الزهار: المصالحة لن تتم لأن عباس غير جاد في تحقيقها

قال لـ «الشرق الأوسط» إنه يمارس دوره كعضو في المكتب السياسي للحركة

د. محمود الزهار
TT

كان لافتا بشكل خاص الموقف الذي عبر عنه الدكتور محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحركة حماس من المصالحة الفلسطينية عقب اللقاء الذي جمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في القاهرة يوم الخميس الماضي. ففي الوقت الذي أبدى قادة الحركتين تفاؤلهم بتحقيق المصالحة، كان الزهار يشكك في تحقيق هذا الهدف، ويشدد على أن ما جرى في الواقع هو تأجيل للمصالحة.

ونفى الزهار أن تكون عضويته في المكتب السياسي لحماس قد جمدت حسبما ذكرت «الشرق الأوسط» في عددها ليوم الأحد نقلا عن مصادر فلسطينية موثوقة، بسبب انتقاداته العلنية لموقف مشعل بشأن قبول دولة بحدود عام 1967 وكذلك ما صرح به حول إعطاء المفاوضات مع إسرائيل فرصة أخرى، وذلك في الخطاب الذي ألقاه في حفل توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة في مايو (أيار).

وأجرت «الشرق الأوسط» مع الزهار حوارا حول موقفه من المصالحة والدوافع الذي تحرك هذا الموقف، وتصوره لمستقبل حركته والحركات الإسلامية في ظل الربيع العربي وقضايا أخرى عديدة.

* ما مستقبل المصالحة بعد لقاء عباس - مشعل؟

- لن تتحقق المصالحة، لأن كل ما يعني عباس تأجيلها وليس تحقيقها

* ما دليلك على هذا؟

- عباس غير جاد لأنه يطالب بتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في مايو المقبل، مع العلم أن الحكومة يفترض أن تشكل في يناير (كانون الثاني) أو فبراير (شباط)، فكيف سيكون بوسع هذه الحكومة تنظيم انتخابات، وتوفير الأمن اللازم لذلك. ثم ماذا سيكون مصير ملفات المصالحة الأخرى، وهي ملفات شائكة. لن تكون مصالحة لأن أبو مازن غير مستعد بعد للوفاء بمتطلبات المصالحة.

* لكن المسؤولون في حماس وفتح يتحدثون عن طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الجانبين.

- أي صفحة جديدة، عمليات الاعتقال السياسي تتواصل، التعاون الأمني على أشده، تعقب المقاومين، والحيلولة دون تحركهم ضد الاحتلال (الإسرائيلي)، بالإضافة للتشبث بالمواقف المسبقة، هل بعد كل هذا يمكن الحديث عن صفحة جديدة.

* ما هي في رأيك العوائق التي تحول دون تحقيق المصالحة؟

- العائق الرئيسي يتمثل في رهان عباس على المحور الإسرائيلي - الأميركي، والارتباط بالعجلة الأميركية يجعل من الصعب على عباس التوجه بشكل جاد وصادق نحو المصالحة. هناك فيتو أميركي إسرائيلي على المصالحة، ولذلك سيكون هناك المزيد من الذرائع للتملص من إنهاء حالة الانقسام الداخلي.

* لكن العلاقات ساءت بين إسرائيل وعباس في الآونة الأخيرة..

- إذن لماذا تراجع (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو عن قراره بتجميد عوائد الضرائب؟. هذا لأن هناك توافقا بين الجانبين على الكثير من الأمور، إسرائيل مرتاحة تماما لما تقوم به حكومة السلطة وأجهزتها الأمنية، وبالتالي الضجيج الذي يثار في بعض الأحيان لا يعدو كونه تضليلا للتغطية على الواقع الحقيقي.

* هل هناك علاقة بين انتقادك للمصالحة وما نشرته بعض وسائل الإعلام عن تجميد عملك التنظيمي؟

- هذه كذبة كبيرة، هذا محض افتراء، لم يحدث هذا قط، أنا أمارس عملي التنظيمي بشكل معتاد. أن تكون لي ملاحظات حول ما يجري، هذا أمر طبيعي، ليس بالضرورة أن يكون هناك تطابق تام في وجهات النظر بين الجميع. يدور الحديث عن جدل جدي تحركه دوافع موضوعية وليس دوافع واعتبارات شخصية. للأسف أحد الصحافيين الذين لم أقم بالرد على اتصالاته قام بفبركة هذا الخبر ونسبه إلى مصادر غير موثوقة، هذا كل ما في الأمر. كنت وسأبقى عضوا في المكتب السياسي للحركة، وهذا أمر طبيعي.

* هل ستشارك في جلسة الحوار القادمة؟

- من الممكن أن أشارك بعد إطلاعي على جدول أعمال اللقاءات، وإن كان الأمر جادا فسأشارك، وعلى كل الأحوال سأواصل التعبير عن رأيي في الدوائر الشورية داخل الحركة.

* متى تتحقق المصالحة؟

- الوطن العربي يشهد تحولات كبيرة وهائلة، وهذه التحولات تسفر عن مشهد لا تخطئه العين، والواقع الجديد سيقنع المراهنين على سطوة إسرائيل وأميركا أن رهاناتهم في غير محلها. لم يتفجر الانقسام بسبب خلافات تنظيمية، بل بسبب تفاوت برامج سياسية، وما يحدث في الوطن العربي يعزز كفة كل المتمسكين بالمقاومة والثبات على الحقوق. لذا فإن الانقسام الفلسطيني سيتلاشى مع صعود قوى المقاومة في الوطن العربي.

* تقصد أن النجاحات التي حققها الإسلاميون بعد تفجر ثورات التحول الديمقراطي في الوطن العربي ستعزز مكانة حماس في الساحة الفلسطينية؟

- ليس دقيقا، لن تعزز حماس فقط، بل كل من يتشبث بثوابت الأمة وحقها في التحرر والإفلات من التبعية للغرب. ما يحدث في الوطن العربي هو تطور طبيعي وليس شاذا. لقد عاشت هذه المنطقة 1400 عام في ظل الإسلام، ثم تعاقب على حكمها قوى تتبنى أفكارا شتى، وقد أعطيت هذه القوى كل الوقت لتضع برامجها موضع الاختبار، لكنها فشلت فشلا ذريعا، لذلك من الطبيعي أن يعود الناس لخيار الإسلام، لكي يضمن لهذه الأمة كرامتها، ولكي يتم القطع مع حقبة مظلمة في تاريخ أمتنا. ما يحدث حاليا هو تصحيح لمسار التاريخ ويأتي في السياق الطبيعي لتطورات الأمور. لقد آن الأوان لكي يتم إخراج الطفيليات التي أصابت جسم هذه الأمة بالوهن، وهذا الذي تعكسه عودة الشعوب لخياراتها الأصيلة.

* الإسرائيليون يثيرون المخاوف من أن فوز الإسلاميين في البلدان العربية يخلق حولها ما تسميه «الطوق السني»، وضمنه حركة حماس..

- مواجهة إسرائيل لا تتوقف على أهل السنة، بل يشارك فيها أهل هذه المنطقة الأصليون بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والمذهبية والعرقية، ففي هذه المواجهة يشترك المسلمون والمسيحيون والسنة والشيعة، والعرب والأكراد والأتراك والأمازيغ، وكل من ينتمي إلى هذه الهوية، وهؤلاء يواجهون إسرائيل لأنها تمثل الطرف المحتل المغتصب. التركيز على انتماء مذهبي محدد يخدم الدعاية الإسرائيلية ويبعث على شق الصف والفرقة، وهذا ما يتوجب الحذر منه والتحوط له. لكن على كل الأحوال من حق إسرائيل أن تقلق لأن العرب لن يسلموا بتواصل هذا الحال، وسيتم وضع حد لهذا الأمر.

* كيف تقيم انفتاح العالم على حركة حماس بعد خمس سنوات على وصولها للحكم؟

- هناك تقدم حقيقي في مواقف بعض الدول الأوروبية، وهي تجري اتصالات مع الحركة ومع بقية الحركات الإسلامية لأنها دول واقعية وتحاول خدمة مصالحها من خلال التعامل مع الطرف الذي يحظى بالحضور الشعبي، في حين أن بعض الدول الأوروبية تربط تحركها بالبوصلة الأميركية، ونحن متأكدون أن الجميع سيضطرون للاعتراف بالواقع العربي والإسلامي المتبلور.

* كيف سيستفيد الفلسطينيون من الربيع العربي؟

- يكفي أن تنتبه إلى ما حدث في أعقاب عملية إيلات (قبل بضعة أشهر وقتل فيها عدد من الإسرائيليين) عندما قررت إسرائيل شن حملة حربية على قطاع غزة، لكنها تراجعت في آخر لحظة بعدما جاء رد فعل الشارع المصري الذي اقتحم السفارة الإسرائيلية في القاهرة. لقد أرسل هذا الحدث بشكل خاص، رسالة واضحة للصهاينة بأنه لن يكون بالإمكان الإنفراد بالشعب الفلسطيني ومقاومته، هناك عمق عربي سيحضن المقاومة الفلسطينية وسيدافع عنها، وهذا ما عبر عنه قادة الصهاينة، وهذا السبب وراء حساسية إسرائيل تجاه الربيع العربي، فالصهاينة يدركون أن قدرتهم على مواصلة القمع ضد الفلسطينيين تتراجع إلى حد كبير، لذا فهم يعيشون حالة من الإرباك الواضح. وأهم تطور سيستفيد منه الفلسطينيون والعرب هو تضعضع مكانة الولايات المتحدة وتراجعها.

* هل حقا سيؤدي الربيع العربي إلى تراجع مكانة أميركا العالمية؟

- بكل تأكيد الربيع العربي يؤذن بتراجع وانحسار الفكرة الإمبريالية برمتها. لاحظ أن العراق غزي واحتلت أفغانستان لتأمن جانبها، لكنها توشك على مغادرتها، تاركة وراءها بلدا أكثر عداء لأميركا ومصالحها، وهذه حربها ضد ما تسميه بالإرهاب قد أدت إلى تدهور علاقاتها مع باكستان، لقد احتلت أميركا العراق ليكون عونا لها على تحقيق مصالحها، وها هو العراق يتحول إلى عدو للولايات المتحدة ومصالحها. أميركا تعيش مرحلة الأفول.