الانتخابات المصرية تلقي بثقلها على الانقسام بين «الإخوان» والسلفيين

مخاوف في أوساط الليبراليين من المد الإسلامي

ممثلو «الإخوان» في اللجان الانتخابية (نيويورك تايمز)
TT

يرى الشيخ عبد المنعم الشحات أن دعوة جماعة الإخوان المسلمين إلى تطبيق المبادئ العامة فقط للشريعة الإسلامية تمنح قدرا مبالغا فيه من الحرية.

الشيخ الشحات هو زعيم السلفيين في مصر، الذين أتى ائتلاف أحزابهم في المرتبة الثانية بعد جماعة الإخوان المسلمين في نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية في مصر. ويطالب هو وأنصاره بتحريم أخذ قروض بفوائد وتناول المشروبات الكحولية، مع تطبيق العقوبات الجسدية المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية مثل الرجم في حالة الزنا.

وقال الشحات: «حق المواطنة مقيد بالشريعة الإسلامية والحرية مقيدة بالشريعة الإسلامية والمساواة أيضا مقيدة بالشريعة الإسلامية»، هكذا تحدث في مناقشة عامة. وأضاف: «الشريعة إلزامية، وليس فقط المبادئ كالحرية والعدالة، بل كل المبادئ».

ويثير النجاح غير المتوقع للسلفيين في المرحلة الأولى من الانتخابات - حصلوا على نسبة تقدر بنحو 25 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات، ليأتوا في المرتبة الثانية مباشرة بعد حزب «الحرية والعدالة» التابع لجماعة الإخوان المسلمين الذي حصل على نسبة 40 في المائة - مخاوف في أوساط الليبراليين المصريين، كما يقلق الغرب. غير أن اكتساحهم يشكل تحديا أيضا بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يتجلى بشكل جزئي في دفعها إلى جدال استقطابي بين إسلاميين ضد إسلاميين بشأن تطبيق الشريعة الإسلامية في النظام الديمقراطي المأمول في مصر، وهو جدال بذلت جماعة الإخوان المسلمين أقصى جهدها من أجل تجنبه.

«السلفيون يرغبون في الدخول في هذا الجدال الآن، والإخوان المسلمون لا يفضلون هذا»، هذا ما قاله شادي حميد، باحث بمركز «بروكينغز» بالدوحة. وأضاف: «جماعة الإخوان المسلمين ليست مهتمة بالحديث عن الشريعة الإسلامية في الوقت الراهن، لأن لديها أولويات أخرى أكثر أهمية. لكن السلفيين سوف يصرون على وضع الدين في صدارة الجدال، وسيكون ذلك أمرا من الصعب جدا أن تتجاهله جماعة الإخوان المسلمين».

وتعتبر جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة الموقرة التي شكلت الحركة الإسلامية منذ ثمانية عقود مضت، في جوهرها مؤسسة تبشيرية من الطبقة المتوسطة، لا يتزعمها علماء دين، بل أطباء ومحامون ومتخصصون في مجالات مختلفة. وقد سعت منذ فترة طويلة لتحويل مصر إلى مجتمع إسلامي أكثر تمسكا بالتقاليد من القاعدة إلى القمة، بواقع شخص واحد وأسرة واحدة في كل مرة. وبعد صراع طويل في ظل حكم الرئيس حسني مبارك، سعى قادتها لتجنب الحوارات المثيرة لروح الفرقة والشقاق حول تفاصيل الشريعة الإسلامية التي ربما تدق ناقوس الخطر بشأن احتمال استحواذ الإسلاميين على السلطة. غير أن الغموض المحيط بهذا الموضوع قد تجلى تأثيره في شكوك تعود إلى أمد بعيد مفادها أن الإسلاميين مهتمون بشكل مبالغ بالاستحواذ على السلطة.

يعتبر السلفيون تيارا سياسيا وليدا، يوجهه قادة دينيون يفضلون اللحى الطويلة اقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام. وكثير منهم يحرم الاختلاط بين الجنسين، ويرفضون مصافحة النساء، فما بالك بقبولهم مشاركتهن في أي نشاط سياسي. وعلى الرغم من أن أحزابهم مجبرة على تضمين مرشحات، فإنهم عادة ما يطبعون صورا لورود بدلا من صور وجوه هؤلاء المرشحات على ملصقات حملات الدعاية. وفيما تشير آيديولوجية السلفيين دهشة كثير من المصريين بوصفها متطرفة وغير ملائمة للعصر، إلا أن شيوخهم يديرون شبكات من الموالين المخلصين، بل إن حتى الناخبين الذين لا يتفقون مع السلفيين في منهجهم المتزمت عادة ما يشيرون إلى استقامتهم وصدقهم.

وبعد ظهور نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات الأسبوع الماضي، سارع حزب الحرية والعدالة بالإعلان عن أنه ليست لديه أي خطط لتكوين ائتلاف مع السلفيين، مع خروج بعض الأعضاء عن صمتهم الذي استمر لعدة أشهر والبدء في توجيه انتقادات لاذعة للسلفيين. على سبيل المثال، انتقدت دينا زكريا، المتحدثة باسم حزب الحرية والعدالة، حرمان السلفيين النساء من المناصب القيادية ورفضهم طباعة وجوه المرشحات على ملصقات الدعاية.

«نحن لا نتبنى مواقف جامدة»، هكذا تحدثت، مؤكدة أن حزب الإخوان المسلمين يستند إلى الفهم الصحيح للإسلام الذي يؤيد حقوق النساء في اختيار أدوارهن. (في مؤتمرات جماهيرية أقيمت في إطار الحملة الانتخابية لحزب الحرية والعدالة، أحيانا ما تؤكد نساء من الحزب على تلك النقطة بالإشارة إلى أن الرسول محمد أشرك النساء في الحروب).

وعلى الرغم من ذلك، فإن مثل هذه المناقشات الجدلية تهدد بأن تزل قدم الإخوان المسلمين عن الخط الرفيع الذي قد حاولت السير عليه.

وفي التصريحات، فضل قادة الحزب التركيز على مواضيع أوسع نطاقا تتعلق بالهوية الإسلامية والتساؤلات الأساسية التي تمثل الاهتمامات الملحة للناخبين.

وفي حملتها الدعائية، أحيانا ما تظهر جماعة الإخوان المسلمين وكأنها ترغب في اجتذاب الطرفين، في بعض الأحيان، يظهرون كسلفيين، وفي أحيان أخرى، يظهرون بمظهر معتدل.

«إعطاء صوتك للإسلاميين مسألة دينية»، هذا ما أعلنه العالم الإسلامي، سيد عبد الكريم، في مؤتمر جماهيري أقيم في الجيزة مطالبا بتطبيق «حكم الله، لا حكم الشعب». وأضاف: «وتمثل إعادة إحياء الروح الإسلامية تهديدا مباشرا لإسرائيل ومستقبل الحضارة الغربية وأوروبا والولايات المتحدة»، مشيرا إلى أن «وسائل الإعلام المعادية»، تقول إن «الذين يحبون اليهود والولايات المتحدة وأوروبا ينبغي أن يبذلوا ما بوسعهم من أجل الإبقاء على خمول الروح الإسلامية. أرأيت المؤامرة؟».

لكن بعد ذلك بلحظات، أعلن عصام العريان، المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة والمرشح المتصدر قائمة حزبه، أن الحزب يؤمن بمبدأ المواطنة وتمتع كل من المسلمين والمسيحيين بحقوق متساوية باعتبارهم «أبناء وطن واحد»، أمام دولة تلتزم بالحيادية وأن الدستور القادم ينبغي أن يحمي حرية التعبير. وتعهد أن يحافظ على العلاقات الجيدة مع أي دولة تحترم «استقلال وثقافة» مصر.

الجدير بالذكر أن قادة جماعة الإخوان المسلمين أكدوا التزامهم بمعاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل مع احتمال إدخال بعض التعديلات عليها، بينما يتحدث السلفيون أحيانا عن طرحها للاستفتاء العام. وقال العريان: «للدين سمات مميزة في مصر وهي الاعتدال والسماحة». ودعم قادة حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين الالتزام بحماية حقوق الأفراد، ويتضمن برنامجه تجنب التطبيق السريع للحدود في مقابل تشجيع جهود الأفراد على إحداث تغيير تدريجي.

وعلى عكس السلفيين، لم يقدم الحزب مقترحات بشأن تنظيم محتوى المواد الترفيهية أو عمل المرأة أو ملابسها أو حتى المحتوى الديني للتعليم الحكومي، بل يدعو برنامج الحزب إلى حكومة ذات عدد وزراء محدود للحد من الفساد وتحرير الاقتصاد.

ويقترح الحزب إحداث نهضة في المجتمع المصري من خلال تقديم الأسوة الحسنة، ففي مجال الثقافة على سبيل المثال، سوف يشجع «الرقابة الذاتية» من خلال الطلب من الفنانين والكتاب التوقيع على «وثيقة أخلاقية» غير إجبارية.

على الجانب الآخر، سوف تدعم الحكومة الموسيقى والأفلام وأشكال الفنون الأخرى التي تتغنى بالدين وقيم الأسرة.

من أجل تحقيق الرفاهة الاجتماعية، يسعى الحزب إلى جعل الزكاة في إطار مؤسسي من خلال الفرض على المسلمين دفع 2.5 في المائة من الدخل، ثم يتم توزيعها على الجمعيات الخيرية. سوف يشجع هذا الجمعيات على إنشاء مدارس دينية ومستشفيات تابعة لها. ولحثّ المرأة على قبول دور كل من الرجل والمرأة، سوف يروج لقيم الأسرة في الوسائل الترفيهية، في الوقت الذي يدعم فيه مراكز الراغبين في الزواج واستشارات الزواج. وتحدى العريان، الذي يخوض الانتخابات البرلمانية في الجيزة قائلا «هل رأيتم ما يشير إلى اتجاه حزبنا لفرض أي نوع من القوانين التي تتعلق بالنواحي الأخلاقية؟».

حتى أكبر حزب هنا، سواء كان ليبراليا أو إسلاميا، يدعم الحفاظ على المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الدين الإسلامي هو مصدر التشريع، لكن الأحزاب الإسلامية المتنافسة تقدم أفكارا متضاربة عن كيفية «تفعيل» هذه المادة.

وتدعم أكثر الشخصيات القيادية ليبرالية وانفتاحا، مثل عبد المنعم أبو الفتوح، العضو السابق في جماعة الإخوان المسلمين، الدولة الليبرالية - العلمانية وتؤكد على ضرورة عدم تدخل الحكومة في تفسير الإسلام. على الجانب الآخر، كثيرا ما يفضل السلفيون فكرة أن يكون هناك مجلس علماء دين ليقدم المشورة للبرلمان أو يراجع التشريعات لضمان توافقها مع الشريعة الإسلامية. واختلف «الإخوان المسلمون» على أفكار مماثلة مؤخرا مثلما اختلفوا منذ بضع سنوات. وسعى حزب الحرية والعدالة إلى تبني المنهج الوسطي، حيث يدعو برنامجه إلى أن تصدر المحكمة الدستورية العليا أحكامها بما يتناسق مع الشريعة الإسلامية، لكن لا يزال هذا الموقف بلا أهمية، لأن المحكمة لها هذه السلطة منذ عهد مبارك. ويعد القضاء حصن الليبرالية، التي تتبنى آراء مرنة عن الشريعة.

* خدمة «نيويورك تايمز»