ميقاتي يعلن تحويل حصة لبنان من تمويل محكمة الحريري.. و«14 آذار»: حكومة حزب الله تعترف بالمحكمة

مصدر وزاري لـ «الشرق الأوسط» : بري ابتدع الحل وعطل تفجير الحكومة في الدقائق الأخيرة

ميقاتي يعلن في مؤتمر صحافي أمس أن لبنان دفع قسطه من تمويل محكمة الحريري (أ.ب)
TT

أنهى رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أزمة كادت تسقط حكومته، بإعلانه أمس عن «تحويل حصة لبنان من تمويل المحكمة الدولية»، علما بأن حزب الله يصف المحكمة بأنها «إسرائيلية وهدفها القضاء عليه». وكانت لوائح الاتهام التي صدرت قبل أشهر سمت أربعة أشخاص من حزب الله متورطين باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.

واعتبرت المعارضة اللبنانية الممثلة بقوى «14 آذار»، أن قرار ميقاتي تمويل المحكمة هو «اعتراف واضح من الحكومة بوجود المحكمة الدولية وبأهميتها وبتعاون لبنان مع قرارات الأمم المتحدة». وقال المنسق العام لـ«14 آذار» فارس سعيد، في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الحكومة التي شكلها حزب الله وسوريا تعود إلى نقطة البداية وتعترف بالمحكمة». وقال «بالنظر إلى أن الحكومة التي تضم حزب الله اعترفت بالمحكمة الخاصة بلبنان، فالمطلوب الآن متابعة التعاون لجهة تسليم المتهمين الأربعة في جريمة اغتيال (رئيس الوزراء الأسبق رفيق) الحريري إلى المحكمة».

ودعا ميقاتي إلى «العودة فورا إلى طاولة الحوار برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان»، وبهذا الإعلان تعطل صاعق تفجير الحكومة في الدقائق الأخيرة. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصدر وزاري أن «سيناريو الحل أوجده الرئيس (رئيس مجلس النواب نبيه) بري الذي اعتاد على ابتداع الحلول السحرية في أوقاتها المناسبة». وفي أول تعليق دولي على التمويل، رحبت وزارة الخارجية البريطانية بهذا القرار، وقال ناطق باسم الوزارة «نرحب بإعلان رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بأن حكومته سوف تحترم التزاماتها الدولية بدفع نصيبها للمحكمة الدولية الخاصة، وتبقى المملكة المتحدة داعما قويا للمحكمة الخاصة، ومساندا قويا للبنان ينعم بالاستقرار والاستقلال والسلام».

وفي مؤتمر صحافي عقده في السراي الحكومي، قال ميقاتي «إن إصراري على تمويل حصة لبنان في المحكمة الدولية هو من حرصي على حماية لبنان، وأنه لا يجوز التغاضي عن موضوع اغتيال رئيس حكومة من لبنان (الرئيس الشهيد رفيق الحريري) وإحقاق الحق والعدالة، وأيضا التزامي بألا أكون رئيسا لمجلس الوزراء يخل بالتزاماته، ولهذه الأسباب قمت صباح هذا اليوم (أمس) بتحويل حصة لبنان من تمويل المحكمة، وهذا قرار وطني يحفظ لبنان ولا يعرضه لأي تداعيات»، مؤكدا أن قراره «ليس انتصارا لفريق على فريق آخر، وليس انتقاصا من أي مؤسسة لبنانية على الإطلاق، بل مكسب للدولة اللبنانية»، مجددا «التزامه بالسعي الجاد إلى تحقيق العدالة والتمسك بضرورة متابعة عمل المحكمة». وختم ميقاتي داعيا إلى «العودة فورا إلى طاولة الحوار الوطني برئاسة الرئيس (رئيس الجمهورية ميشال) سليمان لأنه يبقى السبيل الأفضل لإيجاد مساحة مشتركة بين اللبنانيين».

في هذا الوقت، أعلن مصدر وزاري لـ«الشرق الأوسط»، أن «الرئيس نبيه بري استعمل عصاه السحرية، وأوجد حل التمويل بما يحفظ بقاء الحكومة ويجنب لبنان أزمة سياسية داخلية، وعقوبات دولية كان سيتعرض لها البلد من دون أدنى شك». وأكد المصدر أن «بند التمويل لو كان قدر له أن يصل إلى طاولة مجلس الوزراء لكان فجر الحكومة، ولو أرسل بمشروع قانون إلى مجلس النواب لكان فجر المجلس أيضا بسبب مواقف القوى السياسية المتباعدة جدا حيال مقاربة ملف المحكمة الدولية، غير أن (الديباجة) التي أوجدها الرئيس بري فككت صاعقة التفجير في الوقت المناسب»، مشيرا إلى أنه «جرى اقتطاع 38 مليون دولار من حساب الدولة اللبنانية في موازنة رئاسة الحكومة التي يحق لرئيس الحكومة التصرف بها».

من جهته، أشار وزير الإعلام وليد الداعوق إلى أن «قرار التمويل جنّب لبنان الكثير من الويلات، وراعى مصلحة الوطن وكل اللبنانيين». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لقد نفذ لبنان التزاماته التي تعهد بها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أمام الأمم المتحدة انطلاقا من الحرص على أن يبقى للبنان دوره الفاعل في هذه المنظمة، لا سيما أنه كان رئيسا لمجلس الأمن الدولي (في شهر سبتمبر/ أيلول الفائت)». ولفت إلى أن «هذا القرار يريح الوضع الداخلي اللبناني ويطمئن اللبنانيين إلى استقرارهم».

بدوره، أوضح مستشار رئيس مجلس النواب علي حمدان، أن «الحل الذي خرج به الرئيس بري جنب الحكومة كأس الاستقالة، وأبقى فريق 14 آذار خارج جنة الحكم، وأفشل كل ما كان هذا الفريق يخطط له». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «مخرج التمويل حظي برضا كل مكونات الحكومة». وقال «إن الرئيس بري لم يبدل موقفه المبدئي من عدم دستورية المحكمة، كما أن حليفه حزب الله متمسك برفض هذه المحكمة، وكذلك حليف حليفه العماد ميشال عون، وميزة هذا الحل أنه لم يمر في المؤسستين الدستوريتين مجلس الوزراء ومجلس النواب». وأضاف «ما دام التمويل في السابق جرى عبر رئاسة الحكومة، وما دامت الهيئة العليا للإغاثة هي مؤسسة تابعة لرئيس الحكومة وتتلقى الأموال من التبرعات، فقد اتفق على أن يكون التمويل بهذه الطريقة». وأعلن حمدان أن «الحل ولد من رحم شعور الجميع بخطورة الأحداث التي تعصف بالمنطقة، وما دام لبنان في قلب هذه المنطقة كان لا بد من التمسك بعوامل استقرار البلد ومنعه من الانزلاق نحو المجهول عبر استمرار هذه الحكومة».

وأعلن رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بحسب ما نقل عنه زواره، ارتياحه لأجواء التطورات الأخيرة وقوله «إن ما حصل هو لمصلحة البلد وعلى الحكومة الانصراف لمعالجة القضايا والملفات الحيوية الملحة إن على الصعيد الاقتصادي أو على صعيد الوضعين المعيشي والاجتماعي». وأكد بري أن «المطلوب هو تسريع الخطى في العمل على كل الصعد»، مشددا على «ضرورة تعزيز المناخ الذي يصب في استئناف الحوار برعاية رئيس الجمهورية». وتلقى بري أمس اتصالا من الرئيس سليمان مباركا له على الحل الذي حصل، كما تلقى اتصالا مماثلا من ميقاتي.

إلى ذلك، اعتبر تيار المستقبل في بيان له أن «الإعلان عن تحويل حصة لبنان في تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان هو خطوة في الاتجاه الصحيح، ونتيجة حتمية لنضال اللبنانيين في سبيل المحكمة وتحقيق العدالة والمتابعة الكاملة لمسارها ومحاسبة القتلة في جرائم الاغتيال والإرهاب التي استهدفت القيادات الوطنية والسياسية». وقال «إن هذا الإجراء هو إقرار من جميع أعضاء الحكومة وفي طليعتهم حزب الله بأهمية المحكمة التي نريدها سبيلا لتوفير مقومات الاستقرار في البلاد وإجراء محاكمة عادلة وشفافة للمتهمين، وحزب الله مسؤول في هذا المجال عن متابعة المسار الذي بدأه لتغطية تمويل المحكمة عبر المساعدة في تسليم المتهمين الأربعة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى السلطات اللبنانية لتفي بعهودها الكاملة إلى المجتمع الدولي والمحكمة الخاصة بلبنان، لنتمكن بعد ذلك جميعا من الانتقال إلى مرحلة تحمي لبنان من الأخطار المحدقة وتؤسس لدورة جديدة من الانفتاح والعمل الوطني المشترك».