مطبعة قديمة في الإسكندرية تؤلف بين قلوب متنافسين في انتخابات البرلمان

عمرها قرن.. وبدأت بطباعة منشورات ضد الاحتلال الإنجليزي

TT

من الصعب أن تصدق أن هذه المطبعة العجوز تشارك اليوم في طباعة أوراق الدعاية لانتخابات البرلمان المصري وتؤلف لبعض الوقت بين قلوب المرشحين المتنافسين. في شارع عرفان داخل ضاحية غربال القديمة بمدينة الإسكندرية، تقع مطبعة السراج التي تعد من أوائل المطابع التي تم إنشاؤها في المدينة قبل نحو مائة عام على يد رجل إيطالي الجنسية يدعى ديفي باركواري، للاستثمار في طباعة الصحف الناشئة والكتب والمنشورات المناهضة للاحتلال الإنجليزي في ذلك الوقت.

وجمعت المطبعة حولها هذه الأيام مرشحين من مختلف المشارب ممن يتزاحمون كتفا لكتف من أجل الفوز بنصيب والانتهاء من طبع الألوف من أوراق الدعاية الانتخابية.. هذه أوراق دعاية «الإخوان» والسلفيين، حيث روح الشعارات الدينية، وتلك أوراق دعاية اليساريين ولغتهم عن العمال والفلاحين وصغار الموظفين، وتلك أوراق الليبراليين الذين يتعهدون بحرية سياسية واقتصادية للجميع.

وصاحب المطبعة الحالي هو محمد عاشور مرسي سراج، والذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن المطبعة أنشئت عام1917 على يد باركواري، الإيطالي الذين وفد من بلاده في بدايات القرن الماضي ليعيش في الإسكندرية «التي كانت وما زالت المدينة ذات الثقافات والجنسيات المتعددة».

ويروي سراج أن باركواري كان من أمهر من احترفوا الطباعة، وأراد أن يكون له السبق في نشر الطباعة في مدينة الإسكندرية، حيث كان يعلم ببدء ازدياد الطلب من قبل المصريين وقتها على طباعة الصحف ومنشورات المصريين المطالبة بجلاء القوات البريطانية واستقلال مصر.

والتحق جد سراج بالعمل لدى باركواري وحين غادر مصر في أعقاب قيام ثورة 1952 قد ترك له المطبعة رافضا تقاضي أي مبلغ نظير ذلك إلا بعد أن يكسب منها جدي ربحا ويسدد من هذا الربح الثمن عبر إرسال النقود لمالكها في بلده إيطاليا و«هو ما حدث بالفعل وأصبحت المطبعة ملكا لجدي ومن بعده والدي»، حسب سراج.

واحتفظ أصحاب المطبعة السكندريون بجميع أدوات وماكينات الطباعة القديمة التي توارثوها عبر أجيال تمتد إلى تاريخ إنشائها ورفضهم التفريط فيها رغم تلقيهم عدة عروض لبيعها بأثمان مغرية حيث يعتبرونها تراثا لا يقدر بثمن. وأصبح عدد من الإيطاليين يضعون زيارة المطبعة في برامجهم حين يأتون لزيارة المدينة، باعتبار أنها من الآثار النادرة.

وفي الوقت الحالي عادت تروس الماكينة للعمل من جديد وسط أكوام وتلال من المطبوعات الورقية والبلاستيكية التي دون عليها أسماء الكثير من المرشحين للبرلمان في الإسكندرية من مختلف الاتجاهات السياسية.

ويقول سراج: «نعم هنا فقط وفي هذه المطبعة تستطيع أن ترى مشهدا لا يتكرر إلا بها، حيث يتجمع يوميا في المساء معظم القيادات البارزة من المرشحين الحزبيين والمستقلين وحتى مرشحي جماعة الإخوان المسلمين وبعض المرشحين ممن كانوا تابعين للنظام السابق ومن شباب الثورة لمتابعة تسلم مطبوعاتهم، حيث يشتركون في مشهد نادر الحدوث في شرب القهوة والشاي، ويتجاذبون أطراف الحديث وتدور بينهم مناقشات ودية تتناقض مع ما يره المتابعون للصراعات السياسية الطاحنة في الشارع». ويتابع سراج ضاحكا: «المطبعة هي نقطة الاتفاق الوحيدة بينهم».

ويتذكر سراج أن الدعاية الانتخابية قديما لمرشحي البرلمان في عهد الرئيس السابق حسني مبارك كانت تقتصر على الطباعة على ورق الصحف باللونين الأبيض والأسود تتضمن التعريف بسيرة المرشح الذاتية، ويقوم أنصار كل مرشح بلصقها على الجدران بواسطة الصمغ.. «أما الآن فكل مطبوع (بوستر) أصبح به ملصق ذاتي»، مشيرا إلى أن المرشحين في عهد مبارك كانوا ينفقون أموالا باهظة على دعايتهم لكن ذلك لا يقارن بما يتم إنفاقه في الانتخابات الحالية.