اعتصام في باليرمو الإيطالية يستوحي روح ميدان التحرير

طلبة وموظفون وعاطلون يحتلون الميدان الرئيسي للمدينة ويطالبون بـ«احتلال كل شيء»

الميدان أمام مسرح ماسيمو وقد تحول إلى مخيم («الشرق الأوسط»)
TT

من الأماكن المفضلة لدى سكان مدينة باليرمو، عاصمة إقليم صقلية بإيطاليا، لتمضية سويعات المساء، هو الميدان الضخم المحيط بمسرح ماسيمو العريق، حيث تصطف عربات الباعة الجائلين وتتصاعد أدخنة شواء ثمرة الكستناء، بينما يتجول السياح والسكان حول المحال التجارية المتناثرة على الجانب الآخر من المسرح.

المسرح بموقعه داخل الحي التاريخي للمدينة قد يكون هو السبب في اختياره ليكون هو رمز حركة الطلبة في المدينة المناهضة للتقشف والبنوك. الحركة التي تتخذ شعار «احتلال ماسيمو» تعتبر نفسها امتدادا لحركات مماثلة انطلقت من وول ستريت بأميركا ولندن وأخريات حول العالم تعبر عن السخط العام من الأوضاع الاقتصادية المتردية.

وخلال جولة بالميدان الذي يتيه بمبنى المسرح الشامخ وتحت إعلانات عن أوبرا كارمن نجد مجموعة من الخيام الملونة محاطة بشعارات بالإيطالية نلمح من بينها شعار «احتلوا ماسيمو» وجملة «ميدان التحرير» الذي يبدو الشعار الذي امتد تأثيره إلى جميع أنحاء العالم.

في وسط الخيام، أقام المتظاهرون ما يشبه المكتب الرئيسي لحملتهم، فوضعوا أريكتين وعددا من المكاتب الخشبية التفوا حولها يتناقشون ويكتبون المنشورات. حين اقتربنا منهم أشارت واحدة منهم إلى شاب نحيل يجلس على الأريكة وسط جمع بسيط من الشباب وقالت «جياكومو هو أنسب من يتحدث عن حملتنا». جياكومو الذي تقدم الصفوف يوم 17 نوفمبر (تشرين الثاني) في مسيرة حاشدة للطلبة في باليرمو يبدو في أوائل العشرينات من العمر، شاب يمتلئ بالحماسة يتحدث حول أسباب الاعتصام ودوافعه ويشير إلى أن أعداد المعتصمين في الميدان آخذة في الازدياد.

يقول جياكومو إن الاعتصام انطلق في يوم 17 نوفمبر للمطالبة بحقوق الطلبة، ولكنه يشير أيضا إلى أن المشاركين يضمون أيضا موظفين وعاطلين عن العمل. وحول سبب الاعتصام، يقول «نعتقد أن المشكلة ليست في السياسة ولكن في النظام بشكل عام وبشكل أدق في الرأسمالية التي تسيطر على السياسة. لماذا يتعين علينا دفع ضرائب والقيام بتسديد ديون الدولة؟ هذا الدين ليس من صنعنا، ويجب علينا أن لا نتحمل مسؤوليته فهو من صنع المصرفيين ويجب أن يتحملوا نتيجة أخطائهم».

التغيير في الحكومة الإيطالية بعد رحيل سيلفيو برلسكوني وتسلم ماريو بونتي رئاسة الوزراء لا يقدم الحل، كما يقول جياكومو «بونتي مصرفي سابق ولا نرى أنه سيقدم الحلول فهو جزأ من المشكلة».

الحل يتمثل في الجيل الجديد الذي يقوم بالاعتصامات حول العالم «من هنا ومن لندن ومن جميع أنحاء العالم يجب أن نفكر في أن المستقبل هو ملك للجميع، فيجب أن يستمع السياسيون لأحلام ورغبات الشعوب.. يجب أن نجد بديلا للرأسمالية».

المشاكل التي يواجهها الشباب في إيطاليا تواجههم في مقاعد الدراسة وفي السكن وأيضا في الوظائف، من الحلول التي يطرحها شباب ماسيمو هو «احتلال كل شيء»، فعلى سبيل المثال - والحديث لجياكومو - هناك الملايين من المنازل الخاوية وهو أمر غريب جدا، لماذا لا يسكن فيها هؤلاء الذين لا يملكون سكنا؟.

الحماسة والحلول الجذرية الثورية تبدو جزءا من الحديث العام في الميدان ولكن هناك أيضا من يحاول أن يبحث عن حلول مباشرة مثل الطالبة أمبرا التي تدرس في كلية الطب والتي تشير إلى أن تخفيض النفقات أثر بشكل كبير على دراستها العملية. تقول أمبرا «طلبة كلية الطب هنا لا يرون المستشفى إلا في العام الخامس، يقضون أربع سنوات في الدراسة النظرية وذلك بسبب عدم وجود الميزانية التي توفر الأطباء وأطقم التمريض التي تساعد الطلبة في دراستهم العملية»، تشير أمبرا إلى أن ضغط النفقات الذي تنتهجه الدولة لتفادي الأزمة الاقتصادية قد أثر على طلبة الجامعة في مختلف الأقسام، «الحل أمامنا هو السفر إلى بلدان أخرى للدراسة ولكني لا أريد أن أترك مدينتي وحتى لو استطعت ذلك فحال الجامعات في باقي أوروبا ليس أفضل من إيطاليا، فالأزمة الاقتصادية قد أثرت على الكل».

عدد المعتصمين في ميدان ماسيمو يبدو ضئيلا نسبيا، ولكن أحد الموجودين (جورجيو) يشير إلى أن الأعداد تتفاوت حسب أوقات النهار، ويقول «أوجد في الميدان في الفترة ما بين الغذاء والعشاء وأغادر بعد ذلك، وهناك الموظفون الذين يحضرون بعد انتهاء ساعات عملهم وآخرون يأتون ليلا للمبيت».

تشير أمبرا وجورجيو إلى أن البوليس الذي أوقف عرباته إلى جانب الميدان لم يقم بمضايقتهم، ولكنهما يشيران إلى النبرة العدائية من بعض المارة الذين يتجادلون معهم حول الفائدة من اعتصامهم في الميدان. إلى متى سيستمر الاعتصام؟ يقول جياكومو بحماسته الواضحة «للأبد». ويضيف جورجيو «إلى أن ينجحوا في تفريقنا ولكن إذا حدث هذا سنعيد تنظيم أنفسنا وسنعود بأعداد أكبر».

وكانت قوات الشرطة قد اشتبكت مع الطلبة في روما وميلانو وباليرمو يوم 17 نوفمبر وسط الاحتجاجات المناهضة لخفض ميزانية الحكومة. وكانت الحكومة الجديدة التي اختار ماريو بونتي بين صفوفها أساتذة جامعة ومصرفيين ورجال أعمال قد أثارت الكثير من الاستياء، خاصة أنه اختار خبراء غير منتخبين لقيادة الحكومة، إضافة إلى احتمالية تطبيق تدابير تقشفية صعبة.