طلبة إيرانيون يشنون هجوما على السفارة البريطانية في طهران.. ويحتجزون رهائن مؤقتا

لندن تعرب عن غضبها الشديد.. وسلسلة إدانات دولية.. وإيران تضطر للاعتذار

حشود من المحتجين يقتحمون مبنى السفارة البريطانية في طهران (أ.ب)
TT

في مشهد أعاد إلى الأذهان حادث اقتحام السفارة الأميركية الشهير قبل 32 عاما على أيدي طلبة من قوات التعبئة الثورية (الباسيج) التابعة للحرس الثوري الإيراني في العاصمة طهران واحتجاز رهائن أميركيين مدة 444 يوما، وذلك في نوفمبر (تشرين الثاني) 1979 لدى اندلاع الثورة الإسلامية التي قادها آية الله الخميني، والذي انتهى بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين حتى يومنا هذا، اقتحم طلبة إيرانيون متشددون أمس مقر السفارة البريطانية في طهران واحتجزوا عددا من الرهائن لبعض الوقت قبل أن يتم الإفراج عنهم لاحقا، وذلك غداة إقرار مجلس الشورى الإيراني البرلمان قرار تخفيض العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المتحدة احتجاجا على سياسة بريطانيا «المعادية» لإيران والعقوبات الأخيرة التي فرضتها ضد الجمهورية الإسلامية. ووسط سلسلة من الإدانات الدولية للحادث اضطرت السلطات الإيرانية في آخر المطاف إلى الاعتذار.

ولم تبد عملية الاقتحام التي نفذها الطلبة الغاضبون «عفوية» إذ إنه سبقها تحذير أطلقه أحد النواب في مجلس الشورى الإسلامي من أن الإيرانيين قد يقتحمون السفارة البريطانية مثلما فعلوا في السفارة الأميركية.

وبدأت عملة الاقتحام التي بثها التلفزيون الإيراني على الهواء مباشرة عندما نظم نحو 200 - 300 طالب من جامعات أمير كبير وشريف الصناعية وطهران من المنتمين لقوات (الباسيج) احتجاجا أمام مقر السفارة بعد يوم من قرار مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) بخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وانتقاما لـ«استشهاد الدكتور مجيد شهرياري أستاذ الفيزياء النووية في جامعة الشهيد بهشتي» في الذكرى السنوية الأولى لمقتله الذي تتهم السلطات الإيرانية بريطانيا بالمشاركة في تنفيذه.

وسرعان ما خرجت الأمور عن نطاق السيطرة عندما سارع عدد من المحتجين إلى تسلق بوابة وجدران مبنى السفارة في شارع فردوسي بمنطقة «بستان قلهك» شمال العاصمة الإيرانية.

ودون أن تحرك الشرطة ساكنا أنزل نحو 50 متظاهرا العلم البريطاني من على باب السفارة ورفعوا علم الجمهورية الإسلامية، مرددين شعارات «الموت لأميركا» و«الموت لبريطانيا» والموت لمحور «الإرهاب الثلاثي أميركا وإسرائيل وبريطانيا»، و«أيها القائد نحن طوعا لأوامرك»، في إشارة إلى المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي.

وأحرقوا أعلاما بريطانية وأخرى أميركية وإسرائيلية. ولم يكتف المتظاهرون بذلك بل سارع آخرون لاقتحام مقر إداري صغير ملحق بمبنى السفارة، حيث اندفع العشرات منهم إلى داخله بعد أن حطموا زجاج المبنى وألقوا بالزجاجات الحارقة داخله ثم أخرجوا بعض الوثائق من الطابق الأول وأضرموا فيها النيران وسط ترديد شعار «الموت لبريطانيا». كما استولى الطلبة الإيرانيون على وثائق «التجسس وأخرى سرية» عثروا عليها داخل البناية وألقوا بها في الشارع، كما قاموا بإنزال صورة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية. وفي ظل تسارع الأحداث أضرم عدد منهم النيران في سيارة واحدة على الأقل من السيارات المتوقفة في مرأب السفارة وارتفعت سحب الدخان عاليا وأمكن مشاهدتها من الشوارع المحيطة بالسفارة.

وعندها حاولت عناصر الشرطة الإيرانية «على استحياء» ثني المتظاهرين عن المضي في اقتحام السفارة وحاولت تفريقهم، وأفادت المصادر الإيرانية أن الشرطة حاولت منع دخول مزيد من الطلبة إلى داخل السفارة. وفي محاولة للسيطرة على الوضع المحرج طالبت قوى الأمن الداخل الموجودة أمام السفارة بإنهاء تجمع المحتجين ودعت الطلاب إلى مغادرة المكان، كما وصل عمدة طهران إلى الموقع لـ«تهدئة الطلاب».

وأعلنت الشرطة أنها لن تسمح للعدد القليل من الطلاب الذين دخلوا السفارة بالخروج منها طالما لا يغادر الطلبة أماكنهم من أمام السفارة، ودعت الطلاب عبر مكبرات الصوت إلى مغادرة المكان لكي يخرج الذين هم ف داخل السفارة. وأعلنت الشرطة لاحقا أن التجمع قد انتهى إلا أن الطلاب واصلوا احتجاجاتهم وسط عمليات فر وكر مع قوات الأمن. وتصاعد الموقف عندما شارك مواطنون عاديون الطلاب المحتجين في فتح الباب الرئيسي للسفارة للدخول إليها مرة ثانية، إلا أن الشرطة حالت دون ذلك، وبلغ المشهد ذروته عندما اضطرت الشرطة الإيرانية إلى الاشتباك مع المحتجين وأطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريقهم. وقالت وكالة أنباء فارس الإيرانية المقربة من الحرس الثوري «جرح بعض الطلبة في السفارة وتحاول قوات الأمن إجبارهم على الخروج من السفارة. وجرح بعض أفراد قوات الأمن أيضا في الاشتباكات مع المحتجين».

وفي غضون ذلك، ساد غموض حول مصير موظفي السفارة، فحسب المصادر الإيرانية فإن الموظفين هربوا من الباب الخلفي لمبنى السفارة، غير أن وكالة أنباء مهر الإيرانية شبه الرسمية أفادت أن الطلبة الغاضبين قاموا باحتجاز عدد من الرهائن بينما أشارت وكالة أنباء ايرنا الإيرانية الرسمية إلى أن الطلاب يقومون «حاليا بحماية عدد من الرعايا الأجانب الموجودين ف بناية بستان قلهك».

وأوردت وكالة أنباء فارس المقربة من الحرس الثوري الإيراني لاحقا تمكن قوات الأمن من الإفراج عن ستة من موظفي السفارة احتجزهم الطلاب المتشددون لبعض الوقت.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن صافرات الإنذار دوت في مبنى السفارة البريطانية بعد اقتحامها، في وقت كان فيه أعضاء السفارة ومن بينهم السفير البريطاني لدى إيران دومنيك تشيلكوت في مقر السفارة. وامتنعت وزارة الخارجية البريطانية عن الحديث عن أنباء عن احتجاز عدد من الدبلوماسيين البريطانيين، حيث اكتفت بالتأكيد بأنها على اتصال بأعضاء السفارة في طهران وأنهم يتواصلون مع لندن بشكل مستمر.

وحاولت «الشرق الأوسط» الاتصال بالسفارة البريطانية ورفض موظف رد على الهاتف الإجابة عن استفسارات «الشرق الأوسط» مكتفيا بالقول إن «لدينا وضعا أمنيا هنا ولا يمكننا الرد حاليا».

وقامت السفارة البريطانية لدى طهران بتنفيذ خطة طوارئ فور اقتحامها، حيث إن هناك خططا مسبقة توضع احتياطا خشية من وقوع مثل هذه الحوادث. وساد جو من الصدمة والمفاجأة في وزارة الخارجية البريطانية أمس على أثر أخبار اقتحام السفارة، وسارع مسؤولون بريطانيون بالاتصال بقائم الأعمال الإيراني لدى لندن للتعبير عن «الغضب الكلي» و«عدم القبول الكلي» للاقتحام. وحثت وزارة الخارجية البريطانية جميع الرعايا البريطانيين في إيران على «البقاء داخل منازلهم وتجنب الظهور العلني».

ودعت الوزارة السلطات الإيرانية إلى التدخل واتخاذ «إجراءات عاجلة» من أجل إعادة الأمور إلى نطاق السيطرة والتأكد من سلامة الموظفين وأمن السفارة. وقال بيان اطلعت «الشرق الأوسط» عليه إن عددا من المتظاهرين تسللوا إلى مقر السفارة البريطانية وإن الأمر لم يخل من «التخريب». وذكر البيان الحكومة الإيرانية بالتزاماتها إزاء البعثات الدبلوماسية وفقا للقانون الدولي ومعاهدة جنيف.

وأثار حادث الاقتحام سلسلة من الإدانات الدولية، وشجب البيت الأبيض الحادث بأشد العبارات، ودعا الحكومة الإيرانية إلى إدانته أيضا. ومن جانبه قال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه في بيان إن فرنسا «تدين بحزم شديد» اقتحام حشد السفارة البريطانية في طهران «والتجاوزات غير المقبولة التي ارتكبت».

واستنكرت الحكومة الألمانية الاقتحام، ورأت أن اقتحام السفارة في منطقة «بستان قلهك» يؤثر على المدرسة الألمانية الموجودة في ذات المنطقة الواقعة شمالي العاصمة الإيرانية طهران. وقال متحدث «سنبحث هذا الأمر بأسرع ما يمكن مع الحكومة الإيرانية». كما شجبت إيطاليا الحادث.

وأمام إحراج دولي كبير وخشية الوقوع في طائلة إجراءات دولية جديدة ضدها، اضطرت إيران إلى الاعتذار عن حادث الاقتحام في وقت متأخر من مساء أمس. وذكر بيان حكومي أن «وزارة الخارجية تأسف للاحتجاجات التي أدت إلى بعض التصرفات غير المقبولة.. نحن نحترم اللوائح الدولية بشأن حصانة وسلامة الدبلوماسيين والأماكن الدبلوماسية ونلتزم بها».