سفير بريطانيا في طهران بعد عودته: الهجوم على السفارة كان مدبرا من الدولة

دبلوماسي قام بتحصين باب مكتبه بخزانة ثقيلة وسرير وثبت نفسه قبالة الحائط قبل القبض عليه

دومينيك تشيلكوت
TT

بعد عودته إلى لندن، روى السفير البريطاني لدى إيران، دومينيك تشيلكوت، تفاصيل مشهد الرعب الذي واجهه مع عدد من الدبلوماسيين والموظفين، حينما هاجم مجموعة من الطلاب الإيرانيين مبنى السفارة في طهران، الثلاثاء الماضي.

وفي ذروة أعمال العنف التي اندلعت بعد ظهر الثلاثاء، أجبر تشيلكوت الشخصية البارزة في وزارة الخارجية، الذي لم يكد يمضي على وجوده في إيران شهر بالكاد، إلى الاختباء في غرفة في الطابق العلوي بينما دمر المتظاهرون صورا لملوك بريطانيا ورسوما غرافيتية معلقة على الجدران في الطابق السفلي. وقال تشيلكوت لصحيفة «ديلي تلغراف»: «كان باستطاعتنا سماعهم وهم يحاولون تحطيم الأبواب والمباني بالأسفل، بعدما قام مسؤولي الأمن البريطانيين بعملية إخلاء طارئ لكل العاملين في المبنى. لم يتمكنوا من الدخول إلى القسم الخاص بنا من المبنى إلا في مرحلة ما، حيث دخلوا إلى «مكاتبنا القنصلية وأضرموا فيه النيران. وفي النهاية تصاعدت الأدخنة والنيران إلى ردهة الطابق الثالث وهو ما أجبرنا على الخروج».

وأعرب تشيلكوت عن اعتقاده بأن الهجوم على السفارة كان منظما تنظيما جيدا، وكان مدعوما من قبل الحكومة الإيرانية، وأضاف أن «إيران ليست ذلك النوع من البلاد التي تتجمع فيها مظاهرة بصورة عفوية ثم تهاجم سفارة أجنبية، وهذا النوع من النشاط لا يتم فقط إلا بموافقة ودعم من الدولة».

وتشير المصادر البريطانية إلى أن تشيلكوت كان في مقدوره الهروب من مبنى السفارة إلى مكان آمن سابق التجهيز، لكن موظفيه لم يكونوا على نفس الدرجة من الحظ. كانوا هم في منطقته الآمنة، وقام بتحصين الباب بخزانة ثقيلة وسرير، وثبت نفسه قبالة الحائط. وعلى مدى 45 دقيقة كان يسمع أصوات الأفراد يحطمون الباب والنوافذ ويحاولون الدخول إلى الغرفة، لأنهم كانوا يعلمون أنه بالداخل. كانت تلك تجربة مخيفة للغاية، وفي النهاية انهار الباب وقبضوا عليه».

ومع ستة آخرين من موظفي السفارة تم أخذ الدبلوماسيين كرهائن لفترة وجيزة من قبل المتظاهرين وتم اصطحابهم إلى مبنى آخر، وأجبروا على الجلوس صامتين، وتم التعامل مع البعض منهم بفظاظة إلى أن تم تحريرهم في النهاية. وقد صرح مسؤول بارز بوزارة الخارجية بأن أيا من الدبلوماسيين الذين احتجزوا لم يعانِ من جراح خطيرة.

وكان طلاب من قوة الباسيج حاصروا السفارة الأميركية في عام 1979 واحتجزوا رهائن أميركيين عدة شهور، مما أدى إلى نهاية عهد رئاسة جيمي كارتر. ويرى محللون بريطانيون أن السبب وراء تجنب أزمة دبلوماسية كبيرة هذه المرة هو أن الشرطة الإيرانية التي لم تقم في البداية بأي شيء لمنع المتظاهرين من اجتياح المبنى، وجهت إليهم أوامر في وقت متأخر بالتصرف وإخراج المتظاهرين وضمان أمن الدبلوماسيين البريطانيين.

ويعتقد محللون أن الشرطة كانت تتصرف بناء على أوامر من مسؤولين موالين للرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي لم يكن راغبا بعد في إثارة أزمة أخرى مع الغرب، في وقت تتعرض فيه إيران لضغوط مكثفة بشأن برنامجها النووي المثير للجدل. لكن الأزمة كان من الممكن أن تدخل منعطفا آخر بكل سهولة، خاصة إذ اعترض متشدد، مثل قاسم سليماني، رئيس قوة القدس الإيرانية، جناح الحرس الثوري شبه العسكري القوي التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي يدين بالولاء لآية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للبلاد والخصم السياسي اللدود لأحمدي نجاد، طريقهم.

فكونه قائد قوة النخبة في قوة القدس، التي يتمثل هدفها الرئيس في تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العالم الإسلامي، كان ذلك كفيلا بأن يجعل سليماني، البالغ من العمر 52 عاما، يدشن أزمة رهائن أخرى في الشرق الأوسط.

وكانت بداية معرفة الغرب بسليماني في أثناء التمرد المرير الذي اندلع في العراق عقب الإطاحة بنظام صدام حسين، عندما أيد فيلق القدس ودعم بنشاط الميليشيات الشيعية في حربهم ضد القوات الأميركية والبريطانية، حيث كان نحو 30 ألفا من المسلحين العراقيين يتلقون رواتب من فيلق القدس في ذروة التمرد، كما شكل الفيلق تحالفا قويا مع مقتدى الصدر، رجل الدين العراقي المتشدد الذي قاد هذا الهجوم على القوات الأميركية.

إلى ذلك، قررت فرنسا خفض عدد موظفي سفارتها في طهران «مؤقتا كإجراء وقائي»، بعد مهاجمة وإغلاق السفارة البريطانية، مما أثار موجة استياء دولي وأحرج النظام الإيراني. وقال دبلوماسي فرنسي إن هذا الإجراء يشمل قسما من الموظفين الدبلوماسيين، وكذلك عائلات كل الموظفين الرسميين الفرنسيين العاملين في طهران، الذين سيطلب منهم مغادرة إيران في الأيام المقبلة، مؤكدا أنه لا يشمل في المقابل أفراد الجالية الفرنسية.

وأوضح المصدر نفسه «أنه إجراء وقائي» بعد الهجوم الذي تعرضت له الثلاثاء مبان عدة تابعة للسفارة البريطانية بأيدي مئات من طلاب ميليشيا الباسيج التابعة للنظام. ولم تشأ السفارة الفرنسية في طهران أن تحدد العدد الدقيق للأشخاص ولا للأجهزة المعنية بهذا الخفض للموظفين، الذي يمكن أن يشمل أكثر من نصف نحو ثلاثين شخصا يحملون جوازات سفر دبلوماسية في طهران. وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فإن التدبير سيشمل في الأساس الموظفين الإداريين وموظفي المركز الثقافي والمكتب الاقتصادي والمدرسة الفرنسية في طهران. ولم تصدر أي تعليمات خاصة بمغادرة طهران لنحو 700 فرنسي يقيمون في إيران.

ومنذ عامين، تخوض فرنسا حملة إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا لدفع المجتمع الدولي إلى عزل إيران عبر عقوبات اقتصادية وسياسية لإجبارها على التخلي عن برنامجها النووي. وندد مجلس الأمن الدولي بهذا البرنامج المثير للجدل في ستة قرارات أصدرها، فيما فرضت الدول الغربية العام 2010 حظرا اقتصاديا وماليا شديدا على إيران. وهوجمت السفارة البريطانية في العاصمة الإيرانية إثر إعلان لندن تشديد هذا الحظر، وذلك غداة قرار لمجلس الشورى الإيراني بخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا.

وللمرة الأولى، انتقد أحد أبرز المراجع الدينية الإيرانية السبت الهجوم على السفارة البريطانية من قبل عناصر ميليشيا إسلامية، معتبرا أن الهجوم لم يتم بموافقة المرشد الأعلى للجمهورية وقد يكلف البلاد «ثمنا غاليا». وجاء في بيان لآية الله العظمى ناصر مكارم شيرازي، نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، «ما من شك في أن بريطانيا هي أحد أقدم أعداء إيران.. لكن لا ينبغي للثوار الشباب أن يتجاوزوا القانون».

وأضاف شيرازي المقرب من التيار المحافظ المتشدد المهيمن على النظام: «أحيانا يمكن أن تؤدي أفعال غير قانونية يقوم بها شبان تحت تأثير العاطفة، إلى توفير ذريعة للعدو (لرد الفعل) الذي يجعلنا لاحقا ندفع ثمنا غاليا»، وتابع: «أطلب منهم عدم انتهاك القانون وعدم التحرك من دون إذن المرشد الأعلى» آية الله علي خامنئي. وكانت وزارة الخارجية الإيرانية أعربت عن «الأسف» إثر الهجوم. في المقابل برر رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني الهجوم باعتباره ردا على «سياسة الهيمنة» البريطانية.

من جانبه، اعتبر مساعد وزير الخارجية الإيراني المكلف الشؤون القنصلية حسن قشقاوي في تصريحات لقناة «جام اي جام» الإيرانية الخاصة، أن مستقبل العلاقات مع لندن «غامض». وأوضح أن إيران أنشأت «لجنة» مكلفة تقديم دعم من الخارج للإيرانيين المقيمين في بريطانيا، البالغ عددهم ما بين 200 ألف و300 ألف إيراني قد يتضررون بفعل إغلاق السفارة الإيرانية. وقال: «هذه الخطوة البريطانية بادرة غير مسؤولة بتاتا حيال المهاجرين».