الهند والصين.. الرقص السياسي الخطير في آسيا

المنافسة بينهما قد تتحول إلى مواجهة بفعل الحدود والثروات وتدخل قوى أخرى

رئيس الوزراء الهندي سينغ والرئيس الصيني جنتاو خلال اجتماع لمجموعة العشرين الشهر الحالي
TT

في تعبير عن شعور غير معتاد بالثقة، نظر رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينغ، في عين نظيره الصيني، خلال اجتماع في بالي نهاية الأسبوع الماضي، ودافع عن حق بلاده «التجاري» في التنقيب عن النفط والغاز في بحر الصين الجنوبي، لكن كان ذلك أيضا بمثابة شرخ جديد في العلاقة بين الهند والصين وبداية ما يراه الخبراء لعبة خطيرة جديدة بين أكبر دولتين من حيث عدد السكان.

وتحاول الهند، بدافع من التهديد المتمثل في تنامي قوة العلاقات بين الصين وجاراتها في جنوب آسيا، جاهدة، أن تخترق حيز النفوذ التقليدي لبكين، وبدأت مظاهر الانتقام المتبادل. ويأتي موقف سينغ في بالي بعد اتفاق الهند وفيتنام على الاشتراك في أعمال تنقيب في المحيط قبالة جزر سبراتلي المتنازع عليها ردا على الاستجابة الفاترة من وزارة الخارجية الصينية. وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية، لين ويمين، لصحافيين في بكين قائلا: «لا نأمل أن نرى قوات خارجية في بحر الصين الجنوبي، ولا نريد كذلك أن نرى انخراط شركات أجنبية في أعمال تنتهك سيادة الصين وحقوقها ومصالحها».

وذكرت الصحيفة الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني هذا الأمر على نحو أكثر صراحة في افتتاحيتها الشهر الماضي؛ حيث اتهمت كلا من الهند وفيتنام بالقيام «بمحاولات غير مسؤولة لمواجهة الصين»، محذرة من عدم استعداد المجتمع الهندي للدخول في «صراع شرس» مع الصين على هذا الأمر. وتم إلغاء الجولة الـ15 من المحادثات بين دبلوماسيين رفيعي المستوى من الجانبين كان من المزمع عقدها يوم الاثنين الماضي، مع إشارة وسائل الإعلام الهندية إلى تباعد «الشقة» بعد اجتماع قمة بالي. وذكرت التقارير الإعلامية أن الصين طلبت من الحكومة الهندية منع الدالاي لاما من التحدث في مؤتمر بوذي دولي من المقرر إقامته في العاصمة الهندية خلال الأسبوع الحالي، وهو شرط رفضته حكومة نيودلهي. ويوضح هذا الخلاف، من جانب، حساسية الصين تجاه بحر الصين الجنوبي ومقاومتها للتدخل الأجنبي في نزاعها تقريبا مع كل دول المنطقة حول المحيط الذي قد يكون مصدرا غنيا للموارد. ويوضح ذلك، من جانب آخر، تدهور العلاقات الهندية - الصينية خلال الـ6 سنوات الماضية والصراع الاستراتيجي الجديد الذي يعمل فيه كل طرف على زيادة نفوذه في ما كان يرى «الباحة الخلفية» للآخر. وفي الوقت الذي يؤكد فيه القادة، علنا، أن المجال يتسع لنمو البلدين، يقول الخبراء والمسؤولون إن القوى الآسيوية تزيد من استفزازها لبعضها البعض. وقال راجا موهان، من مركز أبحاث سياسات في نيودلهي: «كلتا القوتين تكتسب زخما، لكن الصين تقوم بذلك بشكل أسرع. الالتحام حتمي، وكذلك الشقاق. ويكمن التحدي في كيفية التعامل مع ذلك». ولا تبدو الدول الجارة، حتى هذه اللحظة، قادرة على التحكم في هذا الشقاق وتتأجج المشاعر القومية في كلا البلدين.

ويعود تاريخ مخاوف الهند من محاصرة الصين لها إلى عقود مضت، لكنها تزايدت خلال السنوات الأخيرة الماضية بسبب سيطرة بكين على دول أخرى في آسيا الجنوبية، والاستثمار فيها بدءا من عدوتها اللدود باكستان وحليفتها التقليدية نيبال وصولا إلى سريلانكا وبنغلاديش وميانمار. وفي المقابل، للصين مخاوفها من حصار «قوس الدول الديمقراطية»، كما أشار إليها الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش الابن، وهي الهند واليابان وأستراليا والولايات المتحدة. وتأججت مثل هذه المخاوف الشهر الحالي عندما أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما عن تمركز قوات بحرية في أستراليا للمساعدة في حماية المصالح الأميركية في آسيا. وكان ينظر إلى التدريبات العسكرية المشتركة بين الدول الديمقراطية الأربع خلال السنوات الماضية باعتبارها موجهة ضد الصين، لكن تزايد الدفء والشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند - ومن أهم مظاهرها اتفاقية التعاون النووي المدني بين الهند والولايات المتحدة - أثرا سلبا على العلاقات الصينية - الهندية. وقال جون غارفر، أستاذ العلاقات الدولية في معهد جورجيا للتكنولوجيا أحد الأكاديميين المتخصصين في الحصار الجديد والصراع المناهض للحصار في آسيا: «لقد كان هذا من المحظورات غير المقبولة بالنسبة للصين. إذا كنت تنتظر إقامة علاقة صداقة مع الصين، فيجب ألا تتحالف مع القوى المعادية لها». وقد حذرت صحيفة «بيبولز ديلي» نيودلهي من «الثمن الذي ستدفعه بسبب قبول عروض أميركا» في إشارة إلى بداية العقاب.

وبدأ الحديث عن الحرب بين الصين والهند يطفو على السطح في المواقع الإلكترونية الصينية. وظهرت مؤشرات تقدم في نزاع على الحدود يعود إلى زمن طويل عندما أعادت الصين تأكيد حقها في جزء كبير من الأراضي الهندية، كما رفضت الصين رفع عقوبات دولية على التبادل النووي المدني مع الهند في «نيوكلير سابلايرز غروب». وبدأت الصين في تعزيز علاقتها مع دول جوار الهند لأسباب اقتصادية واستراتيجية وأيضا لمنع بزوغ نجم الهند كقوة عالمية وفي آسيا كما يرى الكثير من المحللين الهنود. وساعدت الصين باكستان على بناء مفاعلين نوويين ودعمت، بقوة، مطالبة باكستان بإقليم كشمير. وقد أصبحت الصين من أكبر الشركاء التجاريين لبنغلاديش وزادت استثماراتها بها. كما عمقت الصين علاقتها بجيش وشرطة نيبال، وتساعد في إنشاء طريق جديد يؤدي إلى التيبت. وزودت سريلانكا بأسلحة ساعدت الحكومة في التغلب على التمرد في تاميل وإنهاء حرب أهلية استمرت 26 عاما وبناء ميناء جديد كبير جنوب الجزيرة. وشهد نقاش في «مجلس العلاقات الخارجية» (مركز أبحاث نافذ في الولايات المتحدة) عام 2009 أول شكوى لسينغ من «زيادة ثقة الجانب الصيني»، الذي أوضح أنه لا يفهم سببها. وقال جوناثان هولسلاغ، من «معهد بروكسل لدراسات الصين المعاصرة»: إن الهند «بدأت تستفيق على نظام عالمي مختلف تماما تجد به صعوبة في الدفاع عن مصالحها» في مواجهة المنافسة الصينية.

ظلت الهند تتحدث، لسنوات، عن عزمها «النظر صوب الشرق» لإقامة علاقات قوية مع دول ذات اقتصاد متنامٍ في شرق وجنوب شرقي آسيا، لكنها أخفقت في تنفيذ ذلك. ولم تبدأ إلا مؤخرا في اتخاذ إجراءات، على الرغم من بطئها، تتعلق بإقامة علاقات على المستوى الأمني والاقتصادي مع دول مثل اليابان وفيتنام وإندونيسيا. وقال غارفر: «هناك بعد اقتصادي لسياسة الهند الخاصة بالتوجه صوب الشرق، التي ظهرت في التسعينات، لكنها اتخذت بعدا جيوسياسيا الآن من أجل مواجهة الحصار».

وطالما شجعت الولايات المتحدة، في السر والعلن، نهج الهند؛ حيث أعلنت، على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، دعمها لمحاولات نيودلهي تطبيق سياسة التوجه صوب الشرق على أرض الواقع. وأشار الخبراء إلى أنه من غير الواضح ما سيؤدي إليه التصدع الجديد في العلاقات بين الهند والصين. وتشهد العلاقات التجارية بين البلدين ازدهارا، ولا يزالان يتحدثان عن الشراكة والتعاون.

وقال فيكرام سود، رئيس الاستخبارات الأسبق الذي يعمل حاليا محللا في مؤسسة «أوبزيرفير ريسيرش فاونديشين» في نيودلهي: «يمكن أن تؤدي المنافسة إلى مواجهة، لكنني لا أعتقد أنها ستؤدي إلى صراع». مع ذلك لا يرى الجميع أن هذا أمر مؤكد؛ ففي مقال نُشر العام الماضي في دورية «آشيان سيكيوريتي»، أوضح غارفر، وفي لينغ وانغ، أن الولايات المتحدة واليابان والهند «تلعب لعبة بها قدر كبير من المخاطرة» من خلال التوحد من أجل احتواء الصين. وكتبا: «كان طريق ألمانيا إلى الحرب عام 1914 وطريق اليابان إلى الحرب عام 1941 يقوم إلى حد كبير على الشعور بحصار مجموعة من القوى المعادية لهما. وكانت الدولتان عازمتين على التحرر من هذا الحصار». وجاء أيضا في المقال: «إذا خلص القادة في بكين إلى أن هذا الائتلاف الذي يهدف إلى مواجهة الصين يزداد قوة وصلابة ووضوحا أو أنه ظالم كثيرا، ربما يرون أن من الضروري توجيه ضربة لقوة من قوى ذلك الائتلاف المناهض للصين».

* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»