التعاطف الشعبي عشية انتخابات البرلمان

برلماني إخواني سابق: تنسيق غير معلن مع «العسكري»

TT

قبل يوم من بدء اقتراع الانتخابات التي يتوقع كثير من المراقبين حصول تيار الإسلام السياسي على الأغلبية في البرلمان المصري، قال النائب الإخواني السابق مجدي عاشور، لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن سقف التوقعات بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين والسلفيين وغيرهم من تيارات الإسلام السياسي لا يزيد على 40 في المائة، وإن «الإخوان» أنفسهم ربما لن تتعدى نسبة تمثيلهم في البرلمان المقبل الـ20 في المائة، بسبب غضب الشارع المصري من هذه التيارات، لتضارب تصريحات قادتها في الأيام الأخيرة التي تسبق الانتخابات، مشيرا إلى تنسيق غير معلن بين «الإخوان» والمجلس العسكري الحاكم.

وتأسست جماعة الإخوان بمصر منذ ثمانية عقود، ولها تنظيم دولي، وتعد بمثابة الأم لحركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية بما فيها حركة حماس. وفاز إسلاميو «الإخوان» بثلث مقاعد البرلمان تقريبا في تونس والمغرب، وتخشى الدول الغربية من هيمنة سياسيين لا يؤمنون بالديمقراطية ودور المرأة والأقليات على حكومات الربيع العربي، وبالنسبة لمصر، فإن مراقبة صعود الإسلاميين ترتبط أيضا بقضايا استراتيجية تخص منطقة الشرق الأوسط، على رأسها العلاقة مع إسرائيل.

وحتى أسبوعين ماضيين كانت المؤشرات تقول بقدرة الإسلاميين في مصر على الهيمنة على مقاعد البرلمان، ومن ثم وضع دستور ذي صبغة إسلامية، ما أثار مخاوف في إسرائيل من وصول حكومة إلى السلطة بمصر تلغي اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين منذ نحو ثلاثين عاما. لكن تطورات الثورة المصرية التي أسقطت حكم الرئيس السابق حسني مبارك في فبراير (شباط) الماضي، أربكت قيادات الإسلاميين قبيل أيام من إجراء انتخابات البرلمان، وكشفت عن تعاملها مع القضايا السياسية بفكر تنظيمي غير مرن، وفقا للمراقبين.

وتحدثت وسائل إعلام محلية في مصر أمس عن أن ثلث مقاعد البرلمان ربما يذهب لليبراليين، والثلث الآخر لنواب سابقين من غير الإسلاميين. ووجه النائب الإخواني السابق عاشور أمس انتقادات شديدة اللهجة لطريقة العمل التنظيمي لجماعة الإخوان، وهيمنة الجيل القديم على مقدرات القرار في الجماعة، ما جعلها عرضة لخسارة الكثير من رصيدها في الشارع المصري، خاصة في الأيام التي تسبق انتخابات يوم غد (الاثنين). ودخل عاشور في خلافات مع «الفكر التنظيمي» لجماعته منذ انتخابات مجلس الشعب (البرلمان) عام 2010، بعد أن رفض طلب الجماعة بأن يتنازل عن عضويته في المجلس، بينما يخوض الانتخابات هذه المرة كمرشح مستقل عن إحدى دوائر شمال القاهرة. وأضاف عاشور أن المجتمع تغير بينما جماعة الإخوان تعمل كما كانت منذ خمسين سنة أو ستين سنة، و«أعتقد أن هذا الأمر سيؤدي إلى تراجع كبير، خاصة أن الشارع المصري يحتاج الآن إلى مفاهيم جديدة ووعي جديد وإلى تثقيف جديد.. أما العمل وفقا لطرق عفا عليها الزمن فسيؤدي إلى مزيد من التراجع لـ(الإخوان) في الشارع المصري».

وعن النسب المتوقع الحصول عليها من جانب التيار الإسلامي بما فيه «الإخوان» والسلفيون، قال عاشور إن النسبة لن تتعدى 40 في المائة في البرلمان القادم، و«بالنسبة لجماعة الإخوان فإن النسبة لن تزيد على 20 في المائة»، قائلا إن «نزول (الإخوان) والسلفيين لميدان التحرير يوم الجمعة قبل الماضي، ثم قيامهم بمقاطعة الميدان في باقي أيام التظاهر، جعل المصريين يشعرون أن (الإخوان) والسلفيين جروا الناس للتظاهر في الميدان ثم تركوهم وحدهم.. هذا أمر أغضب غالبية المواطنين، وأدى لتراجع شعبية (الإخوان) والسلفيين بشكل عام». وأضاف عاشور أن «تذبذب الرأي داخل الجماعة أدى إلى تراجع شعبيتها، وهذا أمر طبيعي في الشارع المصري الذي يتأثر بمثل هذا النوع من المواقف غير الواضحة»، قائلا إن الجماعة تحتاج إلى مجدِّد يجدد مفاهيمها ويتفاعل مع متغيرات العصر والمتطلبات الجديدة، و«لكن إصرار الحرس القديم في الجماعة على التمسك بمقاليد القرار، موقف يؤدي إلى تراجع شديد في شعبية (الإخوان) في المرحلة القادمة».

وعن سبب الارتباك بين قيادات جماعة الإخوان في الأيام الأخيرة، قال إن تطورات الثورة المصرية أدت إلى اختلاف في وجهات نظر داخل الجماعة.. «ستجد مجموعة من الشباب قد خالفوا الجماعة ونزلوا لميدان التحرير»، واختلاف آخر في آراء قيادات بالجماعة، و«هذا يؤثر سلبا على الجماعة، حيث يجد الشارع تضاربا في الأقوال، ويشعر أنه لا توجد مصداقية في الكلام».

ويشير المراقبون إلى أن المراوغة التي قامت بها الجماعة بدت مكشوفة أمام الرأي العام المصري بعد أن قامت الجماعة بسحب أعضائها من مظاهرات الأسبوع الماضي، وقال مسؤول في حزب الحرية والعدالة (الإخواني) إن قيادات في الجماعة عادت للظهور في المظاهرات بعد اشتداد العنف والمواجهات في الميدان.

لكن الأمر برمته أغضب شبابا من «الإخوان» ممن طالبوا في رسالة أمس، مسؤولي الجماعة «بقرار واضح بالسماح لهم بحرية الاختيار بين النزول إلى ميدان التحرير من عدمه»، مطالبين بمراجعة موقف مقاطعة مظاهرات التحرير.. «احتراما لتاريخ الجماعة الوطني»، و«حرصا على وحدة وترابط أبنائها».

وظهرت في واجهة التحليلات وبرامج التوك شو أن «الإخوان» يتجهون للاستفادة وحدهم من الظروف التي تمر بها مصر، وأن قرار الابتعاد عن مظاهرات ميدان التحرير تم باتفاق مع المجلس العسكري الحاكم، بحيث يلتزم المجلس في المقابل بإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها، والتبكير بإجراءات انتخابات الرئاسة في نهاية يونيو (حزيران) المقبل، وهو ما ترفضه التيارات الليبرالية واليسارية الداعية لترك المجلس العسكري السلطة وتسليمها للمدنيين فورا.

وعما إذا كان هناك تنسيق بين «الإخوان» والمجلس العسكري أو أي من السلطات المتنفذة الأخرى في الدولة، قال عاشور: «أعتقد أنه تنسيق غير معلن. المجلس العسكري متفهم تماما أن أكبر قوة منظمة في الشارع المصري، هي الإخوان.. ولذلك المجلس لا يريد أن يصطدم معهم حاليا، من أجل عدم إدخال البلاد في مرحلة اضطرابات، وهذا أعتقد أنه تصور حكيم من المجلس العسكري». وأضاف أن المجلس العسكري يقدر القوى الموجودة أمامه على الساحة إلى أن تظهر نتائج الانتخابات ويعرف أين هي القوى الحقيقية.