مرجع في القانون الدولي لـ«الشرق الأوسط»: لا حالة قانونية تسمى «النأي بالنفس».. وكان أجدى بلبنان الامتناع عن التصويت

اتبعها في مجلس الأمن الدولي.. وكررها في اجتماعات الجامعة العربية بشأن سوريا

جانب من تشييع أحد قتلى الانتفاضة في وادي العرب بحمص أمس
TT

مرة جديدة، اتبعت الحكومة اللبنانية مبدأ «النأي بالنفس» عن التصويت على قرار وزراء الخارجية العرب الذي انعقد أمس في القاهرة وأقر عقوبات اقتصادية على سوريا، في سياسة انتهجتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي منذ بدء التحركات الشعبية في سوريا، منتصف شهر مارس (آذار) الفائت، بهدف إبعاد لبنان عن أن يكون طرفا ضد سوريا، انطلاقا من «علاقات الجغرافيا والتاريخ والاتفاقيات الثنائية القائمة بين البلدين»، وفق ما جاء على لسان مسؤولين لبنانيين، بينهم ميقاتي في أكثر من مناسبة.

ويثير اتباع لبنان سياسة «النأي بنفسه» عن التصويت، سلسلة من الانتقادات وردود الفعل المحلية على أكثر من مستوى، وتحديدا من فريق المعارضة اللبنانية، الذي لا يتردد في كل مناسبة عن لوم الحكومة اللبنانية لوقوفها إلى «جانب الظالم لا المظلوم»، في إشارة لمساندتها نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وفي هذا السياق، أشار الأستاذ في القانون الدولي الدكتور شفيق المصري، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، إلى أن خطوة لبنان بالنأي بنفسه مجددا أمس تأتي في «إطار توضيح موقف سبق للبنان أن اتخذه مؤخرا بغض النظر عن تقويمه لناحية صوابيته أو خطئه». وقال: «وفق المادة السابعة من ميثاق جامعة الدول العربية، فإن القرارات الصادرة عن الجامعة إذا اتخذت بالأكثرية تكون ملزمة للدول التي توقع عليها، أم التي رفضت القرار فيحق لها عدم الالتزام بمضمونه، وبالتالي يمكن للبنان من هذا المنطلق أن يخالف القرار»، مؤكدا في الوقت عينه أن «تقويم المخالفة هو شأن آخر».

وأشار المصري إلى أن «المادة 19 تنص على أنه إذا اتخذ قرار بالإجماع يصبح ملزما لكافة الدول، ما يعني عمليا أنه إذا وافقت كل الدول على اتخاذ قرار تصبح ملزمة به لأنها وافقت بالأصل وهو ما لم يفعله لبنان».

وأكد أنه «في القانون الدولي لا توجد أي حالة تسمى (النأي بالنفس)، بل يوجد تصويت مع أو ضد أو غياب أو امتناع»، موضحا أن «للامتناع حسنات عدة وكان يمكن للبنان أن يعتمد الامتناع لأنه قد يحتمل موافقة لاحقة أو اعتراضا أو موافقة جزئية كما فعل العراق سابقا». وشدد على أنه «بعيدا عن النقاش السياسي حول تداعيات موقف لبنان وأبعاده ونتائجه، كان من الأجدى أن يتبع لبنان موقف الامتناع على أن يعود له الحق بعد ذلك باتخاذ القرار المناسب».

ووفق وجهة نظر قانونية أخرى، فإن سياسة «النأي بالنفس» عن التصويت تعني بطبيعة الحال الاعتراض على القرار، بمعنى أن «مواقف الامتناع والنأي بالنفس والاعتراض تصب في خانة واحدة تعني الرفض». ووفق أصحاب وجهة النظر هذه، فإن «أي قرار عربي يمس بسيادة دولة عربية لا يمكن اتخاذه على مستوى اجتماع لوزراء الخارجية العرب بل يتطلب انعقاد للقمة العربية، وبالتالي فما يصدر يعبر عن وزراء الخارجية لا عن موقف الجامعة». وتسأل هذه الأوساط: «أين هم رؤساء الدول ولماذا لا يجتمعون، وهل يجوز أن تتخذ قرارات تتعلق بسيادة دولة في اجتماع على مستوى وزراء الخارجية».

تجدر الإشارة إلى أن لبنان وفي الثالث من أغسطس (آب) الفائت، نأى بنفسه عن البيان الرئاسي الذي أصدره مجلس الأمن الدولي، وأدان بموجبه «الخرق الواسع لحقوق الإنسان واستخدام القوة ضد المدنيين من قبل السلطات السورية»، مطالبا السلطات السورية بـ«الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والتصرف بموجب واجباتها وفق القانون الدولي».

واعترض لبنان في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي على قرار الجامعة العربية بإعلان تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية وإمهال النظام 4 أيام لوقف العنف ضد المدنيين.

وفي وقت لاحق أمس، قال وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، إن بلاده ستدعم مجموعة العقوبات التي فرضتها الجامعة العربية، وأضاف: «لا أحد يمكن أن يتوقع أن تبقى تركيا والجامعة العربية صامتتين على قتل المدنيين، وعلى قمع النظام السوري المتزايد للأبرياء»، إلا أن الوزير أكد على ضرورة معالجة الأزمة في سوريا بطريقة لا تقود إلى تدخل خارجي.

وأضاف: «آمل في أن تفهم الإدارة السورية رسالتنا، عندها ستحل مشكلتنا داخل العائلة».