تونس: سلفيون احتجزوا عميد كلية ونصبوا خيام الاعتصام في الجامعة

طالبوا بالسماح للمنقبات باجتياز الامتحانات وبيت للصلاة وفصل الذكور عن الإناث

طلبة يحملون زميلهم الجريح، بعد مواجهات بين طلبة جامعة منوبة للآداب والعلوم والإنسانيات وزملائهم من السلفيين الذين منعوهم من دخول قاعات الدرس (أ.ب)
TT

خلفت عملية اقتحام كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة (الضواحي الغربية للعاصمة التونسية) والحديث عن احتجاز عميد الكلية إلى ساعات متأخرة من ليلة الثلاثاء ردود فعل متعددة. ففي حين رأى شق من التونسيين أن في المسألة اعتداء على حرمة الجامعة التونسية و«اعتداء سافرا» على الجامعة والجامعيين، مثلما جاء في بيان لحركة التجديد بزعامة أحمد إبراهيم، اعتبر الشق المقابل أن المسألة سياسية مبنية على الآيديولوجيا في تواصل للصراع بين اليمين واليسار. وبينما التزمت كثير الأحزاب السياسية الصمت وخاصة الأحزاب الثلاثة المكونة للائتلاف الحكومي، بما في ذلك حركة النهضة، فإن أطرافا سياسية أخرى، وخاصة من الاتجاهات اليسارية وذات التوجه العلماني، استنكرت الأمر ودعت إلى محاسبة المعتدين على الفضاء الجامعي بصرامة.

وكانت مجموعة من الطلبة من مختلف الأجزاء الجامعية قد اعتصمت ببهو كلية منوبة مطالبة بالسماح للفتيات المنقبات بحضور الدروس الجامعية مرتديات للنقاب، وبفتح فضاء للصلاة بالكلية، ومنع الاختلاط بين الطلبة والطالبات، وألا يدرس الرجال للنساء، وألا تدرس امرأة للرجال. وتأتي كل هذه التحركات على خلفية منع إحدى الطالبات المنقبات من الدخول إلى الكلية خلال الأسبوع الماضي. وتحدثت أنباء عن دخول غرباء عن الكلية مع الطلبة والمشاركة في الاعتصام، في حين أكد المعتصمون أن من انضموا لهم هم طلبة من مؤسسات جامعية أخرى بضواحي العاصمة. كما تحدثت الأنباء عن احتجاز عميد الكلية طوال اليوم ولساعات من الليل بمكتبه، واتخاذه رهينة إلى حين الاستجابة لمطالب المعتصمين، إلا أن الطلبة المشاركين في الاعتصام داخل الكلية قالوا إن كل الإطار التربوي حر في تنقلاته ولم يقع احتجاز أي شخص في الكلية.

وحول الأحداث التي شهدتها الكلية قال الحبيب الكزدغلي، عميد كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة، لـ«الشرق الأوسط»: «إن مجموعة غريبة عن الكلية من الملتحين والسلفيين وضعت منذ الصباح حواجز أمام مدخل الكلية ومنعت الطلبة من الدخول، مما حال دون اجتياز امتحان كان مبرمجا. وقد جلب هؤلاء أغطية وقرروا الاعتصام في بهو إدارة الكلية، وبقوا هناك طوال الليل مطالبين بالتراجع عن القرار الذي اتخذه المجلس العلمي للكلية يوم 2 نوفمبر (تشرين الثاني)، الذي يقضي بمنع الموظفين والأساتذة والطلبة من ارتداء النقاب، وذلك لأسباب بيداغوجية». وأضاف أن لغة الحوار كانت مفقودة، وأن الأمور كانت تسير نحو الأسوأ، وأن الكلية لن تفرط في حقها.

وفي السياق ذاته، قال وسام عثمان المنسق العام لـ«لجنة الدفاع عن المحجبات في تونس» ورئيس «جمعية الشبان المسلمين بتونس»: «إن الاعتصام تم من أجل «حق المنقبات» في الدراسة واجتياز الامتحانات، ومن أجل حق الطلبة في بيت للصلاة». واعتبر أن رفض عميد الكلية قبولهم ورفض قبول المنقبات كان وراء التصعيد الحاصل على مستوى إحدى كبرى المؤسسات الجامعية في تونس. وقال وسام عثمان إن المنع الذي تم للمنقبات كان منعا سياسيا مبنيا على مواقف آيديولوجية وليس لأسباب علمية كما تم التسويق لها. وحول ما تم الإعلان عنه من احتجاز لعميد الكلية، قال المتحدث إن الاعتصام كان سلميا داخل بهو الإدارة ولم يتم احتجاز أي شخص من الأساتذة أو الإطار الإداري.

ومن ناحيته قال عز الدين زعتور، الأمين العام لاتحاد طلبة تونس، لـ«الشرق الأوسط»، إن العناصر التي دخلت كلية منوبة لا علاقة لها بالجامعة التونسية، وإن أعدادهم تزايدت بمرور الوقت، وبدأت بـ7 أنفار، ليصل العدد بسرعة إلى 35 شخصا، وارتفع مع نهاية المساء إلى نحو مائة شخص. وأضاف أنهم اعتصموا هناك وبقوا إلى حدود الساعة الثانية بعد منتصف الليل، حيث تم من خلال التفاوض معهم فض الاعتصام. وقال إن مظاهر التوتر لا تزال متوفرة في الكلية نفسها وببعض الأجزاء الجامعية الأخرى، معتبرا أن ما تم في كلية منوبة ليس الأول من نوعه، بل إن أجزاء جامعية أخرى عرفت المشكلات نفسها، من بينها سوسة وصفاقس في فترات سابقة.

وحول الدور المنتظر للمنظمة الطلابية في تأطير الطلبة والابتعاد عن الصراع الذي عاشته الجامعة التونسية نهاية عقد السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي، قال زعتور إن المسؤولية ملقاة بالأساس على عاتق الطلبة المطالبين بالدفاع عن حرمة الجامعة وقداستها. وأضاف أن من اقتحموا كلية منوبة يعرفهم الجميع من خلال مواقفهم المتطرفة، وعلى المؤسسة الجامعية أن تسعى إلى متابعتهم قضائيا حتى تعود إلى الجامعة هيبتها، على حد تعبيره.

ونفى عبد المجيد الحبيبي، رئيس المكتب التنفيذي لحزب التحرير (غير مرخص له)، أن يكون على صلة بما جد في كلية منوبة، واعتبر أن حزب التحرير بعيد كل البعد عن تيار السلفية. وقال إن التيار السلفي معروف كتيار ولم يرتق بعد إلى مرتبة التنظيم السياسي، ويقوده بالخصوص مجموعة من الشيوخ الذين يعتبرون مراجع دينية بالنسبة لهم، وهم يرون على سبيل المثال أن ارتداء النقاب مسألة دينية إجبارية لا لبس فيها، والحركة السلفية في تونس تضع نفسها في وضعية متناقضة مع بقية الحركات الإسلامية، وخاصة منها حركة النهضة الصاعدة حديثا إلى كرسي الحكم. واعتبر أن ما حدث في كلية منوبة لا علاقة لهم به، وأن أطرافا سياسية كثيرة تحاول اللعب بورقة السلفيين لتخويف المجتمع التونسي كما كان يفعل نظام بن علي مع المجتمع من خلال الإسلاميين.