عاصفة تهز «الانتقالي» الليبي بعد الإعلان عن الجناة في اغتيال عبد الفتاح يونس

إطلاق نار وفرحة عارمة لقبيلة العبيدات.. وعبد الجليل يبرئه من تهمة خيانة الثوار

TT

اندلعت أمس خلافات حادة بين رئيس وأعضاء المجلس الوطني الانتقالي الليبي على خلفية الكشف للمرة الأولى عن أسماء المتهمين في قضية اغتيال اللواء الراحل عبد الفتاح يونس الرئيس السابق لهيئة أركان الجيش الوطني الموالى للثوار ورفيقين له، على أيدي مسلحين في شهر يوليو ( تموز) الماضي.

وبعد أشهر من القضية التي مثلت تحديا خطيرا للثورة الشعبية ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافى، وشكلت أزمة حقيقية للمجلس الانتقالي الذي تعرض لضغوط من عائلة يونس وقبيلة العبيدات التي ينتمي إليها، أعلن المجلس مساء أول من أمس في مؤتمر صحافي عقده بمقره السابق في مدينة بنغازي أسماء المتهمين في القضية.

وفي ما يعتبر بمثابة رد اعتبار رسمي للواء يونس، أعلن المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي تبرئة يونس من تهمة خيانة الثوار والتجسس لصالح القذافي.

وقال عبد الجليل خلال مؤتمر صحافي عقده مساء أول من أمس برفقة المدعي العام العسكري الليبي يوسف الأصيفر ونائبه أحمد الفاخري، إن مواقف يونس المناصرة للثورة أكدتها مصادر مقربة من القذافي كانت قد وقعت في قبضة الثوار في شهر أكتوبر ( تشرين الأول) الماضي، مشيرا إلى أن كل المحاولات التي جرت لتشويه سمعة يونس لم تنجح لأنه لم يتخل عن تأييده لثورة السابع عشر من فبراير ( شباط) الماضي.

ووصف عبد الجليل مصرع يونس على أيدي مسلحين كانوا ينتمون إلى الثوار بأنه عمل طائش وغير مبرر لمن قاموا به.

وكان اللواء يونس نفسه قد نفى لـ«الشرق الأوسط» هاتفيا قبل مصرعه بساعات معدودة أن يكون قد أجرى أي اتصالات مع مبعوثين للقذافي، وهى التهمة التي أخذها البعض عليه وجرى على أساسها استدعاؤه من جبهة القتال المشتعلة آنذاك للمثول أمام تحقيق مثير للجدل من قبل أعضاء في المجلس الانتقالي.

وكشفت مصادر ليبية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن يونس اغتيل على خلفية مستندات مزورة تزعم قيامه بإجراء اتصالات مع نظام القذافى عبر مسؤولين عسكريين، كما اتهمه بعض الثوار بتعمد عدم التنسيق معهم وعدم توفيره العتاد العسكري المطلوب لمواجهة قوات القذافى سابقا.

وكشف المدعي العام العسكري الليبي ونائبه عن أسماء ستة مواطنين ليبيين هم يحيى عبد السلام الزوي، ومحمد بن عيسى، وأحمد علي منصور الجهانى، وسالم محمد علي العبيدي، وعلي عبد القادر زوبي، بالإضافة إلى شخص يدعى إبراهيم لم يتوافر اسمه بالكامل، قال إنهم جميعا متهمون بالقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.

لكن المفاجأة كانت في الإعلان أن الدكتور علي العيساوي نائب رئيس المكتب التنفيذي بالمجلس الانتقالي ومسؤول الشؤون الخارجية سابقا والمستشار جمعة حسن الجازوي العبيدي رئيس اللجنة المكلفة بالتحقيق مع يونس والقادة الميدانيين أحمد سالم بوختالة، وفرج ميلاد، وحسن البكوش، ومحمد فرج بن حميد، هم أيضا مشتركون في القضية نفسها وبالاتهامات نفسها.

وقال الأصيفر إن علي العيساوي مشتبه به رئيسي في القتل، لكن العيساوي استغرب هذه الاتهامات، وقال إنه سيلجأ للقانون لتبرئة سمعته، نافيا في مكالمة هاتفية مع محطة تلفزيونية ليبية محلية أي دور له في مقتل اللواء يونس وقال إنه لم يوقع أبدا أي قرار يتعلق بيونس.

وقال العيساوي إنه كان من أوائل المطالبين بالكشف عن المتورطين في هذه القضية، مشيرا إلى أنه التقى عدة مرات مع رئيس المجلس الانتقالي لكشف كل الحقائق أمام الرأي العام الليبي، وأضاف: «أدعو كل الليبيين إلى إنصافي وإلى إنصاف كل متهم بريء في هذه القضية، لم أكن على علم بقرار المجلس وأنا مندهش مما يحدث».

وكان العيساوي قد سرب مذكرة قدمها قبل عدة أسابيع إلى أعضاء المجلس الانتقالي يلمح فيها إلى مسؤولية مصطفى عبد الجليل عن اغتيال يونس، مشيرا إلى أن عبد الجليل وقع على مذكرة لجلب يونس للتحقيق وأمر باعتقاله.

وبدا أن الكشف عن القضية التي تمت إحالتها إلى المحكمة العسكرية العليا في ليبيا محاولة أخيرة من المجلس الانتقالي ورئيسه لاحتواء غضب وتذمر عائلة يونس وقبيلته العبيدات.

وتحدث عبد الجليل عما وصفه بحكمة هذه القبيلة في التعامل مع ملف اغتيال يونس حفاظا على استمرار الثورة ضد نظام القذافى ولتفادي حدوث أي انتكاسة لها.

لكن عبد الجليل سعى أيضا لاستباق أي عمليات انتقام محتملة ضد المتهمين في القضية، حيث دعا الشعب الليبي إلى التسامح والعفو وإلى التحلي بالصبر وضبط النفس والركون إلى القانون وتقديم المتهمين للمحاكمة العادلة.

ومثلت القضية جدلا إعلاميا وسياسيا في الشارع الليبي وسط اتهامات متبادلة بين أعضاء المجلس الانتقالي حول المسؤولية الحقيقية عن مصرع يونس.

وفاجأ المستشار عبد الجليل الليبيين بنزعه الشرعية عن قناة «ليبيا الأحرار» الفضائية التي تبث من العاصمة القطرية الدوحة ويشرف عليها الإعلامي الليبي البارز محمود شمام.

وقال عبد الجليل في مداخلة مع قناة محلية أخرى عبر الهاتف إن هذه القناة التي كان يعتقد أنها الناطق الرسمي باسم المجلس الانتقالي تعمل ضد المجلس وضد مصالح الشعب الليبي، متهما القناة نفسها بتعمد إغفال بقية أسماء المتهمين في قضية يونس حتى يشار بأصابع الاتهام إلى العيساوي فقط.

وفور انتهاء المؤتمر الصحافي للمجلس الانتقالي، أطلق أنصار يونس وأفراد من عائلته وقبليته النار في الهواء ببنغازي أمام فندق «تيبستي»، تعبيرا عن سعادتهم بقرار المجلس، علما بأن قبيلة العبيدات اعترضت في السابق على ما وصفته بتباطؤ المجلس الانتقالي في إنهاء القضية، ودخل أفرادها في اعتصام مفتوح اعتبارا من يوم الجمعة الماضي للمطالبة بإعلان أسماء الجناة ومحاكمتهم.

وقالت القبيلة في بيان لها إنها امتنعت عن الخوض في تفاصيل القضية حتى لا تؤثر بالسلب على الثورة ضد القذافى، معتبرة أن المجلس الانتقالي قد تراخى في التحقيق، ولفتت إلى أن بعض أعضاء المكتب التنفيذي المدانين في الشق الإداري يمارسون أعمالهم، ويثيرون استفزازا، ومشاعر الشعب وعائلة يونس. كما هددت القبيلة باستخدام القوة والسلاح، وملاحقة الجناة بالإضافة إلى إحالة ملف القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية بدعم دول أوروبية وأميركا.

وأعلن فوزي بوكتف رئيس تجمع سرايا الثوار التابع لوزارة الدفاع الليبية في تصريحات له أمس أنه سيقدم دعوى قضائية ضد كل من يتهمه بقتل يونس.