وزير التضامن المصري لـ «الشرق الأوسط»: أسلمة الدولة تفتت النسيج الوطني وتوسع فجوة المخاوف في المجتمع

د. جودة عبد الخالق: العدالة الاجتماعية عقيدتي.. ولست ضد زيادة الأجور لكني لا أريد هز المركب حتى لا ينقلب بالجميع

د. جودة عبد الخالق وزير التضامن الاجتماعي
TT

قبل ساعات من تشكيل الحكومة المصرية الجديدة برئاسة الدكتور كمال الجنزوري، تحدث الدكتور جودة عبد الخالق، وزير التضامن والعدل الاجتماعي في حكومة تسيير الأعمال المنتهية ولايتها برئاسة الدكتور عصام شرف، عن أهم العراقيل التي واجهت حكومة شرف؛ الذي اختاره ثوار ميدان التحرير في مارس (آذار) الماضي، قبل أن ينقلب عليه الميدان والرأي العام في مصر أخيرا.

وقال الدكتور عبد الخالق، في حوار مع «الشرق الأوسط» أمس، إن أي حكومة في العالم لا يمكن أن تنجز أي شيء له قيمة مع اضطراب حالة الأمن وفي ظروف يغيب عنها القانون والنظام، إضافة إلى المطالب الفئوية، لافتا إلى أن هذا لا يعني أن أداء حكومة الدكتور شرف لم تشبه شائبة «ولكن من الظلم النظر لهذه الحكومة وكأنها لم تنجز شيئا»، حسب قوله.

وعن الانتخابات البرلمانية في مرحلتها الأولى، التي أظهرت تقدما لمرشحي تيار الإسلام السياسي، قال إن الصورة العامة للانتخابات - رغم وجود مآخذ هنا وهناك - صورة رائعة تعبر عن الإرادة، بغض النظر عن نتيجتها، مشيرا إلى أن من خُدعوا هذه المرة لا يُتوقع أن يُخدعوا المرة القادمة، مؤكدا وجود مخاوف من جانب المسؤولين في الدولة من إمكانية أن تؤدي سيطرة تيار يدفع باتجاه أسلمة الدولة المصرية إلى تفتيت النسيج الوطني لمصر.

وإلى أهم ما جاء بالحوار..

* هل هناك أي مشاورات بين الحكومة المتوقعة وحكومة تسيير الأعمال الحالية؟

- لا توجد مشاورات، لأن الحكومة المتوقعة لم تشكل بعد حتى يكون هناك كيان يتم التشاور معه.. الحد الأدنى الذي أتخيله أنه ينبغي أن يحدث تواصل بين القادم ومن سيغادر، حتى يتم نقل الملفات وحتى لا يحدث اضطراب في دولاب العمل.

* هل حكومة عصام شرف كانت تحتاج لأشياء بعينها لتسيير أعمالها لكن هذه الأشياء لم تتوافر لها، مما جعلها غير قادرة على إنجاز ما كان يأمله الشارع منها في المجال الأمني والاقتصادي في هذا الوقت القصير؟

- ما لا يدركه الناس بقدر كاف هو العامل الأمني والغياب شبه التام للقانون والنظام في المجتمع المصري، ولا يمكن لأي حكومة في أي بلد في مثل هذه الظروف أن تنجز أي شيء له قيمة مع اضطراب حالة الأمن إلى المدى الذي نراه الآن في الحالة المصرية.. لأنه من الضروري بعد اتخاذ القرار، تنفيذ القرار. والأمن ضروري لدوران عجلة الإنتاج، وضروري لتوصيل السلع إلى المستحقين.. وأنا هنا أتحدث في حالة الدعم (دعم السلع)، وهناك مشقة بالغة لوزارة التضامن والعدالة الاجتماعية في تأمين أسطوانات البوتاجاز سواء عند التعبئة أو عند النقل أو عند التوزيع.. قبل يومين جاءنا بلاغ بأن خمسمائة بلطجي يحاصرون مصنع تعبئة أسطوانات الغاز في (منطقة) القطامية (شرق القاهرة)، هذا بالإضافة لمصنع تعبئة اسطوانات الغاز في (منطقة) مسطرد (شمال القاهرة)، واحتاج الأمر لمؤازرة من الجيش من أجل فتح طريق آمن.. وبعد أن فتحنا الطريق رفض سائقو الشاحنات الخروج باسطوانات الغاز خوفا من ملاحقة البلطجية لهم والاستيلاء على الشاحنات منهم. لقد أصبح الوضع مقلقا للغاية. وفي سيناء على سبيل المثال، حيث كنت في زيارة هناك، في موسم جمع الزيتون، وقيل لي إن هناك مشكلة كبيرة في تصريف الإنتاج لأن التجار المعتادين شراء الزيتون رفضوا الشراء، لماذا؟ قيل لأن السيارات المحملة بالزيتون وهي في طريقها إلى خارج سيناء يتم الاستيلاء عليها من قطاع طرق. إن تردي حالة الأمن وغياب القانون والنظام أكبر عائق أمام عمل أي حكومة مهما أوتيت. الشيء الآخر هو الإعلام، فإذا لم يتغير فلن يكون حظ الحكومة الجديدة أفضل من حظ الحكومة القديمة.

* في أي جانب بالتحديد؟

- الإعلام عنده نزعة تحريضية وميل لنشر أخبار مغلوطة. وبالتالي جهد المسؤول يستنفد إما في تكذيب هذه الأخبار المغلوطة أو توضيح أمور ما كان ينبغي أن يضيع وقته في توضيحها.

* هل توجد أمثلة؟

- نعم.. إحدى الصحف، دون ذكر اسمها حتى لا أرفع من شأنها، نشرت بالبنط العريض هكذا في عددها الأسبوعي أن وزير التضامن ولّع (أشعل) مصر برفع سعر العيش (الخبز) وهذا مجرد نموذج.. هذا كان يمكن أن يؤدي لتداعيات تشبه أحداث 18 و19 يناير عام 1977 (ثورة الخبز). إنني شخصيا - وهي المصيبة الأكبر - هاتفت رئيس تحرير العدد الأسبوعي من الجريدة وأوضحت له خطورة هذا الأمر. وبعد أن وعد بنشر التكذيب الذي أرسلته إليه لم ينشر شيئا حتى الآن، إضافة إلى أن كثيرا ممن يُستضافون في الإعلام المرئي وغير المرئي يدعون الخبرة، وفي حالات كثيرة هم ليسوا ذوي خبرة.

* هل هذا ينطبق على حكومة الدكتور شرف؟

- هذا لا يعني أن أداء الحكومة لم تشبه شائبة.. هذا مستحيل، لكن الإنصاف يقتضي القول بأنها بذلت جهدا خرافيا لإنجاز ما تستطيع. وهذا ليس لأنني عضو في الحكومة ولكن لتوضيح الصورة كما أراها.. وأعتقد أننا قمنا بأشياء. من الظلم النظر لحكومة شرف وكأنها لم تنجز شيئا.. مثلا على صعيد العدالة الاجتماعية اتفقنا على حد أدنى للأجر. طبعا قد لا يبدو ذلك كافيا، إنما بالنظر لتعقيدات المسألة أو لضغط البعد المالي علي خلفية عجز الموازنة، وفي إطاره تتضح الأمور.. كما لا تنس أن الحكومة عكست توازنات القوى على الأرض. هذه نقطة لا بد أن أذكرها.

* هل تعني توازنات القوى السياسية؟

- نعم.. توازنات القوى السياسية على الأرض.. الناس يتصورون أن ثورة 25 يناير (كانون الثاني) تعني قطع كل صلة بالماضي.. هذا غير صحيح.. كما أن رئيس الحكومة قادم من الميدان.. قالوا شيلوا أحمد شفيق (آخر رئيس وزراء أثناء أحداث الثورة)، ونأتي بمن؟ قالوا هاتوا عصام (شرف).. أليس هذا هو ما حدث؟ ذهب شرف للميدان وقال الميدان اختارني.. الآن انقلاب الميدان والرأي العام على الدكتور شرف وحكومته أمر يحتاج إلى أن نتوقف عنده حتى لا نكرر مثل هذا الشيء مع حكومة أخرى.

* بمعنى..؟

- المعنى واضح.. لا بد من معرفة الأسباب وعلاجها. ثم عليك أن تعلم أن تغيير الحكومات بهذه الوتيرة عملية تعوق أشياء كثيرة جدا. أنت حين تأتي بوزير جديد في الوقت الحالي، فالوزير الجديد سيحتاج لشهرين إلى أن يفهم كيف تسير الأمور في الوزارة.. هذا خصم على قدرات المجتمع وطاقاته. أليس كذلك؟

* في كلمات أخيرة للمشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أشار أكثر من مرة إلى أن الوضع الاقتصادي يمكن أن يزداد صعوبة إذا استمرت المظاهرات والإضرابات في الشارع، ويقول الاقتصاديون إن الوجود الكثيف في ميدان التحرير يؤثر على البورصة..

- هذا الأمر أثر على البورصة وأثر على الأعمال التي في محيط الميدان وأثر على العمالة.. أعط لك مثالا.. إغلاق ميناء دمياط (شمال القاهرة على البحر المتوسط) ومحاصرة الميناء من قبل المتظاهرين أثر في أشياء كثيرة جدا.. أولا: أعطى إشارة للمستثمرين أن المجتمع لا يرحب بالاستثمار، ثانيا: حتى في مجال السلع التموينية.. إمدادات القمح والسكر التي تأتي عبر ميناء دمياط تأثرت، ونتج عن هذا أن بعض المناطق في الجمهورية لم تصلها حصصها من السلع الغذائية.. مقررات السكر مثلا لم تصل إلى أصحاب البطاقات (مستحقي الدعم التمويني) في موعدها، في مثل هذه الأجواء. المحصلة في النهاية، لكي يكون الناس على بينة، هي أن الإنتاج يقل أو لا يزيد - على أحسن الفروض - في مقابل زيادة المطالبات الفئوية بزيادة الأجور.. أنا لست ضد زيادة الأجور، وكما تعلم العدالة الاجتماعية عقيدتي، لكني لا أريد أن أهز المركب حتى لا ينقلب بالجميع.. فلا بد أن نكون على وعي بهذا الطريق. ولذلك ينبغي أن أزيد الإنتاج لكي أعطي أكثر للأدنى، وأعطي أقل للأعلى.

* قطع الطرق كان يعطي انطباعا بأن محافظات بأكملها أصبحت معزولة؟

- نعم.. مثلا حين حدثت واقعة قطع طريق الصعيد أيام مشكلة محافظ قنا، اضطررنا لسلك مدقات في الصحراء من أجل توصيل السلع (الغذائية والمؤن) الأساسية للمواطنين في جنوب (محافظة) قنا.. على الناس أن يدركوا مثل هذا الكلام.. ولذلك إذا تصورنا أن تغيير الحكومة في حد ذاته هو الحل، فأنا أعتقد أننا نكون مخطئين.. لماذا؟ لأن تغيير الحكومة إذا لم ينعكس بأداء أفضل في مجال الأمن ومستوى أعلى من الأداء في مجال الإعلام على سبيل المثال، وأن تسود درجة أعلى من الهدوء في الشارع بحيث إن عجلة الإنتاج تنتظم.. إذا لم يتحقق كل هذا، فإن الحكومة الجديدة لن تنجز أفضل مما أنجزته الحكومة السابقة بكثير.

* بصفتك رجلا سياسيا قديما، كيف ترى الانتخابات البرلمانية في مرحلتها الأولى؟

- أقول إنها من النسمات المنعشة التي نتنسمها في مصر منذ فترة بمعيار الشهور طبعا.. (ثورة) 25 يناير كانت نسمة منعشة جدا، وما تلا 25 يناير من أحداث عبارة عن سحابات كئيبة في الأفق.. الانتخابات والمظهر الذي ظهر به الناس شيء مشرف، فجميع الناخبين ظهروا على مستوى مسؤول جدا. ورغم وجود مآخذ هنا وهناك، فإن الصورة العامة هي أن الانتخابات شيء رائع ويبشر بالخير؛ بغض النظر عن نتيجتها.. لأن الأصل هو أن الانتخابات تعبير عن إرادة.. ومن خُدعوا هذه المرة لا تتوقع أن يُخدعوا المرة القادمة.. هذا هو المعيار.. هذا أفضل من نظام يمكث على مدى ثلاثين سنة وأنت غير قادر على زحزحته.

* يعتقد البعض أنه ربما هناك مخاوف من جانب المسؤولين في الدولة، سواء من جانب الحكومة أو غيرها، من سيطرة تيار يدفع باتجاه أسلمة الدولة المصرية.. هل مثل هذه المخاوف موجودة بالفعل؟

- هذا طبعا مؤكد، وانعكس أكثر من مرة في المناقشات. بدأ في وثيقة المبادئ الدستورية، وموقف مجلس الوزراء كان الدستور (أولا) ثم (إجراء) الانتخابات.. التخوف يتجاوز الوزراء والمسؤولين إلى قطاعات كبيرة من الشعب المصري. هذا ليس لأننا - لا سمح الله - غير متدينين، ولكن لأن هذا نوع من الدين غريب على مصر جدا ويفتت النسيج الوطني لهذا البلد.