الحزب الحاكم يرشح بوتين رسميا لانتخابات الرئاسة

ميدفيديف يدعو إلى استعادة أمجاد الماضي وبناء الدولة الجديدة في الفضاء السوفياتي السابق

بوتين يلقي كلمة أمام الآلاف من مندوبي حزب «روسيا الموحدة» في موسكو أمس (إ.ب.أ)
TT

وسط الهتافات والصيحات التي انطلقت تمجيدا للدولة الروسية وبحضور ممثلي ما يقرب من 25 دولة أجنبية وما يزيد على ألف من الصحافيين، أعلن أعضاء المؤتمر السنوي للحزب الحاكم «الوحدة الروسية» البالغ عددهم 11 ألفا، تأييدهم بالإجماع لترشيح فلاديمير بوتين، رئيس الحكومة الروسية، لمنصب الرئاسة في الانتخابات الرئاسية المرتقبة التي حددت اللجنة المركزية للانتخابات موعدها في 4 مارس (آذار) المقبل.

وحذر بوتين، في كلمة له خلال المؤتمر، من أي تدخل خارجي في الاقتراع الرئاسي، وقال: «أنا مدين لـ(الرئيس) ديمتري أناتوليفتش ميدفيديف ومؤتمر روسيا الموحدة لتعييني ودعوتي أن أكون مرشحا لمنصب رئيس روسيا. بالتأكيد أنا أقبل هذا الاقتراح مع امتنان، شكرا». وبعد ذلك، شدد رجل روسيا القوي على أن بلاده «ديمقراطية»، محذرا الخارج من أي محاولة للتدخل في عملية الاقتراع. واتهم بوتين دولا أجنبية بتمويل منظمات غير حكومية «بهدف التأثير على سير العملية الانتخابية في بلادنا» في إشارة ضمنية إلى الغرب. وحذر من أن ذلك «عمل لا فائدة منه، إنه مال ضائع».

وإذا كان ترشيح بوتين متوقعا بعد أن كان قد كشف عنه الرئيس ديمتري ميدفيديف في المؤتمر السابق للحزب فإن ما قاله الرئيس الروسي في كلمته، أمس، تجاوز المألوف حين أكد ما سبق وحاول بوتين إنكاره في تصريحات سابقة حول أن موسكو لا تضع في خططها أي أهداف توسعية حسبما يحاول الغرب اتهامها به على حد قوله، وهو ما يقصد به محاولة روسيا استعادة الإمبراطورية السوفياتية السابقة.

فقد أوجز ميدفيديف في خطابه الذي ألقاه في الاجتماع الحاشد للحزب الحاكم، أبرز مهام المرحلة المقبلة، التي كان في مقدمتها بناء اتحاد جديد يضم عددا من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، مؤكدا أن الروس أمة تعودت العمل في إطار واسع، وهذه مسألة تنبع من دمائها، على حد قوله. وقال ميدفيديف: «إن أراضي روسيا شاسعة مترامية الأطراف تتسلح بانتصارات عظيمة». وكشف ميدفيديف عن اتفاقه مع بيلاروسيا وكازاخستان حول بناء الاتحاد، معربا عن أمله في انضمام جمهوريات أخرى إليه في الوقت الذي جرى التوصل فيه إلى اتفاق حول الأسواق المشتركة والفضاء الاقتصادي الموحد وتطوير منظومة الأمن الجماعي. وأضاف أن الاتحاد المرتقب سيعود بالنفع على كل أسرة روسية وسيدعم القدرات الاقتصادية للدولة بما يرسخ مكانة وهيبة روسيا في الساحة الدولية. وكان الرئيس ميدفيديف قد وقع مع نظيريه في بيلاروسيا وكازاخستان منذ أيام وثائق الاتحاد الأورو - آسيوي التي أعقبها باتفاقيات اقتصادية أخرى مع رئيس بيلاروسيا تحقق للأخيرة ضمانا أكبر لمكاسبها منذ اتحادها السابق مع روسيا الذي طالما تعثرت خطواته لما يزيد على العشر سنوات شهدت اشتعال حروب الغاز التي هددت صادرات روسيا عبر أراضي بيلاروسيا إلى الدول الأوروبية وفرض الحظر على صادرات بيلاروسيا من منتجات الألبان، مما كبدها الكثير من الخسائر الاقتصادية. وقد تمثلت المكاسب الأخيرة التي حققتها بيلاروسيا في موافقة روسيا على إمدادها بالغاز بأسعار قريبة من أسعار السوق المحلية الروسية، ما اعتبره الكثيرون إشارة ذات مغزى إلى أوكرانيا التي لا تزال تتحفظ على الانضمام إلى التحالف ثلاثي الأضلاع وترفض خطوة مماثلة لتأمين عبور صادرات الغاز الروسي عبر أراضيها.

كان المجلس الأعلى لدولة الاتحاد بين روسيا وبيلاروسيا في اجتماعه الأخير في ضواحي موسكو قد توصل إلى اتفاق يقضي بتنازل بيلاروسيا عن أسهم مؤسسة «بيل ترانس غاز» إلى مؤسسة «غاز بروم» الروسية مقابل حصولها على احتياجاتها من الغاز لعام 2012 بأسعار تقل عن أسعار السوق العالمية بما يزيد على النصف، أي مقابل 165.6 دولار لكل ألف متر مكعب، في الوقت الذي تبيعه روسيا إلى أوكرانيا المجاورة بـ400 دولار تزيد في عام 2013 حتى 183 دولارا فقط، فضلا عن حصولها على قرض قيمته 10 مليارات دولار بشروط ميسرة لبناء محطتها النووية التي طالما حلمت بها لتوفير احتياجاتها من الطاقة. ولم تقتصر مكاسب بيلاروسيا الاقتصادية على هذه الأسعار المتدنية لشراء احتياجاتها من الغاز التي توفر لها ما يقرب من 3 مليارات دولار، بل وحصلت على موافقة روسيا برفع أسعار نقل صادراتها من الغاز عبر أراضيها من 1.9 دولار حتى 2.5 دولار لكل ألف متر مكعب، وهو ما يحقق لروسيا أيضا الضمانات الكافية لنقل صادراتها إلى أوروبا دون إخطار نشوب ما كان يسمى «حروب الغاز». واتفق الجانبان على الرفع التدريجي لهذه الأسعار حتى عام 2015 وهو الموعد المحدد لدخول المراحل النهائية لبناء الاتحاد الأورو - آسيوي الذي أعلن رؤساء روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا عن قيامه اعتبارا من 1 يناير (كانون الثاني) 2012.

ويقول مراقبون: إن ما حققته روسيا من نتائج يرقى إلى حد المكاسب الاستراتيجية ويبدو مثالا لما يمكن أن تحققه أوكرانيا في حال نزولها على بيع حصتها في مؤسسة «نفط غاز» التي طالما أعربت موسكو عن رغبتها في شرائها لتأمين صادراتها من الغاز إلى أوروبا.