الاتحاد الاشتراكي يقرر الانتقال إلى المعارضة وعدم المشاركة في حكومة بن كيران

ترجيح ضم الحركة الشعبية و«الدستوري» للائتلاف الحكومي.. وتوقعات بأن يرفع الاستقلاليون سقف شروطهم

ادريس لشكر
TT

قرر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عدم المشاركة في حكومة عبد الإله بن كيران والانتقال إلى المعارضة، بعد أن ظل يشارك في جميع الحكومات التي تشكلت في المغرب منذ عام 1998، بدءا من «حكومة التناوب» التي قادها عبد الرحمن اليوسفي، ويشارك الاتحاد الاشتراكي في الحكومة الحالية التي يترأسها عباس الفاسي بستة وزراء.

وقال إدريس لشكر، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي وزير الشؤون البرلمانية، لـ«الشرق الأوسط»: «قرارنا لا رجعة فيه.. اخترنا المعارضة»، وأوضح لشكر: «قدم المكتب السياسي اقتراحا للمجلس الوطني (بمثابة برلمان الحزب) للانتقال إلى المعارضة، وحظي الاقتراح بموافقة شبه إجماع».

كان عبد الواحد الراضي، الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي، الذي كان يتحدث أمس أمام المجلس الوطني للحزب، قد دعا إلى احترام إرادة الناخبين «الذين صوتوا واختاروا من سيكون على رأس الحكومة ومن سيكون في المعارضة»، مشددا على أن الحزب لا يمكن أن يكون مجرد حزب تكميلي من تحالف، وأنه يفضل دخول الحكومة من الباب الواسع؛ أي عبر صناديق الاقتراع، مشيرا إلى أن المشاركة في حكومة بن كيران ليست أمرا هينا؛ لأن الأمر لا يتعلق بتعديل حكومي طفيف، مضيفا: «نحن أمام تناوب جديد، ومن مصلحة البلاد أن يكون التناوب بين قوى سياسية حقيقية». ودعا الراضي، الذي قوطع أثناء إلقاء كلمته من طرف غاضبين، إلى إعادة تنظيم الحزب وتحديثه والحصول على ثقة الجماهير في الحزب.

كان عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة المعين، قد عرض في وقت سابق على الراضي المشاركة في حكومة ائتلافية يقودها حزب العدالة والتنمية، بمشاركة أحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية، وترك الراضي الأمر مفتوحا على جميع الاحتمالات؛ حيث أبلغ بن كيران بأن الهيئات القيادية هي التي ستحسم الأمر.

كان قياديون في الاتحاد الاشتراكي قد عبروا صراحة، وقبل أن يحسم الحزب موقفه رسميا، عن أنهم يفضلون انتقال الحزب إلى المعارضة، بعد أن أحرز نتائج متواضعة؛ حيث حصل على 39 مقعدا ليصبح الحزب الخامس من حيث الترتيب، إضافة إلى الاختلافات الفكرية والسياسية بين الاشتراكيين والإسلاميين (العدالة والتنمية).

ولم يكن من المتوقع أن ينال الاتحاد الاشتراكي، في حالة قبوله المشاركة في الحكومة، عددا يتجاوز 4 حقائب وزارية، خاصة أن بن كيران أعلن أنه يفضل تشكيل حكومة لا تتجاوز 25 وزيرا. ويرجح الآن أن يفقد الراضي رئاسة البرلمان؛ حيث جرت العادة أن يتولى رئاسة مجلس النواب عضو من أحزاب الأغلبية.

وعقب قرار الاتحاد الاشتراكي الانتقال إلى المعارضة، فإن السيناريو البديل أمام بن كيران هو ضم حزبي الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري إلى حكومته، إلى جانب حزبي الاستقلال والتقدم والاشتراكية. وحتى إذا قرر الأخير الانتقال إلى المعارضة، فإن تحالفا رباعيا يضم العدالة والتنمية والاستقلال والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري يمكن أن يوفر أغلبية مريحة داخل مجلس النواب (222 من أصل 395 نائبا).

والمرجح أن يرفع حزب الاستقلال من سقف شروطه بعد قرار الاتحاد الاشتراكي، والملاحظ أنه بعد 20 عاما من التحالف يفترق ولأول مرة حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي عند منعطف تشكيل حكومة بن كيران، رئيس أول حكومة يقودها «الإسلاميون»؛ إذ إن اللجنة التنفيذية (أعلى هيئة قيادية) لحزب الاستقلال صوتت بالإجماع على قرار مشاركة الحزب في حكومة بن كيران، وشكلت لجنة لإعداد تصور الحزب لحجم وطبيعة هذه المشاركة والحقائب الوزارية التي يمكن أن يتولاها فيها، قبل أن يتخذ الاتحاد الاشتراكي قراره بالانتقال إلى المعارضة.

ويعود التحالف بين حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي إلى عام 1991، بعد خروج المغرب من مرحلة «سنوات الرصاص» عندما قدم الحزبان مذكرة مشتركة للملك الراحل الحسن الثاني تحت عنوان «بيان من أجل الديمقراطية»، الذي طالبا فيه بإقرار توازن بين المؤسسات. وفي عام 1993 أعلنا تأسيس تحالف «الكتلة الديمقراطية» بمشاركة حزب التقدم والاشتراكية (الحزب الشيوعي سابقا) ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، التي انبثقت من منظمة «23 مارس» الماركسية التي دعت في السبعينات إلى حمل السلاح.

وإثر الإصلاحات السياسية التي بادر بها الملك الحسن الثاني عام 1998، انتقلت أحزاب تحالف «الكتلة الديمقراطية» من المعارضة إلى قيادة الحكومة التي تشكلت، في إطار ما عرف باسم «التناوب التوافقي»، بمشاركة أحزاب أخرى، منها: التجمع الوطني للأحرار، وجبهة القوى الديمقراطية، الأمر الذي أفرز تحالفا جديدا تحت اسم «تحالف الغالبية الحكومية» بقيادة أحزاب الكتلة الديمقراطية. وشكلت أحزاب الكتلة النواة الصلبة للحكومة المتعاقبة منذ ذلك الوقت، وآخرها الحكومة الحالية التي يترأسها عباس الفاسي، الأمين العام لحزب الاستقلال.

غير أن حركة الاحتجاجات التي عرفها الشارع المغربي منذ فبراير (شباط) الماضي، وما أعقبها من إقرار دستور جديد وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها، شكلت منعطفا في مسار تحالف «الكتلة الديمقراطية»؛ إذ أعلنت الأحزاب الثلاثة قبل الانتخابات أنها ستدخلها في إطار تحالف الكتلة الديمقراطية، وأن مواقفها في القضايا الكبرى ستكون منسجمة في إطار الكتلة الديمقراطية وميثاقها، غير أن النتائج النهائية للانتخابات أدت إلى ما يشبه انفراط التحالف.

كانت الأحزاب الثلاثة قد قررت قبل الانتخابات أن تنسق مواقفها في جميع الأحوال بشأن المشاركة في الحكومة أو الانتقال إلى المعارضة، لكن بات من المؤكد الآن أنها لم تكن سوى «أمنيات». وبعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، اتضح أن حزب الاستقلال حافظ نسبيا على موقعه داخل الخارطة السياسية؛ إذ بعد حصوله في انتخابات 2002 على 14.77% من المقاعد، ارتفعت حصته في انتخابات 2007 إلى 16%، قبل أن تنخفض إلى 15.2% في الانتخابات الأخيرة.

أما حزب الاتحاد الاشتراكي، فعرفت نتائجه تدهورا ملحوظا في نتائجه الانتخابية؛ إذ هبطت حصته من مقاعد البرلمان من 15.38% في 2002، إلى 11.69% في 2007، قبل أن تتراجع إلى 9.87% في الانتخابات الأخيرة.

في حين انخفضت حصة حزب التقدم والاشتراكية من 5.2% في 2007 إلى 4.6% من مقاعد البرلمان في الانتخابات الأخيرة.