شباب العراق يستعدون لتسلم إرث ثقيل بعد الانسحاب الأميركي.. دولة عليها أن تكافح لإصلاح نفسها

ينتابهم خوف وهم يرون العالم يركز على الثورات العربية الأخرى بينما يتجاهل انهيار ديمقراطيتهم

شابان عراقيان في متجر لأفلام «دي في دي» في بغداد (أ.ب)
TT

في غرفة مظلمة بالطابق الثاني من أحد المباني الحكومية، شارك 100 شاب عراقي في وضع خطة من أجل إحداث تغيير جذري في دولتهم. قال مطور مواقع إلكترونية عمره 28 عاما، إن المناهج الدراسية يجب أن توظف ألعاب الإنترنت التفاعلية من أجل التحفيز على التعلم.

وقال موظف حكومي عمره 23 عاما، إنه يجب اعتبار 1 أبريل (نيسان) يوما ثقافيا للترويج لمكانة العراق القديمة كمهد للحضارات. ورأى ناشط عمره 22 عاما، أنه يجب أن تستخدم النساء مواقع التواصل الاجتماعي للقضاء على الفجوة بين الجنسين.

وسار الأمر على هذا النحو، تقوم مجموعة من الشباب بإعداد مقترحات لطرحها في مؤتمر رفيع المستوى. لقد جمعتهم أفكار مفعمة بالأمل، ولكنها غامضة في الوقت نفسه ترسم مستقبلا ورديا يتجاوز حدود الحاضر الحافل بالاضطرابات. وعلى الرغم من ذلك، فإن التحدي الذي لم يتم الإفصاح عنه كان يتمثل في تحويل الأحلام إلى خطط واقعية ملموسة والأفكار النظرية إلى مطالب عملية.

«نحن أحرار، ولم يكن هذا ليحدث من دون الولايات المتحدة، لكننا الآن نصارع من أجل التطور»، هذا ما قاله مهندس مدني يدعى عبد الغني، عمره 27 عاما، وهو أحد المشاركين في تنظيم المتطوعين. وأضاف: «كثير من الشباب لا يعرفون ما يريدونه على وجه التحديد».

حقيقة، هم يدركون ما يشعرون به. لقد انقلب بلدهم رأسا على عقب جراء الاحتلال الأميركي في عام 2003، والآن يستعد شباب العراق - الذي تشكلت رؤيته للعالم بشكل ثابت لا يمكن محوه على يد الوجود العسكري الأميركي المقرر أن ينتهي بنهاية الشهر المقبل - لتسلم إرثهم الممثل في دولة ما زال عليها أن تكافح من أجل إصلاح نفسها.

ويقول بعض الشباب العراقيين إنهم سعداء بالتخلص من صدام حسين، غير أنهم يشعرون بأمان أقل - وبالتبعية، وحرية أقل - مما كان عليه الحال قبل عام 2003، وهو رأي انعكس في عشرات المقابلات التي أجريت في ثماني محافظات عراقية.

إنهم ينظرون لحكومتهم باعتبارها نظاما زائفا يحرمهم من حقوقهم الأساسية، كما تحدوهم مخاوف من أن يقع أقرانهم في شرك الإغراءات العرقية والطائفية والحزبية الذي وقع فيه سابقوهم. وهم يرون أن العالم يركز على الثورات التي تجتاح الدول العربية الأخرى، في حين يتجاهل انهيار الديمقراطية في بغداد، وأن جيلهم يصارع من أجل التمتع بالحرية التي وعد بها قبل ثمانية أعوام ونصف العام.

«لقد شهد جيلنا ما يكفيه»، هكذا تحدث مصطفى حمزة العبادي، أحد سكان بغداد والبالغ من العمر 21 عاما، والذي سيتخرج هذا الربيع حاملا شهادة في الاتصالات والهندسة ويرغب في السفر إلى الولايات المتحدة. وأضاف: «حينما كنا أطفالا، كانت هناك عقوبات اقتصادية. وحينما بلغنا سن المراهقة، كانت هناك جثث في الشوارع. والآن، لا توجد مساحة يمكن أن نحيا فيها».

إن نحو نصف سكان العراق البالغ عددهم 33 مليون نسمة هم في سن التاسعة عشرة أو دونها، ولم يخبر أي عراقي ولد منذ استحواذ صدام على مقاليد السلطة في عام 1979 الدولة من دون حرب أو نظام ديكتاتوري.

لقد نشأ العراقيون في نهاية فترة المراهقة وفي العشرينات من عمرهم في «مناخ تكتنفه المخاطر» لم يغرس فيهم «عقلية مدنية»، حسبما يقول عبد الجبار أحمد عبد الله، عميد كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد. وأضاف «التنشئة السياسية للفرد ليست سليمة.. كل طالب ينتمي إلى عشيرته، لا إلى دولته».

وحينما يتحدث العراقيون عن مصير جيل الشباب، يستخدمون تعبيرات مثل «مفترق طرق» و«نقطة تحول». وتحدثت الناشطة هناء إدوار في مهرجان بغداد للسلام الذي أقيم في سبتمبر (أيلول) في حديقة الزوراء قائلة: «نحن في مرحلة حرجة جدا، نتيجة تدهور الأمن وارتفاع نسبة الفساد».

وأضافت قائلة: «الانتخابات وحدها ليست كافية. نحن بحاجة لمشاركة فعالة من الشباب. فهم لم يلوثهم الساسة بعد. إنهم بحاجة لما هو أكثر من مجرد الأمل. إنهم بحاجة للتمكين».

خلال العام الماضي، شكل إريك ديفيس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة روتجرز، مجموعات تركيز من مئات العراقيين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و30 عاما. وفي العموم، ذكروا أنهم يرون أن النزعة الطائفية ذات تأثير هدام على مستقبلهم وأنهم يفضلون عدم الانتماء إلى حزب سياسي بعينه. وقال معظمهم إن مستوى معيشتهم قد تحسن «نوعا ما» أو «بدرجة محدودة» منذ الاحتلال الأميركي، غير أنهم أشاروا إلى أنهم لن يرحلوا من العراق إذا ما منحوا الفرصة، وفقا للمعلومات التي جمعها ديفيس، المدير السابق بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة روتجرز.

وتتمثل المشكلة، بالنسبة لديفيس، في أن الهياكل الاقتصادية والسياسية موضوعة بحيث تقصي معظم العراقيين، خاصة الشباب، من أي نوع من المشاركة. وتحتل العراق المرتبة 175 بين 178 دولة، بوصفها واحدة من الدول الأكثر فسادا في العالم في قائمة أعدتها منظمة الشفافية الدولية. وأشار ديفيس، الذي سينشر النتائج التي توصل إليها العام المقبل في تقرير خاص لمعهد السلام الأميركي، إلى أن الشباب العراقي «قد أحرز مجموع نقاط كبيرا فيما يتعلق بالحافز المدني، لكن لا يوجد منفذ مؤسسي لتفعيل هذا الحافز، وهذا أمر بالغ الخطورة».

لقد بدأ العراق للتو محاولة مداواة آثار الصدمات المتكررة التي عانى منها. فمن بين الـ8000 مريض بمركز «كركوك» لضحايا التعذيب – الذي تم افتتاحه في عام 2005 لخدمة ضحايا نظام صدام حسين – يتعامل نحو ربع الأطباء العاملين به الآن مع مشكلات نفسية مرتبطة بالصدمات التي ألمت بالعراقيين منذ الغزو الأميركي. «بعض المراهقين مصابون بخوف مرضي من الخروج من منازلهم لأنهم قد شبوا في بيئة تنتشر فيها حوادث تفجير السيارات والاختطاف»، هذا ما قاله يوسف عبد المحسن صالح، مدير المشاريع بالمركز. وأضاف: «وإذا لم يخضع الآباء لعلاج نفسي، يمكنهم نقل حالتهم النفسية إلى أطفالهم».

ويعتبر العنف جزءا لا يتجزأ من النشأة في العراق، ونتيجة لذلك، بات الناس يتولون مهمة الدفاع عن أنفسهم، على حد قول شاب عمره 29 عاما ذكر أن اسمه محمد، وأصر على عدم ذكر اسمه الأخير نظرا لعمله لحساب الجيش الأميركي وخوفه من انتقامه. ويرى محمد، الذي يرغب في العيش بأي مكان آخر خلاف العراق، أن شعوره بالأمان يقل يوما بعد يوما. وقد علق حياته في انتظار الحصول على تأشيرة هجرة خاصة من الحكومة الأميركية. لماذا يشتري سيارة جديدة أو يجري إصلاحات في منزله أو يستثمر في الحاضر، في حين ربما تسنح له فرصة الهجرة في الغد؟

«ليس ثمة أي نوع من تحمل المسؤولية أو المساءلة»، هكذا تحدث محمد أثناء فترة راحة من عمله بإحدى المؤسسات غير الحكومية. وأضاف: «الجميع يسعى وراء مصالحه، حتى أنا.. لقد ارتكب الأميركيون أخطاء، لكننا نحن من بدأنا القتال بأنفسنا. إنها مهمة مستحيلة لإصلاح هذا البلد».

لكن بعض العراقيين الشباب يحاولون بالفعل تحقيق هذا الهدف. كان شعار مؤتمر «تيدإكس بغداد»، النسخة الفضائية من مؤتمر «تيد»، الذي أقيم في كاليفورنيا، هو «اجعل المستحيل ممكنا». وبعد الاستعدادات التي أجريت الشهر الماضي، جلس مئات العراقيين هذا الشهر على مقاعد حمراء موضوعة على سجاد منقوش في قاعة رقص بفندق الرشيد، الكائن في المنطقة الدولية التي تخضع لحراسة مشددة، والتي كانت تعرف مسبقا باسم المنطقة الخضراء. وقدمت الأوركسترا الوطنية العراقية للشباب مجموعة معزوفات في حضور رئيس الوزراء نوري المالكي. واستعرض علماء البيئة والموسيقيون ومحبو الخير والمعلمون الإمكانات اللامحدودة المتاحة للعراق. ووصف المشاركون في المؤتمر هذا اليوم على موقع «تويتر» بأنه «يوم تاريخي» و«أشبه بحلم»، حلم يحتاج الآن إلى دعم ملموس، وما زال بعيدا عن متناول معظم العراقيين.

* خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»