بورما أم ميانمار؟.. سؤال عسير يواجه كلينتون

خلاف حول اسم البلد يختزل التاريخ والصراع بين القمع والديمقراطية

كلينتون خلال اجتماعها مع رئيس البرلمان البورمي ثورا شوي مان، في نايبيداو أمس (أ.ب)
TT

ما فحوى الاسم؟ الكثير، عند الالتقاء لأول مرة بقادة حكومة شمولية. ففي زيارتها التاريخية الحالية إلى بورما، تكافح وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بحثا عن طريقة لمخاطبة انتهاكات حقوق الإنسان وأسلوب تعامل الحكومة مع المعتقلين السياسيين، وما يشاع عن تجارة السلاح بين هذه الدولة وكوريا الشمالية. في الوقت نفسه، يتعامل القائمون على كتابة خطاباتها مع قضية أخرى محيرة قائمة بذاتها، ألا وهي التسمية التي تستخدمها في الإشارة إلى هذه الدولة.

هل يجب أن تطلق عليها بورما، أم ميانمار، أم لا تشير إليها بتسمية معينة على الإطلاق؟.. كلها خيارات محملة بمدلولات سياسية.

لأكثر من عقد، أصرت الحكومة القمعية - التي ما زالت خاضعة لسيطرة الجيش - على أن تطلق على الدولة اسم «ميانمار» بالإنجليزية، وهو اسم وقع الاختيار عليه عام 1989 بعد إعلانها قانون الأحكام العرفية وقمعها للانتفاضات المنادية بالديمقراطية، والذي أسفر عن سقوط آلاف الضحايا. وبعد مرور عام، حينما فازت أونغ سان سو تشي وحزبها الديمقراطي في الانتخابات، انتهج المجلس العسكري إجراءات قمعية مجددا، بحرمان حزبها من السلطة ووضعها قيد الإقامة الجبرية خلال العقدين التاليين.

ودعما لانتصارها في عام 1990 واحتجاجا على إجراءات الجيش، تصر الحكومة الأميركية حتى هذا اليوم على استخدام كلمة «بورما» في كل تصريحاتها وفي جميع الصحف والمجلات. لكن إذا تعمقنا قليلا، سنجد الأمر أكثر تعقيدا.

ثمة البعض، حتى من داخل الحركة المؤيدة للديمقراطية، ممن يشيرون إلى أن اسم «ميانمار» ربما يكون الأفضل من الناحية الفنية لأنه ينظر إليه باعتباره أكثر شمولا. وفيما يعرف أفراد الأغلبية العرقية في الدولة باسم «البورميين»، ثمة مئات من الأقليات العرقية الأخرى ممن يشعرون ربما بأنهم مستبعدون عند استخدام اسم «بورما».

وأشار البعض، مثل سو تشي، التي استخدمت اسم «بورما» باللغة الإنجليزية بشكل متكرر، إلى المفارقة الباعثة على السخرية المتمثلة في استشهاد مثل هذه الحكومة القمعية - المسؤولة عن إبادة أقليات عرقية - بتحقيق الشمولية العرقية كحجة لاستخدام اسم ميانمار. وقالت تشارم تونغ، إحدى المدافعات عن حقوق النساء البورميات «ليست القضية في الاسم نفسه، وإنما في الطريقة التي تم تغييره بها، من دون سؤال الشعب عما يريده ومن دون إجراء استفتاء».

من الناحية اللغوية، الاختلاف بين الاسمين غير واضح. ففي اللغة البورمية، كلمة «ميانما» هي الصيغة المكتوبة المستخدمة في المعتاد، و«باما» هو الاسم الدارج في لغة الحديث. ويعتقد أن اسم «باما» اشتق من «ميانما» نظرا لأن صوت «الميم» قد بات ينطق «باء».

وفي رأي البعض، يحمل اسم «بورما» - الذي اختاره الحكام البريطانيون للدولة في القرن التاسع عشر - ذكريات الاستعمار الأليمة. أما بالنسبة لآخرين، فإن اسم «ميانمار» يحمل دلالات أليمة بشأن الحكام الحاليين.

ومع استمرار الجدل داخل بورما، انتقل أيضا إلى المجتمع الدولي. ففي خلال خمسة أيام من صدور قرار المجلس العسكري، تبنت الأمم المتحدة الاسم الجديد – بموجب القاعدة العامة التي تقضي بوجوب الإشارة إلى الدول بالاسم الذي تختاره لنفسها. وقد سارت بعض الدول، بينها الصين وألمانيا، على النهج نفسه. غير أن العديد من الدول التي تتحدث الإنجليزية - على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا - ظلت ثابتة على موقفها.

وحتى المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان لم تصل إلى إجماع في الرأي في ما يتعلق بهذا الجدل المثار. فمنظمة العفو الدولية تشير إلى الدولة باسم ميانمار، في حين تشير إليها منظمة «هيومان رايتس ووتش» باسم بورما.

وكانت وسائل الإعلام هي المنبر الذي استمر فيه الجدل المحتدم والتناول المكثف للقضية لأطول وقت، من خلال النظرة الثاقبة للمحررين والخبراء المدققين.

على مدار سنوات، تناول المحررون الجوانب الإيجابية في وجهتي نظر الطرفين. وأشار أحد المحررين بصحيفة «ليكسينغتون هيرالد» في عدد صادر في عام 2008 إلى أنه «من الصعب تطبيق مبدأ (ما يطلقه الناس على أنفسهم) في ما يتعلق ببورما أو ميانمار، نظرا لأن قطاعا كبيرا من عامة الشعب وأيضا المنفيين على خلاف مع الحكومة العسكرية».

وقد تحولت وكالة «أسوشييتد برس» إلى استخدام اسم «ميانمار» في عام 2006. وفعلت صحيفة «نيويورك تايمز» ذلك في وقت سابق، في عام 1989، بناء على قرار يمكن أن ينسب إلى جوزيف ليليفيلد، المحرر الخارجي في ذلك الوقت، والمدير التنفيذي للصحيفة لاحقا، الذي أعرب عن أسفه، في عمود نشر في صحيفة «بوسطن غلوب» في عام 2007، لتمسكه باسم ميانمار في البداية، قبل أن تتبين له درجة الوحشية التي باتت عليها الحكومة. وقال ليليفيلد «الآن يرتبط اسم ميانمار بهؤلاء الأشخاص المروعين. كنت مخطئا تماما».

وقد عمد البعض إلى استخدام الاسمين معا. على سبيل المثال، عنونت شركة «لونلي بلانت» المتخصصة في السياحة والسفر أدلتها الإرشادية باسم «ميانمار (بورما)». غير أنه بمرور الوقت، بات اسم «ميانمار» هو الاختيار الأكثر شيوعا - الذي استخدمته محطة «سي إن إن» ومعظم الشبكات والصحف الإخبارية مثل «لوس أنجليس تايمز» و«وول ستريت جورنال». وتعتبر صحيفة «واشنطن بوست» الآن واحدا من المنابر الإعلامية التي تمسكت باسم «بورما»، لكنها تلزم محرريها أيضا بتضمين عبارة «المعروفة أيضا باسم ميانمار» في كل خبر تنشره عن تلك الدولة.

ومع بدء قادة بورما التفكير في إجراء إصلاحات، يقول مسؤولون أميركيون إنهم يرغبون في تجنب إثارة نزاعات مماثلة أثناء زيارة كلينتون. ومن ثم، سيستخدمون عبارات على شاكلة «بلدكم»، و«ما تسمونه ميانمار»، و«هذا البلد»، إلى جانب الإشارة إلى عاصمتها الجديدة نايبيداو، بحسب مسؤولي إدارة رفيعي المستوى لم يكن مخولا لهم ذكر أسمائهم. وقال مسؤول مرافق لكلينتون في رحلتها «هذه هي المرة الأولى التي نقوم فيها بزيارة هذا البلد، لذلك نرغب في أن نعبر عن احترامنا لأهله، واضعين في الحسبان أنها قضية حساسة بالنسبة لهم، وبالنسبة لنا بالمثل».

* خدمة «نيويورك تايمز»