بريطانيا تطرد طاقم السفارة الإيرانية في لندن.. وتغلق سفارتها في طهران

النرويج وألمانيا تتخذان إجراءات.. وإغلاق المدارس البريطانية والفرنسية والألمانية في طهران

عناصر من الشرطة البريطانية يقفون أمام السفارة الإيرانية في لندن أمس (أ.ب)
TT

خطت بريطانيا خطوة تصعيدية جديدة تجاه إيران، بتقليص علاقاتها الدبلوماسية معها إلى أدنى حد، بعد حادثة اقتحام قوات تابعة للباسيج أول من أمس مقر السفارة البريطانية في طهران، وتدمير محتوياتها. وقررت لندن أمس إغلاق السفارة الإيرانية على أراضيها، وإمهال طاقمها الدبلوماسي 48 ساعة لمغادرة البلاد، فيما أغلقت سفارتها في طهران، وأجلت دبلوماسييها، لكنها لم تقطع العلاقات. واتخذت دول أوروبية أخرى إجراءات في هذا الاتجاه، فأغلقت النرويج سفارتها، واستدعت ألمانيا سفيرها في طهران للتشاور، فيما تم إغلاق المدارس الألمانية والإنجليزية والفرنسية في إيران كإجراء احترازي.

وهاجم مئات من قوات الباسيج التابعة للحرس الثوري الإيراني مبنى السفارة البريطانية في طهران، واحتجزوا عددا من الموظفين قبل أن يطلقوا سراحهم لاحقا، في مشهد أعاد إلى الأذهان حادث اقتحام السفارة الأميركية الشهير على أيدي «الباسيج» في نوفمبر (تشرين الثاني) 1979 لدى اندلاع الثورة الإيرانية. وقام المحتجون بتحطيم النوافذ، وإلقاء قنابل حارقة، وإنزال العلم البريطاني من على باب السفارة ورفعوا علم إيران مكانه، قبل أن يعبثوا بمحتويات السفارة، فمزقوا الوثائق، وقاموا بإنزال صورة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، فيما كانت الشرطة تراقب الموقف وغطى التلفزيون الرسمي تحركهم مباشرة. ويطالب المتظاهرون بإجلاء البعثة البريطانية ردا على العقوبات الجديدة التي أقرتها لندن الأسبوع الماضي ضد إيران بسبب برنامجها النووي المثير للجدل.

وقال وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ، في البرلمان البريطاني أمس، إن بلاده طلبت من إيران إغلاق سفارتها في لندن في غضون 48 ساعة. وأضاف أن بريطانيا أغلقت سفارتها في طهران وأجلت جميع العاملين بها. وقال هيغ أمام النواب إن الهجوم ما كان ليقع «لولا موافقة ما» من النظام الإيراني.. «لقد قررنا إخلاء جميع موظفينا»، موضحا أن «آخر الموظفين غادر إيران». وتابع القول إن «القائم بالأعمال الإيراني في لندن يجري إبلاغه بأننا نطلب غلق سفارة إيران في لندن على الفور، وأنه على أعضاء البعثة الدبلوماسية الإيرانية مغادرة المملكة المتحدة في غضون 48 ساعة». وأكد هيغ أن دولة فشلت في حماية الدبلوماسيين كما ينبغي بموجب اتفاقية فيينا لا يمكن أن تتوقع أن تستضيف بريطانيا دبلوماسييها. وشدد على أن الخطوة لا تمثل «قطيعة للعلاقات الدبلوماسية بشكل كامل»، لكن «خفضها إلى أدنى مستوى» ممكن. وأضاف أن «الأمر هو أن السلطات الإيرانية لم تتمكن من حماية سفارتنا، أو أن هذا الهجوم لم يكن ليقع لولا موافقة إلى حد ما من النظام».

وقال الوزير البريطاني، إنه مع أن علاقات إيران مع بريطانيا وغيرها من الدول الغربية «متوترة» فإنه «لا يوجد مبرر لـ(الانتهاك الخطير) لاتفاقية فيينا التي تنظم العلاقات الدبلوماسية». وأعرب عن شكره للأمم المتحدة والولايات المتحدة وغيرها من الدول التي أعربت عن تأييدها لبريطانيا بعد الحادث. وأشار هيغ إلى أن موقف تركيا كان مفيدا بشكل خاص.

وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون هدد في وقت سابق إيران بـ«إجراءات بالغة الشدة» إثر الهجوم «المشين» على سفارة بريطانيا من قبل متظاهرين. وأثار الهجوم موجة تنديد دولي. وندد مجلس الأمن الدولي به «بأشد العبارات»، في حين عبرت طهران «عن الأسف». وقال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية إن «رئيس الوزراء ووزير الخارجية أوضحا جليا أن سلامة طاقمنا وأسرهم تبقى أولويتنا الراهنة».

وأعلنت الحكومة النرويجية أنها أغلقت سفارتها في طهران أيضا. وأوضحت الناطقة باسم الخارجية النرويجية هيلده شتاينفيلد، لوكالة الصحافة الفرنسية، أن الدبلوماسيين النرويجيين ما زالوا في طهران ولم يتخذ بعد قرار بإجلائهم. وأضافت أن «السفارة أغلقت أمس (الثلاثاء)». وردا على سؤال عن المدة المقررة لإغلاق السفارة قالت «نحن نقيم الوضع باستمرار». وأضافت أن طاقم السفارة المؤلف من عدد صغير جدا من الرعايا النرويجيين لا يزال في طهران. وردا على سؤال عن احتمال إخلائهم قالت المتحدثة «هذا الأمر جرى تقييمه، لكن حتى الساعة لم يتخذ أي إجراء بهذا الصدد». كما أغلقت المدارس الفرنسية والإنجليزية والألمانية في طهران حتى إشعار آخر في إجراء «وقائي»، كما ذكرت مصادر دبلوماسية.

واستدعت ألمانيا سفيرها لدى إيران للتشاور، حسبما نقل عن وزير الخارجية غيدو فسترفيلي. وقالت وسائل إعلام ألمانية أمس إن السفير بيرند ابل استدعي إلى ألمانيا. كما استدعت الخارجية الألمانية السفير الإيراني لمناقشة الحادث، ولم تخفض ألمانيا عدد العاملين في سفارتها في طهران. وأثار الهجوم إدانات دولية، حيث أدان مجلس الأمن الدولي الحادث «بأشد العبارات الممكنة»، في الوقت الذي أعربت فيه طهران عن «أسفها». فقد ندد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أول من أمس باقتحام السفارة البريطانية في طهران وتخريبها. كما أعربت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن «إدانتها الشديدة»، مطالبة السلطات الإيرانية بحماية الدبلوماسيين الأجانب المعتمدين لديها.

وفي طهران، أعلنت الشرطة أنها ألقت القبض على بعض الأشخاص في أعقاب أحداث اقتحام السفارة البريطانية. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (غرنا) عن أحمد رضا ردان، نائب رئيس شرطة طهران، القول إنه سيتم اتخاذ مزيد من الإجراءات لاعتقال جميع المتورطين.

ونأت وزارة الخارجية الإيرانية بنفسها عن الواقعة، وقالت إنه فعل عفوي من قبل الطلاب ولا توافق عليه الحكومة، لكن رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، قال متحدثا عن الحادثة، «هذا الغضب ناجم عن عقود من تحركات الهيمنة من جانب بريطانيا في إيران»، مؤكدا أن مجلس الشورى يدعو للهدوء، ولكن المجلس يعتقد أن بريطانيا والولايات المتحدة «تسعيان لاستغلال» حادثة السفارة.

وأضاف أن «التحرك المتسرع في مجلس الأمن لإدانة الحركة الطلابية يرمي إلى التغطية على الجرائم التي اقترفتها بريطانيا وأميركا قبلا، ويأتي رغم محاولة الشرطة (الإيرانية) الحفاظ على الهدوء». كما شكك في سبب عدم إدانة مجلس الأمن بريطانيا في عام 1980 حينما احتجزت عناصر «معادية للثورة» رهائن في سفارة إيران في لندن. وفي ذاك الحادث قررت الحكومة البريطانية إرسال قوات كوماندوز قتلت أغلب محتجزي الرهائن وأنقذت كل الرهائن إلا واحدا. وتابع «أمس (الثلاثاء) احتج عدد من الطلاب الغاضبين من مسلك الحكومة البريطانية خارج السفارة ودخل عدد منهم السفارة».

أما علاء الدين بروجردي، رئيس لجنة الأمن والسياسات الخارجية بمجلس الشورى الإيراني، فقد أكد أن إيران «تحترم كل القوانين الدولية ومعاهدة فيينا (حول حماية البعثات الدبلوماسية)، ولا يتعين على الدبلوماسيين أو سفارات البلدان الأخرى الخشية بعد هذا الحادث». ورأى أن الطلاب عبروا عن «عواطفهم» تجاه «الماضي التاريخي الكريه للبريطانيين في إيران الذي سبب الكراهية لكل البلاد». وامتنعت الصحف الإيرانية أمس عن التعليق على الهجوم، لكنها عنونت بـ«غضب الطلاب على بريطانيا».