مصادر عربية: اللوبي الإيراني في العراق ولبنان يضغط لدعم الأسد ويخشى اقتراب نهايته

المعارضة السورية تدعو للحسم وتحذر من إطالة أمد التفاوض مع النظام

تظاهرة في انخل بدرعا أمس تدعو الأسد لتسليم نفسه
TT

«مع الاحترام للعقوبات المفروضة على نظام بشار الأسد، إلا أنها غير كافية.. ومما لا شك فيه أن لإيران اليد الطولى في حماية هذا النظام»، هكذا يقول عماد حصري عضو المجلس الوطني السوري وعضو المكتب السياسي للجان التنسيق المحلية في سوريا. لكن ما يبعث على الأمل بالنسبة لحصري هو أن الرهان على وعي الشعوب، خاصة بعد أن بدأ رد اللبنانيين على موالاة حزب الله للأسد وإيران أيضا، بالابتعاد عن نظام بشار «لشعورهم أنه سوف يسقط»، وفقا لحصري.

قبل نحو عام من الآن قال مسؤول في وزارة الخارجية الإيرانية لـ«الشرق الأوسط» وهو يضع ساقا فوق ساق متباهيا في بهو فندق «هتل بين المللي لاله» بطهران، إن إيران ستكون قد فرضت هيمنتها على المنطقة العربية خلال خمس سنوات، بيد أن المسؤول عاد أمس وقال في بهو فندق ماريوت بالقاهرة، وهو يضع راحتي يديه بين ركبتيه كمن يشعر بالبرد، إن العقوبات العربية على سوريا «ظالمة، وتصب في مصلحة الصهيونية»، وبدا من حديثه أن الثورة السورية تعرقل مشروع الهيمنة الإيرانية الذي تحدث عنه بحماس الصيف قبل الماضي.

ووفقا لمصادر في الجامعة العربية وفي المعارضة السورية، يعتمد نظام بشار الأسد في توقي آثار العقوبات الاقتصادية والسياسية ومواصلة قمع معارضيه على اللوبي الإيراني في العراق ولبنان، لكن هذا اللوبي، وفقا للمصادر نفسها، يضغط لدعم الأسد من جانب، ويخشى كذلك اقتراب نهاية هذا النظام وخسارة الرهانات التي ألقاها على الطاولة من أجل بقائه.

وترى المعارضة السورية أن مزيدا من الضغط الحقيقي على الأسد يمكن أن يحسم القضية ويزيل هذا النظام «الطائفي الديكتاتوري»، وذلك من خلال عقوبات محددة ليست كتلك التي فرضتها الجامعة العربية وبعض الجهات الدولية. وبعث الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية أمس إلى النظام السوري، برسالة جديدة اشترط فيها توقيع بروتوكول بعثة مراقبي الجامعة إلى دمشق، قبل إعادة النظر في العقوبات التي سيجري بحث تنفيذها في اجتماعين بالقاهرة والدوحة خلال الأيام المقبلة.

وأصابت رسالة العربي الجديدة معارضين سوريين بخيبة الأمل والإحباط، معربين عن مخاوفهم من أن تكون هذه العقوبات مجرد «نظريات تدور في حلقة مفرغة»، داعية الجامعة العربية والمجتمع الدولي لحسم الموقف. وقال أحد المعارضين السوريين ممن شاركوا في لقاءات مع مسؤولين في الجامعة مؤخرا، في لهجة غاضبة: «كل هذه الأيام تمر والشهداء يتساقطون.. ولا شيء جديد غير اجتماعات ونظريات، بينما اللوبي الإيراني يعمل على الأرض في دعم النظام السوري».

وخلافا لما يلوح به بعض المكلفين في الجامعة العربية بحل المسألة السورية، بقولهم إن البديل عن الحل العربي هو التصعيد الدولي ما يمكن أن ينتج عنه تدخل عسكري، يتحدث المعارضون السوريون عن وجود أدوات للضغط لم يقترب منها أحد لا عربيا ولا دوليا. يقول حصري: «النظام السوري تأثر بما صدر من قرارات عن الجامعة، لكن أملنا ألا تعطي مهلة إضافية لهذا النظام لكي ينفذ عملية توقيع البروتوكول.. في رأيي أن هذه المهل الإضافية يدفع ثمنها الشعب السوري».

ومن ضمن العقوبات العربية منع المسؤولين السوريين من السفر، وهو إجراء قائم سلفا من قبل النظام السوري لأنه يخشى، كما يقول حصري، من انشقاق هؤلاء المسؤولين حال خروجهم من سوريا. ويضيف: «أعتقد أن النظام يعيش الآن في حالة ارتباك داخلية. لدينا معلومات أن هناك كثيرا من المسؤولين، على أعلى المستويات، ممنوعين من السفر للخارج، حتى قبل منعهم من السفر وفقا للقرارات العربية، وذلك خوفا من جانب النظام السوري من انشقاقهم عنه في الخارج».

ومن الخطأ على ما يبدو تصور أن الشارع السوري الرافض لحكم بشار يمكن أن تنطفئ شعلته بسبب عدم وجود حلول جذرية، أو بسبب كثرة المكاتبات بين الجامعة والأسد. ويوضح حصري، بعد رسالة العربي أمس، بقوله إن القرارات ضد نظام بشار «بدأت باقتراح بروتوكول (بعثة المراقبين)، واليوم يخرجون علينا بمهلة أخرى»، داعيا الجامعة العربية للتعامل مع الأمور «بشكل عملي لوقاية الشعب من مزيد من الدماء».

وحذر معارضون عدة مرات من إطالة أمد التفاوض مع النظام السوري، قائلين إن هذا يؤدي إلى تصاعد صوت المطالبين بحمل السلاح ضد الأسد. ويقول حصري: «عندما لا تجد أي مخرج فأنا لا ألوم الناس العاديين الذين يطالبون بالعنف أو بتدخل عسكري واضح، لأن كل أبواب الحلول حتى الآن أوصدت أمامهم وهم يبحثون عن أي ضوء للحياة، ولكن نحن كسياسيين علينا أن نتعامل مع الأمور بشكل آخر، علينا أن نقول إنه ما زال هناك الكثير الذي نقوم به من خلال الضغط الدبلوماسي والسياسي على الساحتين العربية والعالمية».

ويقول حصري عن الخيارات المطروحة التي لم تلجأ إليها الجامعة العربية أو المجتمع الدولي: تفعيل ملاحقة المسؤولين السوريين، وعلى رأسهم بشار الأسد في محكمة الجنايات الدولية، وكذا يمكن إصدار مذكرات توقيف بحق المسؤولين عن القتل في سوريا من محكمة الجنايات الدولية، وإلزام الحكومة السورية بإرسال مراقبين دوليين إلى المناطق المستعرة حاليا كحمص ودرعا وباقي المناطق.

ويتابع حصري موضحا أن قوائم المنع أو الملاحقة التي تم إصدارها من الاتحاد الأوروبي وأميركا كعقوبات اقتصادية ضد النظام «لا تتعدى الخمسين اسما من النظام، ونحن نعلم أن النظام يشارك الكثير من التجار ويشارك الكثير من أصحاب رؤوس الأموال الذين يجب أن يدخلوا ضمن العقوبات.. هذا يجب تفعيله بشكل أساسي»، مشيرا إلى أن أسماء الشخصيات التي لم تشملها أي عقوبات «معلومة، وتم إبلاغ أسمائهم إلى وسطائنا في الجامعة العربية، وهناك البعض منهم موجود داخل سوريا وآخرون خارجها».

ويتحرك المعارضون بين مقر الجامعة في القاهرة وبعض «مقرات الحل» الأخرى في الخليج وأوروبا أملا في إنقاذ السوريين من القتل اليومي المتزايد. وشارك أحد هؤلاء الأسبوع الماضي في بحث عدة نقاط حول العقوبات على الأسد مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، بصفته رئيس اللجنة العربية المختصة بالشأن السوري حاليا. وقال أمس من الفندق الذي يقيم فيه في العاصمة المصرية، طالبا عدم ذكر اسمه: «من الغريب أن يتسم حديث العرب بالليونة.. ما نراه أن الجامعة تستعطف الأسد ليوقع على البروتوكول، بينما إيران تساعد في بقاء النظام.. هذا مضيعة للوقت، لا بد من إجراء حاسم».

ويضيف هذا المعارض السوري مبديا دهشته من رسالة العربي الجديدة التي أرسلها لوزير الخارجية وليد المعلم: «لماذا يتم تجاهل الدور المالي لعشرات الشخصيات الاقتصادية التي لها شبكة علاقات معلومة وقوية في إيران والعراق ولبنان.. هذه شخصيات مؤثرة وتلعب دورا في مساعدة النظام ضد أي عقوبات اقتصادية وتعطي النظام القدرة على مقاومة أي عقوبات من هذا النوع».

ويقول المراقبون إنه إضافة للوبي الإيراني وتواضع التحرك العربي والدولي، هناك مواقف أخرى على رأسها الموقف الروسي والصيني، وكلها تعطي نظام الأسد الجرأة في التعالي والغطرسة بوجه الجامعة العربية وما يمكن أن تقوم به، حيث جدد النظام السوري أمس تحديه للجامعة والمجتمع الدولي، ساخرا ممن يقولون إن أيامه أصبحت معدودة. وأظهرت وسائل الإعلام السورية خروج ألوف في عدة محافظات لتأييد نظام بشار، حيث قالت على لسان وزير خارجيتها إن الجامعة أغلقت جميع النوافذ مع دمشق.

ويوضح حصري بقوله: «النظام فعلا وصل لحد من العجرفة وعدم ارتباطه بالواقع إلى درجة كبيرة، تذكرنا لما كان عليه القذافي قبيل سقوط طرابلس الغرب.. السبب هو الدعم اللامتناهي للأسد من قبل روسيا والصين وعدم الجدية من المجتمع الدولي».

لكن أخطر ما تقدمه المعارضة في هذا الشأن ويدعو إلى تحرك جاد، يتركز في مزاعم عن وجود عناصر عسكرية إيرانية تعمل على الأرض السورية ضد الشعب السوري. ويقول حصري بصفته عضو المجلس الوطني السوري وعضو المكتب السياسي للجان التنسيق المحلية في سوريا إن «هناك الكثير من شباب التنسيقيات الذين بعثوا لنا بصور لعناصر من الجيش الإيراني.. كما تم القبض على مجموعة من حزب الله»، مشيرا إلى أن «الدعم الإيراني للنظام السوري واضح وجلي في أكثر من مجال، منها الدعم الاقتصادي والمليارات التي يقوم بنقلها إلى النظام السوري لمساعدته على مقاومة الحصار الاقتصادي».

ومن المعروف أن النظام الإيراني يخضع هو الآخر لعقوبات اقتصادية دولية متصاعدة منذ سنوات، ما يعني صعوبة تحريك الأموال والدعم عبر البنوك، لكن حصري يوضح قائلا إن هناك قنوات لتحريك الأموال من خلال الحقائب الدبلوماسية ووساطات أخرى «حيث إن العلاقات الدبلوماسية بين طهران ودمشق لم تنقطع خاصة بعد ترميم الفجوة العراقية التي كانت موجودة (أيام حكم صدام حسين) بين إيران وسوريا».

وكان العراق سجل تحفظه على قرار العقوبات العربية، بينما سجل لبنان موقفه بقوله إنه ينأى بنفسه عن القرار كليا. ويضيف حصري قائلا في الحقيقة هناك الكثير جدا من الوسائل (الإيرانية) غير الشرعية بعد أن أصبح الميزان العراقي يميل إلى التوجهات الإيرانية بشأن سوريا، بسبب العمق الاستراتيجي السياسي الذي بنته إيران في العراق (بعد سقوط نظام صدام). لكن مصادر الجامعة العربية تشير إلى أن ضغوطا مورست على وزير الخارجية العراقي، هوشيار زيباري، خلال مباحثات الأسبوعين الأخيرين، ليعدل من موقف بلاده بشأن الموقف من النظام السوري.

كما يتحدث معارضون سوريون عن تراجع مكانة حزب الله إلى حد كبير في أوساط الشعب السوري بعد انحياز الحزب ودعمه للأسد. ويقول حصري: «مع احترامنا لدور الحزب المقاوم في جنوب لبنان، إلا أن لنا ملاحظاتنا على تركيبته الطائفية، وفي هذه اللحظة رجع هذا الحزب إلى مكانه الأول، والآن يدافع عن النظام السوري رغم أنه يرى القتل.. هناك دلالات على تورط الحزب مع النظام السوري، وهو متورط بالفعل في خطف 3 شخصيات من المعارضة السورية في لبنان، ولن أذكر أسماءهم لأننا نحاول حاليا الإفراج عنهم»، مشيرا إلى تزايد توجهات اللبنانيين نحو الرهان على الشعب السوري بدلا من نظام الأسد.