ليبيا: الثوار يطالبون «الانتقالي» بمناظرة علنية لتفنيد الاتهامات بتورطهم في اغتيال عبد الفتاح يونس

تحذيرات من تعرض سيف الإسلام للاغتيال قبل تحويله للمحاكمة

TT

لندن: «الشرق الأوسط» تصاعدت أمس حدة الخلافات بين الثوار المسلحين والمجلس الوطني الانتقالي الليبي على خلفية رفض بعض قادة الثوار الاتهامات التي وجهت إليهم قبل يومين بالتورط في عملية اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس، الرئيس السابق لهيئة أركان الجيش الوطني الموالي للثوار، في شهر يوليو (تموز) الماضي في مدينة بنغازي.

وعقد حشد من قادة الثوار اجتماعا أمس في بنغازي، المقر السابق للمجلس الانتقالي ومعقل الثوار، طالبوا فيه بعقد مناظرة علنية وعلى الهواء مباشرة أمام الرأي العام الليبي ووسائل الإعلام المحلية مع رئيس وأعضاء المجلس الانتقالي لكشف كل الحقائق المجهولة في قضية يونس، وحذروا من أن كيل وتوجيه الاتهامات لهم دون دليل يعتبر نوعا من الديكتاتورية لم تكن تحدث حتى في أيام نظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي.

وقال بيان للثوار تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه إن إعلان المجلس الانتقالي عن أسماء بعض القادة المتهمين بقتل يونس على الهواء مباشرة يعتبر تصرفا غير مسؤول، مؤكدا أنه يحمل المجلس الانتقالي المسؤولية الكاملة في حالة حدوث أي مكروه لأي من هؤلاء المتهمين. وكان قرار الاتهام الذي أعلنه المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي، برفقة المدعي العام العسكري الليبي في بنغازي قد تضمن أسماء 6 ليبيين قال إنهم متورطون في قتل يونس مع سبق الإصرار والترصد.

كما اتهم القرار قادة ومسئوولين سابقين بالمشاركة في مقتل يونس ومرافقيه عن طريق إجراءات إدارية سهلت عملية القتل، على رأسهم الدكتور علي العيساوي نائب رئيس المكتب التنفيذي السابق، بالإضافة إلى 7 من القادة الميدانيين للثوار من كتيبة أبي عبيدة بن الجراح.

وردا على الجدل الذي أثير بشأن مدى قانونية إقدام الثوار على اعتقال يونس وجلبه للمحاكمة بسبب اتهامات وجهت إليه بالخيانة وإجراء اتصالات مع عناصر من نظام القذافي وبتعمد نقص السلاح والذخيرة لدى الثوار، لفت البيان إلى أن الثوار باعتبارهم الجهة التنفيذية للمجلس الانتقالي في ظل غياب المؤسسات الرسمية، من حقهم القبض على أي شخص للتحقيق معه بموجب قرار رسمي من المجلس.

وفي تلميح إلى إصرار الثوار على الاتهامات الموجهة سابقا إلى اللواء عبد الفتاح يونس قال البيان: «إننا نطالب بفتح التحقيق في حوادث القصف الخطأ على كتائبنا في بداية الثورة التي كان سببها الامتثال لأوامر رئاسة هيئة الأركان حيث فقدنا الكثير من الأرواح والآليات مما كان له الأثر السيئ في نفوس الثوار، كما نطالب بالتحقيق والقصاص ممن تسبب في هذا الأمر».

ومضى البيان إلى القول: «إننا نطالب بالتحقيق في الشكاوى التي قدمناها في تقاريرنا السابقة حول أسباب تخزين الأسلحة والذخائر في مخازن رئاسة الأركان ونقص الأسلحة والذخائر عن الثوار»، مشيرا إلى أن هذه الأسلحة لم تكن تصرف للثوار إلا بموافقة رئاسة الأركان باعتبارها المسؤولة مسؤولية مباشرة عن التسليح. وأضاف: «لم يحدث حتى في عهد الطاغية الإعلان عن اسم متهم إلا بعد التحقيق معه، والأسماء المعلن عن اتهامها لم يتم التحقيق معها، فكيف يمكن اتهام شخص لم يتم الاستماع إلى أقواله؟ مما يعد انحرافا خطيرا عن القانون».

وأعلن ناطق باسم الثوار أنهم قرروا من جانب واحد توزيع التقارير والشكاوى التي قدموها في السابق إلى المجلس الانتقالي بشأن ملاحظاتهم على أداء يونس خلال توليه منصبه.

وفي المقابل طالب المعتصم، النجل الأصغر للواء يونس، وزير الداخلية الليبي الجديد فوزي عبد العال بإصدار مذكرة اعتقال بحق الـ16 شخصا المتهمين بالتورط في اغتيال والده.

وأكد المعتصم في تصريحات صحافية ضرورة أن يصدر عبد العال مذكرة اعتقال تعمم فورا على كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية الليبية يأمر فيها باعتقال هؤلاء وملاحقتهم في الداخل وتقديمهم للعدالة.

واعتبر المعتصم أن أسماء المتورطين لا تزال ناقصة، مشيرا إلى أن استكمال التحقيقات سيكشف عن تورط شخصيات أخرى من بينها شخصيات ليبية مرموقة متورطة في هذا الحادث. وانتقد تأخر المجلس الانتقالي في كشف ملابسات القضية، على نحو أدى إلى انطلاق حملة دعائية لتشويه سمعة والده في ما يتعلق لولائه لثورة السابع عشر من فبراير (شباط) الماضي.

وفي تهديد بإمكانية لجوء عائلة يونس وقبيلة العبيدات، التي ينتمي إليها يونس، إلى المحكمة الجنائية الدولية في حال التقاعس في القضية، أضاف المعتصم: «إذا كانت لجنة التحقيق في داخل ليبيا قد تقاعست عن العمل، وفشلت في التحقيق في هذه القضية الخطيرة، فنحن سنطلب المساعدة من المحكمة الجنائية الدولية». ومن جهتها، سلكت قناة «ليبيا الأحرار» الفضائية التي تبث من العاصمة القطرية، الدوحة، نفس توجه الثوار، بعدما تحدت رئيس المجلس الانتقالي في إجراء حوار حصري وعلى الهواء مباشرة ليشرح فيه للرأي العام الليبي مبررات اتهامه للقناة مؤخرا بأنها تعمل ضد مصالح الشعب الليبي.

ولم تصدر القناة أي بيان رسمي ولم تعلق على اتهامات عبد الجليل لها، لكن مذيعا في القناة قال في برنامج حواري مساء أول من أمس: «لم نكن في أي يوم من الطابور الخامس الموالي لنظام القذافي، بالعكس لقد ضحينا من أجل الثورة وأسهمنا في تعريف العالم بها، وإذا كان لدى المستشار مصطفى عبد الجليل أي اتهامات وأدلة ضدنا فليقدمها لليبيين فورا». وكان عبد الجليل قد اتهم القناة في مداخلة هاتفية مع قناة محلية أخرى، بتعمد الإثارة عبر تعمدها الإشارة إلى الاتهامات الموجهة للعيساوي وعدم إذاعة بقية أسماء المتهمين في هذه القضية.

إلى ذلك، رصد تقرير بثته شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، التابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أن مدينة سرت الساحلية ومسقط رأس العقيد الراحل معمر القذافي، التي كانت ساحة للمعركة النهائية بين الثوار والمقاتلين الموالين له، باتت مدينة محطمة.

ولفت التقرير إلى أنه، وبعد مرور أكثر من شهر على انتهاء القتال في آخر مدينة تحررت من حكم القذافي، أصبحت شوارعها مجرد أكوام من الأنقاض والمباني المحترقة تنتشر فيها ثقوب أحدثتها طلقات نارية وفجوات يصل قطرها إلى متر كامل أحدثتها الصواريخ، بينما تطل أعمدة الإنارة المكسورة والمتداعية على الطرقات. وأضاف التقرير الذي بثته الوكالة عبر موقعها الإلكتروني: «المدارس مغلقة ولا توجد شبكة للهاتف الجوال، ولا يوجد سوى عدد قليل جدا من المحلات التجارية التي تفتح أبوابها. كما نزح معظم سكان المدينة البالغ عددهم 65.000 نسمة».

ونقل التقرير عن عبد الجليل عبد السلام الشاوف، نائب رئيس المجلس العسكري في سرت، قوله إن نحو ثلاثة أرباع السكان قد عادوا إلى المدينة، لكن وكالات الإغاثة تشكك في هذا الادعاء قائلة إن نسبة العائدين تقترب من 25 في المائة من إجمالي سكان المدينة. ولفت التقرير إلى مخاوف لدى سكان المدينة من تعرضهم المتواصل لعمليات انتقام، ونسب إلى يحيى عليبي، رئيس مكتب اللجنة الدولية للصليب الأحمر في المنطقة، أن «المجلس الوطني الانتقالي ليس له وجود هنا»، وهو شيء من شأنه «أن يكون وسيلة جيدة للتعافي وبناء الثقة».

وقال إيمانويل جيغناك، رئيس مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ليبيا، إن «الناس لن تقبل بالضرورة نظام الحكم الجديد بتلك السهولة. فهناك إحساس بالمرارة بين السكان، وهذا سيستمر لبعض الوقت».

وكانت منظمات حقوقية قد حذرت الشهر الماضي مما وصفته بـ«الإعدام الواضح» الذي تعرض له 53 شخصا من مؤيدي القذافي في سرت بعد العثور على جثثهم متحللة في فندق بالمدينة، وكانت أيدي بعضهم مقيدة خلف ظهورهم.

وفي سياق آخر أعرب منسق التحويلات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الأميركية، ويليام تايلور، عن استعداد الحكومة الأميركية لتقديم المساعدات التي تحتاجها ليبيا سواء في مجال التدريب، أو بناء مؤسسات المجتمع المدني، أو الأمن والسلم. ومن جهة اخرى، حذرت مصادر ليبية رفيعة المستوى في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» من إمكانية إقدام جهات داخل وخارج ليبيا على تصفية سيف الإسلام، النجل الثاني للعقيد معمر القذافي، المعتقل لدى ثوار مدينة الزنتان جنوب غربي العاصمة طرابلس، لمنعه من كشف ما وصفته بأسرار خطيرة ومعلومات مهمة عن علاقات مسؤولين محليين ودوليين مع نظام والده القذافي قبل سقوطه ومصرعه الشهر قبل الماضي.

وأبلغ مسؤول بالمجلس الانتقالي «الشرق الأوسط» أمس عبر الهاتف من مدينة بنغازي أن المجلس الذي يستعد للبدء في التحقيق مع سيف الإسلام تمهيدا لتحويله إلى المحكمة بتهمة ارتكاب أعمال عنف ضد المدنيين العزل والتحريض على قتلهم خلال ثورة السابع عشر من شهر فبراير (شباط) الماضي، يدرك تماما أن هذا الاحتمال قائم. وأضاف: «لا يمكننا استبعاد ذلك، لهذا هناك حراسة أمنية مشددة عليه في محبسه بمدينة الزنتان. لا أحد لديه علم بمكانه سوى من يعتقلونه ومسؤولين محدودين بالمجلس الانتقالي، خشية تسرب المعلومات». وتابع: «نبذل قصارى جهدنا لحمايته، وهو يلقى معاملة كريمة بالنظر إلى كونه أسير حرب. لا نتمنى أن يلقى مصير والده وشقيقه الآخر المعتصم، محاكمته ستكون فرصة كبيرة لمعرفة كيف كان يعمل نظام القذافي وكشف كل أسراره وخباياه».