المصريون على جسر الديمقراطية

إقبال جماهيري غير مسبوق في المرحلة الأولى من انتخابات «برلمان الثورة»

جندي مصري يساعد سيدة مسنة للدخول إلى لجنة انتخابية بالقاهرة، أمس (أ.ب)
TT

الأقصر - البحر الأحمر - أسيوط: يوسف رجب بورسعيد - دمياط: يسري محمد

* بعد مخاض عسير، شهد المصريون بكل انتماءاتهم وأطيافهم السياسية، أمس، ولادة باكورة الاستحقاقات الديمقراطية التي أفرزتها ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، حيث أدلوا بأصواتهم في أول انتخابات برلمانية تعقدها مصر بعد سقوط نظام الرئيس السابق، حسني مبارك، وتمهد لنقل السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يدير شؤون البلاد منذ تنحي مبارك في 11 فبراير (شباط) الماضي، إلى نظام مدني.

اقترع المصريون في 9 محافظات هي: القاهرة، والفيوم، والأقصر، وبورسعيد، ودمياط، والإسكندرية، وكفر الشيخ، وأسيوط، والبحر الأحمر، في بداية الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان)، لانتخاب 168 نائبا، من أصل 498.وشهدت عملية الاقتراع في المرحلة الأولى، التي تستمر حتى اليوم، الثلاثاء، إقبالا جماهيريا كبيرا وغير مسبوق، تمثل في طوابير انتخابية امتدت مئات الأمتار، حيث فتحت مراكز الاقتراع أبوابها في الساعة الثامنة صباحا بتوقيت القاهرة. وقرر المجلس العسكري، بالتنسيق مع اللجنة العليا للانتخابات، مد فترة التصويت بجميع اللجان الانتخابية ساعتين إضافيتين.

كما قررت اللجنة العليا للانتخابات الدفع بـ3 آلاف صندوق انتخابي زجاجي شفاف، بالإضافية إلى اللجان التي امتلأت الصناديق بها بأوراق الاقتراع، وقال المستشار يسري عبد الكريم، رئيس المكتب الفني للجنة العليا للانتخابات، إن اللجنة كانت قد قامت بتوزيع 18 ألفا و536 صندوقا من صناديق الاقتراع على مستوى المحافظات الـ9، غير أن بعض الصناديق امتلأت سريعا نتيجة الإقبال المتزايد.

وأعلنت وزارة الصحة أن إجمالي عدد الحالات والإصابات، أمس، بلغ 25 حالة، غالبيتها العظمى بسبب الزحام والتدافع وكبر السن.

ويحق لنحو 17 مليون ناخب الإدلاء بأصواتهم في المرحلة الأولى من هذه الانتخابات، التي ستنتهي بجميع مراحلها يوم 11 يناير المقبل. وستكون المهمة الأساسية للبرلمان المقبل اختيار الجمعية التأسيسية المؤلفة من 100 عضو لصياغة دستور جديد للبلاد، وبينما سيتمتع البرلمان بسلطة تشريعية لسن القوانين، يحتفظ المجلس العسكري بالسلطات الرئاسية وتشكيل الحكومة الجديدة، حتى انتخاب رئيس للبلاد.

وتجرى الانتخابات وفق نظام يقضي بأن يكون ثلثا مقاعد مجلس الشعب في القائمة الحزبية المغلقة والثلث الآخر في الفردي، وهو نظام جديد على أغلب الناخبين. ويتوقع المراقبون أن يستحوذ التيار الإسلامي (من «الإخوان» والسلفيين) على نسبة كبيرة تتخطى 50 في المائة من مقاعد البرلمان الجديد، بينما يوزع النصف الباقي بين التيار الليبرالي والأعضاء المستقلين، وسط توقعات بوصول أعضاء سابقين في الحزب الوطني (الحاكم سابقا والمنحل حاليا).

وقال حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، الذي يتوقع أن يستحوذ على عدد كبير من المقاعد، والذي رفض أي اتجاه لتأجيل الانتخابات: «إن الانتخابات نعتبرها بوابتنا للعبور الآمن إلى الديمقراطية ونقل السلطة في مصر، ما يتطلب من الشعب المصري بجميع فئاته واتجاهاته وأطيافه دعم هذه التجربة». وأكد الحزب في بيان له أن «هذه التجربة أيا كان الفائز فيها فإن الخاسر الأساسي هو النظام السابق وفلوله الذين حاولوا طوال الأشهر الماضية الإجهاز على هذه الثورة».

وتأتي الانتخابات بعد أسبوع دامٍ شهده عدد من المدن المصرية، سقط فيه 42 قتيلا وأصيب أكثر من ألفين، بعد مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين اتهموا المجلس العسكري بالفشل في تحقيق أهداف الثورة، وأبدوا قلقهم من أن يكون لدى المجلس العسكري نية البقاء في الحكم، رغم تحديده نهاية يونيو (حزيران) موعدا أقصى لانتخاب رئيس للدولة وتسليم السلطة.

وفي القاهرة، تأخرت عملية التصويت في بعض اللجان بسبب عدم وجود بطاقات اقتراع «مختومة»، وهو ما استعاضت عنه اللجنة العليا للانتخابات بتوقيع القاضي المشرف، أو بسبب تعذر وصول القضاة المشرفين على تلك اللجان. وشهدت دائرة قصر النيل، التي يقع ضمنها ميدان التحرير مسرح عمليات الثورة المصرية، إقبالا كبيرا، كما لم يؤثر اعتصام شباب الثورة أمام مقر مجلس الوزراء على تصويت المواطنين في الدوائر القريبة. ولم تشهد الدائرة، التي كانت مقرا انتخابيا لرموز الحزب الوطني (المنحل) في وسط القاهرة، الإجراءات الأمنية التي كانت تصاحبها في كل انتخابات ماضية.

وأعرب منير فخري عبد النور، وزير السياحة في حكومة تسيير الأعمال، عن سعادته الكبيرة بالعرس الديمقراطي الذي تعيشه مصر بالانتخابات، والذي اعتبره علامة من علامات نجاح ثورة 25 يناير، مؤكدا ثقته في أن تفرز الانتخابات الحالية مجلس شعب قويا يمكنه التعبير بصدق عن الشعب المصري.

ونفت الكنيسة الأرثوذكسية، أن تكون قد طلبت من المسيحيين مساندة قوائم معينة أو أسماء محددة من بين المرشحين، وقالت إنها حثتهم فقط على المشاركة بفاعلية في الانتخابات البرلمانية.

وفي الإسكندرية، وتحت الأمطار التي انهمرت بغزارة، أدلى ملايين المواطنين من أبناء المدينة بأصواتهم لانتخاب 24 عضوا في مجلس الشعب، وقامت القوات البحرية التابعة للقوات المسلحة المصرية بتولي عمليات تأمين اللجان في محافظة الإسكندرية، وبدا امتداد طوابير الناخبين لعشرات الأمتار في الشوارع الكبرى انتظارا لأدوارهم للإدلاء بأصواتهم في عملية الاقتراع، مشهدا مثيرا ولافتا للأنظار.

وتشهد الإسكندرية صراعا عنيفا بين 4 قوائم رئيسية هي حزب الحرية والعدالة (الإخواني)، والنور (السلفي)، وقائمة الثورة مستمرة، وحزب الإصلاح والتنمية الذي ترشح على قوائمه عدد كبير من شباب الثورة. ويدور صراع عنيف في دائرة سيدي جابر بين رجل الأعمال طارق طلعت مصطفى، القيادي السابق في الحزب الوطني (المنحل)، والمستشار محمود الخضيري، أحد رموز تيار استقلال القضاة في مصر.

وفي محافظة بورسعيد بدأ الإقبال مكثفا من الناخبين، وتضمن إجراءات تأمين اللجان منع حركة سير السيارات أمام المقار ضمانا لسهولة حركة الناخبين. وأبدى الناخبون حرصهم على التصويت رغم الازدحام الشديد والانتظار لفترات أمام اللجان. وقال أحد الناخبين، وهو يبلغ من العمر 85 عاما إنه حضر للإدلاء بصوته «من أجل مصر ومن أجل استقرار الأوضاع». ووصف الناشط السياسي جورج إسحاق، المنسق الأسبق لحركة كفاية، المرشح على مقعد الفردي (مستقل)، العملية الانتخابية بأنها «محترمة»، مؤكدا وجود انضباط داخل اللجان غير مسبوق، وأن هناك التزاما من قوات الأمن، مع بعض المخالفات والملاحظات التي تم رصدها داخل بعض اللجان تضمنت قيام بعض الأشخاص بالتحدث داخل اللجان الانتخابية بما يعتبره مخالفا للقيم والدين.

وفي محافظة كفر الشيخ، التي كانت مسرحا لأحداث سياسية في الآونة الأخيرة، خيم الهدوء على لجان الاقتراع، رغم الإقبال الشديد من الناخبين على الإدلاء بأصواتهم، بفضل قيام رجال الجيش بوضع متاريس لتنظيم دخول وخروج الناخبين بسهولة ويسر.

وفي محافظة دمياط توافد صباح أمس 767 ألفا و353 ناخبا وناخبة؛ لاختيار ممثليهم في مجلس الشعب في 886 لجنة انتخابية، حيث يتنافس 13 حزبا و103 مرشحين فرديين من بينهم 27 مرشحا على مقعد العمال والفلاحين.

وفي محافظة الأقصر جنوبا، التي يتنافس للفوز بمقاعدها 127 مرشحا، شهدت اللجان الانتخابية حضورا مكثفا من قبل المواطنين، وتكاتفت مختلف الأجهزة المعنية في تيسير عملية الاقتراع، وحرصت القوات المسلحة على الوجود بشكل مكثف، كما قام بتوزيع العصائر على الناخبين من كبار السن.

وكان من أبرز الفئات التي حرصت على الحضور مبكرا المواطنون المنتمون إلى التيار الإسلامي، ووفر أعضاء هذه التيارات وسائل المواصلات لتيسير عملية الاقتراع على الناخبين. بينما شهدت اللجان أيضا إقبالا كثيفا للأقباط الذين حرصوا على الحضور وأكدوا تصويتهم لـ«الكتلة المصرية» التي يتزعمها حزب المصريين الأحرار، التابع لرجل الأعمال المسيحي، نجيب ساويرس.

وقامت حركة كفاية بحملة لمنع الناخبين من ترشيح فلول الحزب الوطني (المنحل) وتوعية المواطنين بأسمائهم.

وفي البحر الأحمر، من المنتظر أن يدلي 220 ألف ناخب بأصواتهم أمام 219 لجنة انتخابية موزعة على 6 مدن، ويتنافس عليها 71 مرشحا فرديا، و10 أحزاب للقوائم. وقد قام المرشحون بالمرور على اللجان للظهور على الساحة أمام الناخبين وتكثيف الدعاية واللافتات أمام المقار.

وأصدرت دار الإفتاء المصرية بيانا، أمس، حرم عمليات «بيع أصوات الناخبين»، وقال البيان إن «الشريعة الإسلامية لا تجيز للمرشح استخدام أمواله للتأثير على الناخبين، لأنها من قبل الرشوة المنهي عنها، وإن شراء الأصوات الانتخابية حرام شرعا، وسماسرتها آثمون».

من جهتها، أكدت آن باترسون، سفيرة الولايات المتحدة في القاهرة، أن الإدارة الأميركية ستعمل مع من يختاره الشعب المصري في الانتخابات البرلمانية، معربة عن ترحيبها بهذه العملية التي تجعل مصر تنضم إلى المجتمعات الديمقراطية في العالم.

وأضافت في تصريحات لها، أمس، في أعقاب زيارتها لوحدة الانتخابات في المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن مصر تلعب دورا هاما في العالم العربي وتمتلك مقومات اقتصادية كبيرة، مؤكدة الرغبة القوية وتحمس الإدارة الأميركية للعمل مع البرلمان المنتخب الجديد.

وأعربت السفيرة عن سعادتها بارتفاع نسبة الإقبال على المشاركة في الانتخابات وصفتها بأنها تاريخية، مشيرة إلى أن أي عملية انتخابية يشوبها بعض العيوب مثل التأخر في فتح مراكز الاقتراع، وأوراق إدلاء الناخبين بأصواتهم.

وأشادت باترسون بالجهد الذي يبذله العاملون في وحدة الانتخابات بالمجلس وتلقيهم للشكاوى وتوصيلها إلى اللجنة العليا للانتخابات، موضحة أنها قامت بمراقبة الانتخابات في عدة دول حول العالم، وفي بعض الدول التي تشهد اضطرابات، وحدوث مثل هذه الشكاوى يعد أمرا عاديا، منوهة بوجود مجموعات مستقلة من الأميركيين الذين يقومون بمتابعة سير العملية الانتخابية في مصر وسيجرون تقييما لها.