أحزاب مغربية في طريقها للاندثار بعد نتائجها المخيبة للآمال

عبد الله القادري يقرر اعتزال العمل السياسي.. والتهامي الخياري يرفض التعليق على النتائج الكارثية

TT

كانت نتائج بعض الأحزاب الصغيرة في الانتخابات المغربية كارثية، إذ إن بعضها لم يستطع الفوز ولو بمقعد واحد، وفي هذا السياق حصل حزب على أربعة مقاعد، وحصلت أربعة أحزاب على مقعدين لكل حزب، وحصلت خمسة أحزاب على مقعد واحد لكل حزب، في حين لم يستطع 13 حزبا أن تحصل ولو على مقعد واحد في مجلس النواب. ولم يقتصر الأمر على الأحزاب الصغيرة التي أنشئت حديثا أو التي نتجت عن انشقاقات، ولكن هناك أيضا أحزاب عريقة لم تستطع أن تفوز بأي مقعد في هذه الانتخابات، مثل حزب الشورى والاستقلال الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى 1946، والذي بدأ تراجعه منذ مدة طويلة، أو الحزب «الوطني الديمقراطي» الذي كان عبد الله القادري أحد مؤسسيه إلى جانب أرسلان الجديدي، في 1981 عندما انشق 60 برلمانيا عن حزب التجمع الوطني للأحرار الذي كان يقود الحكومة آنذاك. وكان الحزب الوطني الديمقراطي (أصبح اسمه لاحقا الحزب الديمقراطي الوطني) قد حصل على 12 مقعدا في انتخابات 2002، وفي انتخابات 2007 حصل في إطار تحالف مشترك مع حزب العهد على 14 مقعدا. ويعزو عبد الله القادري هذا التقهقر إلى تبعات المغامرة التي خاضها في نهاية عام 2008 عندما أعلن اندماجه ثم انسحابه من حزب الأصالة والمعاصرة الحديث النشأة آنذاك. وقال القادري لـ«الشرق الأوسط»، إن حزبه خرج ضعيفا من هذه التجربة ومجردا من كل وسائله. وأضاف «حتى الدعم الحكومي الذي كان يتلقاه الحزب عن 14 مقعدا التي كانت لديه في البرلمان، والذي يبلغ 6 ملايين درهم (750 ألف دولار) حولتها وزارة الداخلية إلى حساب حزب الأصالة والمعاصرة» وأعلن القادري أنه قرر اعتزال السياسة والانسحاب من الحياة السياسية، مشيرا إلى أن ذلك سيشمل أعضاء قياديين كذلك. يشار إلى أن القادري هو في الأصل ضابط جيش احترف في بادرة نادرة العمل السياسي.

الحزب الآخر الذي شكل تراجعه مفاجأة خلال هذه الانتخابات هو «جبهة القوى الديمقراطية» فبعد أن كان حصل على 12 مقعدا في انتخابات 2002، تراجع عدد مقاعده في انتخابات 2007 إلى تسعة مقاعد، ثم تراجع في الانتخابات الحالية إلى مقعد واحد فقط. وفي اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» مع التهامي الخياري الأمين العام للحزب، رفض التعليق على هذه النتائج، وقال إنه سيصدر بيانا في وقت لاحق يعبر فيه عن تقييمه للموقف بعد التشاور مع الأجهزة الحزبية.

ولم يحصل حزبان ضمن تحالف «مجموعة الثمانية» التي تشكلت حول حزب الأصالة والمعاصرة على أي مقعد، وهما «الحزب الاشتراكي» وحزب «النهضة والفضيلة» وقال سعيد الزنطاري، الباحث في العلوم السياسية بكلية الحقوق في طنجة، إن النتائج التي حصلت عليها الأحزاب الصغيرة كانت متوقعة نظرا لعدة اعتبارات، منها ما هو تقني، كرفع نسبة العتبة الانتخابية (الحد الأدنى الضروري من الأصوات الذي يؤهل للمشاركة في اقتسام المقاعد) إلى 6 في المائة، وتوسيع الدوائر الانتخابية بشكل لم يعد ملائما للخطط الانتخابية للأحزاب الصغرى التي تعتمد غالبا على الأشخاص. وأشار إلى أن نسبة العتبة لو ارتفعت نقطة واحدة لتم إقصاء أحزاب صغيرة أخرى من النتائج، ويضيف الزنطاري أن هناك أيضا جانبا سياسيا حول أسباب ضعف نتائج الأحزاب الصغيرة، يتجلى في كون السلوك العام للناخبين تمحور خلال هذه الانتخابات، من جهة، حول المواجهة بين حزب العدالة والتنمية والأحزاب المشكلة للحكومة، ومن جهة ثانية، بين العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة. الشيء الذي غيب الأحزاب الأخرى عن الصراع السياسي.

وتوقع الزنطاري استمرار ظاهرة اندثار الأحزاب الصغيرة في المغرب نتيجة التحولات التي تعرفها الثقافة السياسية في البلاد. وقال «نحن الآن أمام منعطف في مجال الثقافة السياسية، إذ إن الناخبين أصبحوا يتجهون إلى التصويت على مؤسسات حزبية وليس على شخصيات، والاندحار الانتخابي نلمسه أيضا بالنسبة لبعض الأحزاب الكبيرة التي لم يفتأ وزنها البرلماني يتراجع».

وتوقع الزنطاري أن تؤدي النتائج الانتخابية في المغرب مستقبلا، مع تطور الثقافة السياسية للناخبين، إلى حدوث تقاطب سياسي. وقال «الانحدار الانتخابي الذي تعرفه بعض الأحزاب سيؤدي إلى نوع من التقاطب القصري للمجال الحزبي في المغرب. بمعنى أن التقاطب سيكون مفروضا على الأحزاب عبر نتائج الانتخابات».

وفي موضوع منفصل فاز جميع الوزراء الذين ترشحوا في الدوائر الجغرافية، لكن تفاوتت المواقع التي احتلها كل واحد منهم. وفي هذا السياق حقق وزراء «التجمع الوطني للأحرار» فوزا كبيرا في دوائرهم، إذ فاز صلاح الدين مزوار وزير الاقتصاد والمالية، بسهولة في مكناس، في وسط المغرب، وكانت دائرته من أولى الدوائر التي أعلنت نتائجها، ومزوار هو رئيس «التجمع الوطني للأحرار». ومن الحزب نفسه فاز عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري في دائرة تزنيت قرب مدينة أغادير في جنوب المغرب. وحقق أخنوش، وهو من قادة حزب «التجمع الوطني للأحرار»، فوزا سهلا في دائرته. ومن الحزب نفسه فاز أنيس برو وهو وزير دولة في الصناعة التقليدية، في بركان بشرق المغرب.

ومن الاتحاد الاشتراكي فاز إدريس لشكر وزير الشؤون البرلمانية في دائرة «الرباط شالا»، وكانت من الدوائر التي عرفت منافسة حادة في العاصمة المغربية، في حين فاز محمد عامر وزير الجاليات المغربية في الخارج، في دائرة فاس الشمالية، ومن الحزب نفسه فاز أحمد رضا الشامي زير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، في دائرة فاس الجنوبية. وعلى غرار لشكر واجه الوزيران عامر والشامي منافسة قوية في فاس.

ومن حزب الاستقلال فاز كريم غلاب وزير النقل والتجهيز في الدائرة الانتخابية بن مسيك بالدار البيضاء، كما فازت ياسمينة بادو وزيرة الصحة عن الدائرة الانتخابية الدار البيضاء أنفا، وواجه الوزيران الاستقلاليان منافسة قوية، مما أدى إلى أن يحتلا مراتب متأخرة في قائمة الفائزين.

وفاز محند العنصر وزير الدولة (نائب رئيس الحكومة) في الدائرة الانتخابية بولمان في منطقة الأطلس المتوسط، والعنصر هو الأمين العام لحزب الحركة الشعبية وقد فاز بسهولة في دائرته، كما فاز محمد أوزين الوزير في وزارة الخارجية، من حزب الحركة الشعبية في دائرة افران وحقق أوزين فوزا كاسحا في دائرته. وإضافة إلى هؤلاء الوزراء هناك وزيرة مترشحة في إطار اللائحة الوطنية للنساء، وهي نزهة الصقلي وزير الشؤون الاجتماعية والأسرة، وهي قيادية في حزب التقدم والاشتراكية.