أنقرة تعلن عن حزمة عقوبات اقتصادية «لا تمس الشعب السوري».. وأوغلو: النظام وصل إلى نهاية الطريق

مسؤول تركي لـ «الشرق الأوسط» : على الأسد الاختيار بين مصير بن علي أو القذافي

مجموعة من الجنود السوريين يعلنون انشقاقهم أمس
TT

أعلنت تركيا أمس رسميا عن فرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري «لا تمس الشعب وتحض النظام على إعادة التفكير في مواقفه»، كما قال مسؤولون أتراك لـ«الشرق الأوسط». ورغم أن معظم هذه العقوبات مطبق فعليا منذ أشهر، فإن السلطات التركية اختارت أن تقدم هذه العقوبات كإعلان نوايا إيجابي حيال التحرك العربي ضد النظام السوري.

وبينما قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إن النظام السوري «وصل إلى نهاية الطريق»، قال مسؤول رسمي تركي لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا مكان لـ(الرئيس السوري بشار) الأسد في سوريا الجديدة»، التي اعتبر المسؤول أن قيامها «هو مسألة وقت لا أكثر». وقال إن «على الأسد عاجلا أو آجلا الاختيار بين نموذجين: زين العابدين بن علي أو معمر القذافي»، مشيرا بذلك إلى الرئيسين، التونسي الذي غادر البلاد إلى المنفى، والليبي الذي قتل على يد الثوار.

وأشار المسؤول التركي إلى أن بلاده تأمل في «سوريا أفضل»، قائلا إن «الأسد لم يعد له مكان في سوريا الجديدة، فهو فقد الشرعية التي كان يمتلكها منذ ستة أشهر، وهو يتصرف الآن كوالده، وهذا محزن جدا»، مضيفا أن «الأسد لم يتعظ أو يأخذ العبر مما حصل في تونس ومصر وليبيا»، مشيرا إلى أن «عليه الآن اختيار النموذج الذي يريد اتباعه، وهو بين خيارين عليه أن يختار بينهما عاجلا أو آجلا: النموذج التونسي أو الليبي». وقال «على الأسد أن يعيد حساباته، فإذا كان يظن أنه سيبقى إلى الأبد فهو مخطئ جدا، وإذا اعتقد أنه غير زين العابدين بن علي أو حسني مبارك أو علي عبد الله صالح أو القذافي، فهو مخطئ أيضا».

إلى ذلك، قال مصدر تركي رفيع أمس إن السوريين «لم يتركوا لبلاده خيارا سوى العقوبات». وإذ أشار المسؤول إلى أن بلاده «لا تدعم عملية عسكرية ضد سوريا»، شدد على أنها تعتقد أن هذه العقوبات قد تكون وسيلة مفيدة لجعل المسولين السوريين «يعيدون التفكير». وأضاف المصدر الذي رفض ذكر اسمه أن «(الرئيس السوري بشار) الأسد لم يسمع لأحد، لا لنا ولا للجامعة العربية، وها هو الآن يدفع الثمن بالمزيد من العزلة عربيا وإسلاميا ودوليا»، متسائلا عن الفترة التي سيصمد فيها هذا النظام في عزلته المتزايدة.

وعن الخطوة التالية التي سوف تتخذها أنقرة، قال المصدر إن أنقرة «ستراقب كيفية تصرف النظام»، لكنه لم يبد تفاؤلا في هذا الخصوص «لأنهم غير عقلانيين، فهم إذا لم تعجبهم مواقف بعض الدول يرسلون رعاعا للتعرض لسفاراتها». وقال «علام يلومون الدول العربية التي أعطتهم الفرصة تلو الفرصة، ولم يلتزموا بأي شيء في المقابل، فاستمروا في قتل الناس في الشارع؟»، مستغربا كيف أنهم لم يقيموا وزنا لأي شيء أو ذكرى، فلا شهر رمضان منعهم من قتل الناس ولا العيد ولا أيام الجمعة».

وشدد المصدر التركي على ضرورة عودة النظام إلى طاولة الحوار مع الجامعة العربية، مشيرا إلى أن بلاده «خسرت كثيرا جراء الوضع السوري، فهي استثمرت الكثير في سوريا، وكانت تأمل في انتقال تدريجي وسلمي للسلطة، لكن شيئا من هذا لم يحدث. وأعاد المصدر التأكيد على أن «الخيار العسكري ليس مطروحا من الجانب التركي»، مشددا على أن «المنطقة العازلة ليست مطروحة على الطاولة بعد»، ثم استدرك قائلا «ربما إذا حصل نزوح كبير من سوريا نلجأ إلى هذا الخيار، لكن الوضع عند حدودنا ما زال كما هو، ولدينا بضعة آلاف من النازحين فقط، وقد نفكر في الموضوع إذا ما حصل ازدياد دراماتيكي في أعداد النازحين».

ورفض المصدر الانتقادات الموجهة إلى بلاده من أن هذه العقوبات «أقل من المتوقع»، قائلا «نحن نقوم بإجراءات أكثر من أي أحد آخر»، مشيرا إلى أن أنقرة «تنسق خطواتها مع خطوات الجامعة العربية والأسرة الدولية، وسوف تبقى في تفاعل معهما». ورأى المسؤول أن الدعم الروسي للأسد «غير مجد، وكذلك الإيراني»، قائلا «علاقاتنا مع الإيرانيين جيدة على كل المستويات، إلا في ما يتعلق بالشأن السوري»، وأضاف «لقد أبلغناهم (الإيرانيين) بأن سياساتهم متناقضة، فهم يتحدثون عن الربيع العربي في كل الدول ما عدا سوريا».

وكان وزير الخارجية التركي أعلن أمس من أنقرة أن بلاده «علقت كل التعاملات الائتمانية المالية مع سوريا وجمدت أصول الحكومة السورية»، لتنضم بذلك إلى جامعة الدول العربية وقوى غربية في فرض عقوبات اقتصادية على حكومة الرئيس السوري بشار الأسد. وقال إن تركيا، وهي أكبر شريك تجاري لسوريا «ستوقف أيضا تسليم كل الأسلحة والمعدات العسكرية لسوريا في إطار إجراءات تهدف إلى إقناع الأسد بوقف قمع المحتجين». وسوف تمنع العقوبات مسؤولين كبارا في حكومة الأسد ورجال أعمال يدعمون الحكومة السورية أيضا من السفر إلى تركيا. وأوضح داود أوغلو أن تركيا «تفكر أيضا في اتخاذ إجراءات إضافية في المستقبل».

وأشار داود أوغلو إلى أنه سيتم تعليق كل العلاقات مع البنك المركزي السوري وإيقاف اتفاقية تعاون مع سوريا لحين تشكيل حكومة جديدة فيها. وقال «إلى أن تتولى السلطة في سوريا حكومة شرعية في سلام مع شعبها ستعلق آلية التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى»، معتبرا أن النظام السوري وصل إلى «نهاية الطريق». وقال داود أوغلو إن تركيا «ستستمر في الوقوف إلى جوار الشعب السوري خلال هذه المرحلة الصعبة». وأضاف «نرغب في أن تدرك الحكومة السورية أن السبيل الوحيد للخروج من هذا الطريق المسدود الذي دخلته هو تلبية المطالب المشروعة للشعب على الفور وإنهاء العنف والقمع ضد السكان المدنيين»، متمنيا «النجاح للشعب السوري في هذا الكفاح».

وذكر داود أوغلو أن تركيا ستوقف أيضا في إطار قائمة العقوبات المكونة من تسع نقاط كل التعاملات الجديدة مع البنك التجاري السوري باستثناء التعاملات القائمة، وستوقف اتفاقيات الائتمان الموقعة مع «إكسيم بنك» لتمويل مشروعات البنية التحتية في سوريا. وأشار إلى أن بلاده «حرصت بشدة عند فرض العقوبات على عدم التسبب في معاناة للشعب السوري بسبب أخطاء حكومته. وأضاف «سنقيم أيضا إجراءات إضافية يمكن اتخاذها بعد هذا بناء على تصرف الحكومة السورية وبنفس القدر من الحرص».

وبدوره، قال الرئيس التركي عبد الله غل إن «تركيا تتحرك بحرص شديد». وأضاف «لن تشمل العقوبات بالطبع الاحتياجات الأساسية والإنسانية الحيوية مثل الماء أو الكهرباء»، كما أن رحلات شركة «الخطوط الجوية التركية» إلى دمشق ستستمر.