زهراء.. طفلة من الفلوجة ولدت مشوهة لكنها لا تكف عن الابتسام

واحدة من عشرات ضحايا التشوه الخلقي الذي يعزوه البعض لعمليات الجيش الأميركي

الطفلة زهراء مع والدها محمد مجيد حميد (واشنطن بوست)
TT

زهراء طفلة في السادسة من العمر تبتسم على الدوام، لكنها لا تمشي ولا تتحدث، ولدت بست أصابع في كلتا يديها وقدميها. ويحمد والدها الله أنها لم تولد برأسين. ويقسم محمد مجيد حميد أنه رأى طفلة برأسين في الفلوجة، التي يطلق عليها السكان «المدينة الملوثة»، نظرا للنسبة الكبيرة من العيوب الخلقية التي ظهرت فيها خلال السنوات الأخيرة.

ويعزو السكان هذه العيوب الخلقية إلى استخدام الجيش الأميركي للفسفور الأبيض وأسلحة أخرى في معارك بغيضة مع المتمردين في عام 2004، على الرغم من أنه لم يتم تحديد السبب بصورة رسمية. ويرى المواطنون هنا أن الحرب أنشبت أظفارها في أجساد المتفرجين عليها، فقد أصابت جيلا، بينما أصبح جيل أخر يتردد إزاء إنشاء أسرة أو إنجاب المزيد من الأطفال.

وكان حميد (34 عاما)، متزوجا حديثا خلال معارك الفلوجة. وهو يعيش مع زوجته في جزء صناعي من المدينة يقوم على صناعة الآلات. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2004، تعرض منزل حميد للقصف والحرق. وكانت زوجته حاملا في ابنته زهراء. وهم يتذكرون المجسات اللامعة من الفسفور الأبيض التي سقطت كالمطر على أسقف البيوت لتقدم غطاء للقوات المتقدمة. وبعد وقف إطلاق النار، قضت زوجة حميد عشرة أيام في الولادة.

وبعد ولادة زهراء، أنجبوا طفلين آخرين: طفلة عام 2007، ماتت قبل ثلاثة أشهر بسبب مرض في الدم، وولد عام 2009، مات بعد 30 يوما من ولادته بجمجمة غير مكتملة.

وتشير سميرة العاني، طبيبة أطفال كانت قد شاركت في كتابة دراسة في ديسمبر (كانون الأول) 2010 عن العيوب الخلقية وقد نشرت هذه الدراسة في «المجلة الدولية لأبحاث البيئة والصحة العامة» إلى أن 15% من الأطفال المولودين في الفلوجة لديهم نوع ما من العيوب الخلقية على الرغم من أن المعدل العالمي ستة في المائة.

وقال الميجور كريس بيرين، المتحدث باسم وزارة الدفاع، في رسالة له عبر البريد الإلكتروني: «لم يؤكد مسؤولون عراقيون أو مؤسسات ادعاءات عن زيادة نسبة التشوهات الخلقية في الفلوجة بسبب استخدام أسلحة عسكرية».

وبغض النظر عن السبب، تصر الدكتورة سميرة العاني على أن هذه الأزمة من صنع الإنسان وتفوق التجهيزات الطبية الضئيلة في المدينة متسببة في إعادة تشكيل المجتمع. وقالت «تحدث صراعات بين الآباء والأمهات بسبب هذا الخوف، والبعض يقرر عدم إنجاب طفل في المستقبل على الإطلاق. إحدى هذه الحالات هو أخي، حيث كانت زوجته قد أنجبت طفلا قبل 18 شهرا، توفي بعد ثلاثة أيام من ولادته بسبب عيب خلقي في الرئة. ثم أنجبوا هذا العام طفلا مصاب بمتلازمة داون. وسوف يؤثر هذا عليهم بقية حياتهم».

ويعمل حميد بأجر يومي وذكر أنه يمر أسبوع أحيانا دون أن يجد عملا. وقد استنزفت المشكلات الصحية لزهراء كل الأموال التي توافرت لديه، كما أن العراق يفتقر إلى نظم دعم اجتماعية وطبية للعناية بطفل معاق. وبحسب حميد الذي كان في السادسة عشرة من عمره إبان الغزو الأميركي «لقد كنا نشعر بالتفاؤل عندما جاء الأميركيون، وكان هناك الكثير من الشباب الذين حلموا بمستقبل أفضل، لكنهم بدلوا جميع الأشياء الحلوة في الحياة لتصبح مرة المذاق».

وعندما ترى زهراء بنات الجيران وهن عائدات من المدرسة إلى المنزل، تتلوى كما لو أنها تحاول أن ترقص. ويعتقد والدها أنها تذكرت مقطع فيديو موسيقيا لأغنية شعبية عراقية تم تصويرها في مدرسة وتعرض باستمرار على شاشة التلفزيون. وذكر أنه يشعر بالسعادة عندما يرى ابتسامتها، رغم شعوره بالحزن لأنها لن تكون إحدى تلك الفتيات يوما ما.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»