تخويف المعارضين السوريين بالاستدعاء والخطف وسيلة لكبح جماحهم في لبنان

الجرحى ينقلون من المستشفيات إلى أماكن آمنة لحمايتهم

تظاهرة طلابية في درعا أمس
TT

يتحدث أعضاء من «تنسيقية اللاجئين السوريين» التي تعمل في شمال لبنان عن تعرضهم لمضايقات مؤخرا، دفعت بالبعض منهم إلى تغيير أماكن سكنهم، وحرق أرقامهم التليفونية، هربا من الملاحقات التي يتعرضون لها من قبل مخابرات الجيش اللبناني.

ويروي أحمد موسى، المسؤول الإعلامي في التنسيقية، أن زملاءه تلقوا اتصالات على هواتفهم الجوالة من مخابرات الجيش، منذ نحو الأسبوع، وطُلب منهم الحضور إلى مركز للجيش في منطقة القبة. ويضيف موسى «خفنا ولم نتوجه إلى حيث قيل لنا، وشكلنا وفدا حيث زرنا فعاليات دينية ونوابا في الشمال، ووضعناهم في صورة الأجواء الأمنية التي يعيشها بعض الناشطين، بعدها لم يتصل بنا أحد. لكن بعد المهرجان الذي أقامه تيار المستقبل يوم الأحد الفائت في طرابلس، وتليت فيه خطابات كثيرة ضد النظام السوري، عادت الاتصالات، وطلب من أحد أعضاء التنسيقية تحديد مكان إقامته فورا، وعندما حاول التهرب، طلب منه المتكلم التوجه بسرعة إلى مركز الجيش لأن عليه ملفات عالقة لا بد من تسويتها». ويقول موسى «إن أعضاء التنسيقية الذين تلقوا اتصالات اضطروا إلى حرق أرقامهم التليفونية، وتغيير أماكن سكنهم، وبعضهم ينام كل ليلة في بيت مختلف كي لا يستدعى للتحقيق».

ناشطون سوريون عديدون قالوا لـ«الشرق الأوسط» أيضا إنهم تعرضوا لمحاولات خطف، وإنهم يشعرون بأنهم مراقبون، لكنهم يقولون في النهاية إنهم تمكنوا من النجاة. وتعتبر مجموعة من الناشطين السوريين في شمال لبنان تحدثنا معها أن «الهدف من هذه الاتصالات والملاحقات قد يكون إبقاءهم في حالة خوف وتوجس وليس بالضرورة خطفهم بالفعل أو توقيفهم، مما قد يثير الرأي العام اللبناني في الشمال الموالي للمعارضة السورية». وقال مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط» رفض الكشف عن اسمه «إن الناشطين السوريين في الشمال ليسوا كثرا بالقدر الذي قد يتصوره البعض، لكنهم ناشطون جدا وحركتهم قوية. وهناك حركة نقل أسلحة قليل جدا منها تتم مصادرته، كما أن هناك حركة تهريب أموال إلى الداخل السوري. وثمة تنبه وحذر شديدان، من قبل الجيش اللبناني، لعدم توريط لبنان في ما يحدث في سوريا. وهو ربما ما يفسر الاتصالات التي يتلقاها السوريون الناشطون حتى الذين يعملون في الشأن السياسي فقط».

مصطفى، شاب سوري رفض ذكر اسم عائلته، وهو معني باستقبال الجرحى والاهتمام بهم في منطقة حلبا الشمالية. يؤكد أنه تعرض لمحاولة خطف نجا منها، ويقول «إن وصول الجرحى إلى لبنان معاناة كبيرة، وعملية تهريب حقيقية، وعندما يصلون يؤخذون على عاتق الهيئة العليا للإغاثة التابعة لمجلس الوزراء، لمدة لا تتجاوز الأسبوع ليتم تبني تكاليف علاجهم، بعد ذلك من قبل هيئات وجمعيات أهلية». ويؤكد مصطفى لـ«الشرق الأوسط» أن «هؤلاء الجرحى الذين يعتبرون مطلوبين من قبل النظام السوري في كثير من الأحيان، يعيشون بدورهم حالة خوف من خطفهم، حتى وهم في المستشفى». ويضيف «نحن نحاول إخراجهم بالسرعة الممكنة، ووضعهم في أماكن آمنة، وتأمين العلاج لهم بعيدا عن الأعين على أيدي أطباء متطوعين وممرضات متعاطفين مع المعارضة».

ويؤكد الناشطون أنهم رغم الخوف الذي يطاردهم في الشمال، فإن هذه المنطقة هي الأكثر أمنا لبنانيا لهم، فالوضع أشد سوءا في بيروت مثلا. ويشرح أحمد موسى أن «سكان الشمال اللبناني متعاطفون بشكل كبير مع المعارضة. وهم بذلك يشكلون رافعة شعبية لنا تحمينا وتساعدنا. نحن عمليا نعيش في حمايتهم». ويقول معارض آخر يرفض الكشف عن اسمه «الشماليون المنخرطون في الأجهزة الأمنية هم أيضا متعاطفون بشكل أو بآخر معنا، ويغضون الطرف أكثر من أمنيين لا يشعرون بالتعاطف مع المعارضة السورية. نحن ندرك أن الرأي العام في الشمال سينتفض في حال تم خطف معارض أو إلقاء القبض عليه، وبالتالي فاعتمادنا الأكبر على موقف الأهالي والتفافهم حولنا».

ويشرح موسى «نحن نعترض على الملاحقات التي يتعرض لها زملاؤنا في تنسيقية اللاجئين، لأننا هيئة إنسانية إغاثية ومهمتنا إنسانية أكثر منها سياسية، وبالتالي التضييق علينا لا نشعر بأنه مبرر». أما مصطفى فيشرح لـ«الشرق الأوسط» أن «المكان الوحيد الذي يتم فيه علاج الجرحى هو شمال لبنان وذلك لأسباب أمنية. وهؤلاء يعتبرون ناجين من موت محتم، إذ إن نقل أي جريح إلى المستشفيات السورية يعني إما قتله أو أسره أو بيع أعضائه». ويؤكد مصطفى أن «بيع الأعضاء بات ظاهرة في سوريا تمارس على المعارضين، أحدهم وأشهرهم أحمد عبده من بانياس، الذي أخذت كليتاه بعد نقله جريحا إلى المستشفى، وأعيد إلى أهله جثة هامدة». وحين سألنا إن كان بيع الأعضاء يمارس من قبل النظام أجاب مصطفى «هناك فوضى مستشرية، وهناك عصابات أمنية لا يستطيع أن يردعها أحد بسبب حالة الفلتان، وبالتالي هناك عصابات تستفيد من الوضع القائم وتتاجر بأعضاء الجرحى».