اليمن: صالح يصدر عفوا عاما وهادي يكلف باسندوه بتشكيل الحكومة

سكرتير الرئيس: تعليمات مشددة بعدم الخوض في صلاحيات النائب

الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يترأس اجتماعا لحزبه الحاكم في صنعاء أمس
TT

أعلن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، أمس، عفوا عاما عمن «ارتكبوا حماقات» خلال الأشهر الماضية، وذلك بعد ساعات من عودته من المملكة العربية السعودية إلى صنعاء، في حين لا تزال الأوضاع الميدانية تراوح مكانها والتطورات الأمنية متواصلة.

وأصدر صالح، على الرغم من تنازله عن سلطاته إلى نائبه، قرارا بالعفو العام عمن وصفوا بأنهم «ارتكبوا حماقات» خلال فترة الأشهر العشرة الماضية من الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام، واستثنى قرار العفو الأشخاص المتورطين في حادثة جامع النهدين، وهي محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس صالح وكبار مسؤولي الدولة مطلع يونيو (حزيران) الماضي الذين لم تعلن أسماؤهم رسميا حتى اللحظة، والذين «سيحالون إلى العدالة سواء كانوا جماعات أو أحزابا أو أفرادا»، إضافة إلى المتورطين في أعمال جنائية.

ورأس صالح، أمس، اجتماعا موسعا للجنة العامة (المكتب السياسي) لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم بحضور نائبه القائم بأعمال الرئيس، الفريق عبد ربه منصور هادي، وبمشاركة أحزاب التحالف الوطني، ودعا صالح خلال الاجتماع «كل أعضاء المؤتمر الشعبي العام بجميع قواعده وأنصاره وأعضاء وقواعد أحزاب التحالف الوطني الديمقراطي، وكل الشخصيات الوطنية المستقلة والشباب إلى الاصطفاف والتكاتف في مواجهة كل أعداء الوطن ووحدته وأمنه واستقراره، والدفاع عن الثوابت الوطنية وفي مقدمتها الحرية والديمقراطية والنظام والقانون، والتصدي لكل من يعبث بالأمن والاستقرار، والحرص على تنفيذ ما تم التوصل إليه من اتفاق تاريخي من شأنه إنهاء الأزمة وإزالة آثارها.. باعتبار أن هذا الاتفاق هو انتصار للشعب وللعقل والحكمة». إلى ذلك أصدر عبد ربه منصور هادي، نائب الرئيس اليمني، قرارا رئاسيا بتكليف مرشح المعارضة محمد سالم باسندوه بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية حلا للأزمة التي تشهدها البلاد.

وقال أحمد الصوفي، السكرتير الإعلامي للرئيس اليمني في اتصال مع «الشرق الأوسط» في لندن: «الأخ نائب الرئيس هو رجل المرحلة مع وجود رجال آخرين، والأخ رئيس الجمهورية سيكون داعما لجهود النائب الذي حددت المبادرة الخليجية صلاحياته بشكل دقيق». وكان الصوفي قد اعتذر لـ«الشرق الأوسط» عن الخوض في أي تصريح لوجود تعليمات مشددة من رئيس الجمهورية لمساعديه «بعدم الخوض في ما هو من صلاحيات الأخ النائب»، حسب تعبير سكرتير الرئيس اليمني لـ«الشرق الأوسط».

وكان الرئيس اليمني عاد، مساء أول من أمس، إلى العاصمة صنعاء قادما من العاصمة السعودية الرياض بعد 4 أيام على توقيعه على المبادرة الخليجية لحل الأزمة في اليمن، والتي بموجب توقيعه عليها نقل صلاحياته إلى نائبه عبد ربه منصور هادي، وجاءت عودته مفاجئة ومغايرة للتوقعات بأنه سيظل في السعودية لاستكمال علاجه جراء محاولة الاغتيال، كما جاءت عودته بعد ساعات قلائل على قرار رئاسي أصدره الرئيس بالإنابة بالدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في 21 من فبراير (شباط) المقبل، كأولى الخطوات نحو تطبيق المبادرة الخليجية.

إلى ذلك، تواصلت الاحتجاجات والمظاهرات التي ترفض منح الرئيس علي عبد الله صالح حصانة من الملاحقة القضائية والقانونية في ضوء المبادرة الخليجية، وشهد أمس مظاهرات حاشدة في صنعاء وذمار والحديدة وتعز، وفي الأخيرة قمعت قوات الأمن المتظاهرين وقصفت الأحياء السكنية المجاورة لـ«ساحة الحرية»، وأسفر ذلك عن سقوط قتيل واحد على الأقل، وجرح عدد آخر، حسب المستشفى الميداني بالساحة، كما خرجت مسيرة حاشدة في مأرب بشرقي البلاد للتأكيد على «مواصلة التصعيد الثوري حتى تقديم صالح ونظامه للمحاكمة».

على صعيد آخر، يترقب اليمنيون بفارغ الصبر انفراج الأزمة اليمنية التي ضيقت على حياتهم في معظم المجالات، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو غيرها، مطالبين بسرعة تنفيذ المبادرة الخليجية التي اعتبرها مراقبون طوق النجاة لإيقاف المخاوف من تصاعد الأوضاع إلى مزيد من الاحتقان بين مختلف الشرائح الاجتماعية, فبحسب الدكتور أستاذ علم الاجتماع السياسي د. فؤاد الصلاحي فإن «المبادرة الخليجية ستنجح إذا مارست دول الخليج، والسعودية خصوصا، ضغوطا على الرئيس صالح، وبالتنسيق مع الأمم المتحدة والولايات المتحدة، وعلى الرغم من أن هذه المبادرة سقفها أقل بكثير من مطالب الثورة، فإنها تشكل مدخلا لإعادة الاستقرار لليمن..».

ويقول في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «إن المجتمع اليمني بقي متماسكا بسبب رغبته في التغيير، وإحساسه القوي بتدني معيشته وضيق حاله اقتصاديا واجتماعيا، ووصوله إلى قناعة بأن الحلول الجزئية والإصلاحات الشكلية لم تعد نافعة», وأضاف: «إن حاجته لإنجاح التغيير أو الثورة تعتمد منطقا سلميا ومدنيا عندما رأى نماذج مدنية في الساحات فاندمج فيها وتخلى نسبيا فقط عن عصبيته وسلاحه، وهنا يظهر اليمنيون صورة إيجابية عن واقعهم وعن مخزون كبير من الوعي بالدولة والمدنية تراكم لآلاف السنين». ويرى الصلاحي أن «الثورة اليمنية خلقت اصطفافا اجتماعيا واسعا بين الفئات المدنية والقبلية (ريفا وحضرا، رجالا ونساء وأطفالا، متعلمين وغيرهم).