«حماه المحاصرة».. أزمة إنسانية ومدارس تحولت إلى معتقلات

ناشط لـ «الشرق الأوسط»: أصدقاؤنا المعتقلون أجبروا على الاعتراف بأنهم إرهابيون

TT

منذ 31 يوليو (تموز) الماضي، اليوم الذي اجتاحت فيه القوات النظامية السورية حماه بالدبابات بعد مرور شهر على حصارها، بدأت الأوضاع الإنسانية في المدينة السورية تتدهور تدريجيا لتتحول اليوم إلى «مأساوية في ظل انقطاع المواد الأساسية للتدفئة وتجهيز الطعام وهي المازوت والغاز»، كما يقول الناشطون.

و«المازوت في شتاء سوريا مادة أساسية في حياة المواطنين، لا تقل أهمية عن الماء. لكن اليوم أصبح الحصول عليه شبه مستحيل في ظل تحويله إلى الجيش السوري وللآليات العسكرية».. بحسب الناشط السوري وعضو تنسيقية حماه الذي يعرف عن نفسه باسم أبو غازي الحموي. وفي حين يلفت أبو غازي إلى أن أسعار المواد الغذائية ولا سيما الخضار والفاكهة منها انخفضت ولم ترتفع، فإن الإقبال على شرائها بات ضعيفا جدا نظرا إلى عدم توافر الغاز والمازوت لطبخ الطعام، إضافة طبعا إلى الأوضاع المادية الصعبة التي يعيشها المواطنون. وبالتالي باتت وجبات الحمويين محصورة في الأجبان والألبان والزعتر وبعض أنواع المؤونة وكل ما لا يحتاج إلى الطبخ، مع العلم أن الطبخ «أصبح عملية جماعية تعتمدها العائلات في الأحياء الحموية، فمجرد أن تصل قنينة غاز إلى أي بيت يحتفل بها كأي هدية ثمينة، ويتحول هذا البيت إلى مقر لتجمع النساء اللواتي يحضرن للفوز بـ(طبخة) تسد رمق أطفالهن».

ومن المعروف أن مدينة حماه من «أشرس» المدن السورية التي تشارك في الثورة من خلال المظاهرات والتحركات الشعبية، وتحولت «ساحة العاصي» في وسط المدينة إلى ما يشبه «ميدان التحرير» المصري، مقرا للمتظاهرين رغم المحاولات الدائمة التي يقوم بها النظام لإقفال الطرقات المؤدية إليها.

ويشير أبو غازي إلى أنه بعد اجتياح حماه في 31 يوليو، شهدت المدينة نزوحا ملحوظا باتجاه ريف حماه وحلب. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لكن دائما يصطدم النازحون عند مدخل مدينة حلب، بحواجز الشبيحة الذين يمنعونهم من الدخول بمجرد معرفة أنهم من حماه، وإذا ما تكرموا عليهم بالدخول فيكون ذلك بعد تلقيهم مبلغا من المال. والعائق الآخر الذي يواجهه السوريون الهاربون أيضا إلى حلب هو ارتفاع أسعار الفنادق الجنوني الذي لا يستطيع تحمله إلا الأغنياء، الأمر الذي جعل سكن مدينة حماه اليوم يقتصر على العائلات الفقيرة التي تواجه الحصار وأزمة الغاز والمازوت». ويلفت أبو غازي إلى أن الموظفين في حماه، ومعظمهم يعملون في القطاع العام، يعانون أيضا من تأخير وصول رواتبهم التي يتقاضونها في أحيان كثيرة بالتقسيط وعلى دفعات.

وعن كيفية تحركات الناشطين الذين يتجندون لتسيير الحراك الشعبي والمظاهرات في المدينة، يلفت أبو غازي إلى اعتقال عدد كبير منهم فيما نجح آخرون ملاحقون من النظام في الهروب إلى خارج سوريا. ويؤكد أن «عددا من أصدقائنا الناشطين المعتقلين ظهروا على التلفزيون السوري وأجبروا على الاعتراف بأنهم إرهابيون، ومنهم، هادي زريق وعمار النجار الذي وصلنا أخيرا إلى خبر بأنه قد يكون تمت تصفيته، مع العلم أن الاعترافات التي أدلى بها النجار، وهي مدعاة للسخرية والضحك، ارتكزت على أنه عندما خرج أهل حماه في المظاهرات كان الإرهابيون يعطونهم ساندويتشات كباب مدعمة بحبوب هلوسة وملفوفة بمبلغ 500 ليرة سورية».

وللطلاب دورهم أيضا في التحركات في حماه، فهم الذين شاركوا بل كانوا رأس حربة مظاهرة، منذ 4 أشهر، حملت عنوان «لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس». وفي هذا الإطار، يؤكد أبو غازي أن «عددا من المدارس في حماه أقفلت أبوابها بعد 31 يوليو، وتحولت إلى معتقلات، وأبرزها مدرسة (ناصح علواني) التي يمارس فيها كل أنواع التعذيب بحق المعتقلين الذين يسمع أبناء المنطقة صراخهم وأصواتهم طوال ساعات الليل».

وهذا ما يؤكده أيضا لـ«الشرق الأوسط» أبو خالد، أحد الناشطين الفاعلين على «أرض الثورة الحموية» الذي كان قد فتح بيته لاستقبال الصحافيين الأجانب قبل أن يتمكن من الهرب إلى خارج سوريا بعدما تعرض إلى الملاحقة من النظام، الأمر الذي أثر سلبا على أهله الموجودين في سوريا والمشردين خارج بلدتهم، فهم لم يتمكنوا منذ 4 أشهر من العودة إلى منزلهم في حماه، ويقول «أسماء الناشطين المطلوبين توزع على الحواجز في كل مناطق وأحياء حماه، لكن قد تختلف هذه الأسماء بين حاجز وآخر بحسب فرع الأمن الذي ينتمي إليه، وهي تتوزع بين الأمن السياسي والأمن العسكري والأمن الجوي وأمن الدولة. ولكي نتمكن من التحرك داخل المنطقة، كنا نعتمد على شباب آخرين تكون مهمتهم مسايرة العناصر الموجودة على الحواجز وتقديم الطعام لهم، حتى يعرفوا لائحة الأسماء التي يحملونها ونتمكن بعدها من أخذ الحيطة والحذر وتفادي المرور على تلك التي تكون أسماؤنا موجودة عليها».

وينشط في حماه بحسب أبو غازي، تكتلان أساسيان، يعملان على خط الثورة السورية، وهما «أحرار حماه» و«أحرار مدينة حماه»، إضافة إلى تجمعات صغيرة أخرى «ولكنها اندمجت كلها أخيرا تحت راية حموية واحدة وهي (كتلة أحرار حماه) التي يتولى أعضاؤها تنسيق تحركات الثورة والمظاهرات في حماه من الألف إلى الياء ونقل أخبارها وتصويرها والتواصل مع الإعلام، إضافة إلى مساعدة المواطنين». ويذكر أبو غازي الناشط الحموي الشاب فيصل عدي، الذي لعب دورا أساسيا في الثورة الحموية منذ بداية التحركات وفتح بيته ومحله للتحضير لها، وهو من كان وراء «العلم البشري» الذي رسمه المتظاهرون يوم مظاهرة «جمعة أحفاد خالد» في 22 يوليو، لكن شبيحة النظام كانوا له بالمرصاد فقتلوه كما قتلوا غيره يوم اجتياح حماه في 31 يوليو.