راؤول.. رمز الجيل الجديد لسلالة غاندي الحاكمة في الهند

رفضه التملق السياسي وقربه من الفقراء أكسباه مصداقية لكنهما أضرا بصورته كقائد محتمل

راؤول غاندي
TT

تولى جده الأكبر وجدته ووالده مقاليد الحكم في الهند لمدة 37 عاما، في معظم فترة ما بعد الاستقلال. لكن لم يشغل أي فرد من سلالة نهرو-غاندي منصب رئيس الوزراء منذ أكثر من 20 عاما، ويتساءل الهنود ما إذا كان راؤول غاندي يتمتع بالمقومات الأساسية المطلوبة للسير على نهج سلالة غاندي الحاكمة – وتولي منصب رفضته أمه إيطالية المولد، سونيا.

يعد غاندي، 41 عاما، أكثر الساسة الذين تسلط عليهم الأضواء في الهند اليوم. وينظر إلى راؤول غاندي، الذي تلقى تعليمه في الغرب وابن حفيد أول رئيس وزراء للهند، جواهر لال نهرو، وحفيد أنديرا غاندي، وابن راجيف غاندي، من قبل معجبيه على أنه تجسيد للهند الحديثة الشابة، لكنه يتعرض لانتقادات من قبل خصومه باعتباره تجسيدا لفكرة الامتيازات الموروثة.

في الشهر الماضي، مع معاناة والدته من مرض خطير لم يتم الكشف عنه، خاض غاندي أكبر اختبار في مسيرة حياته السياسية، من خلال سعيه لإحياء الأمجاد السياسية لحزب المؤتمر الحاكم هنا في ولاية أوتار براديش النامية الشاسعة، التي يبلغ تعداد سكانها 200 مليون نسمة. إنها لحظة تدعو لعقد مقارنات بوالده ومثله الأعلى، الذي اغتيل في عام 1991، وبجدته صاحبة الإرادة الحديدية التي اغتيلت قبل اغتيال والده بسبع سنوات، بل وحتى بجده الأكبر المبجل. ومع دخوله في أحد أشد المعارك السياسية سخونة، تراود الكثيرين تساؤلات حول ما إذا كان هذا الرجل المخلص المتحفظ بعض الشيء على مستوى المهمة أم لا.

«عصابات المافيا والمجرمون يمثلونكم الآن»، هذا ما قاله في مؤتمر جماهيري أقيم الأسبوع الماضي لتدشين حملة حزب المؤتمر الدعائية لانتخابات العام المقبل، طالبا من الشباب مشاركته غضبه من الساسة الذين جعلوا من الولاية نموذجا للفساد والفوضى. وأضاف: «الآن، يجب أن يظهر جيلكم ويقف ضد هذا».

وكان الآلاف قد احتشدوا لمشاهدته يتحدث، وسادت حالة من الاهتياج مع هبوط طائرته الهليكوبتر على الأرض، وامتدت الأعناق مع انبعاث سحابة من الغبار الأصفر من الموتور. غير أن غاندي يفتقر إما إلى الحضور الطبيعي لنهرو أو المهارات الخطابية لأنديرا – ذهب خطابه الصادر عن حسن نية سدى، حيث فشل في انتزاع الضحكات أو إثارة الغضب أو إحداث أي تأثير خلاف استحسان بسيط من جانب جمهوره المتعاطف معه بدرجة كبيرة.

وبالفعل، منذ أن أصبح عضوا في البرلمان قبل سبعة أعوام، ظهر غاندي بمظهر الشخص المتحفظ، مفضلا زيارة القرى وقضاء ساعات في الحديث إلى الفقراء عن إلقاء خطب أمام البرلمان أو الإدلاء بتصريحات موجزة لوسائل الإعلام الهندية. وقد رفض معاونوه طلب صحيفة «واشنطن بوست» إجراء مقابلة معه.

ورفض عرضا من رئيس الوزراء، مانموهان سينغ، بتولي منصب وزاري قبل عامين، كما رفض حتى الآن مطالبات من قبل أنصاره ومتملقيه بتخفيف بعض الأعباء عن كاهل والدته بتولي منصب «الرئيس العامل» لحزب المؤتمر.

وقد صدمت سونيا الشعب الهندي برفضها تولي منصب رئيس الوزراء بعد أن قادت حزب المؤتمر إلى الفوز في عام 2004، غير أنها حظيت بتأييد كثير من الهنود من خلال القرار الحكيم الذي اتخذته بـ«التخلي عن منصبها»، حتى مع بقائها أكثر السياسيين تأثيرا كرئيسة لحزبها ولحكومة الائتلاف الحاكم.

لكن رفض ابنها تولي زمام السلطة المعروضة عليه كان له تأثير سلبي، حيث أدى هذا إلى شهرته بلقب «الأمير المتردد» على سبيل السخرية. وفي واقع الأمر، فإن الشعور بأنه يفتقر المقومات اللازمة ليصبح قائدا عظيما يجعل الكثير من العاملين بحزب المؤتمر يأملون في أن تقتحم شقيقته الصغرى، بريانكا، صاحبة الشخصية الأكثر جاذبية وتلقائية، مجال السياسة.

على مدار عقدين، اعتاد أهل ولاية أوتار براديش التصويت اعتمادا على طوائفهم الاجتماعية وهوياتهم الدينية، ورفضوا النهج العلماني الشمولي الذي يمثله حزب المؤتمر وأسرة غاندي. ونتيجة لذلك، عجزت الولاية عن جني ثمار الانتعاش الاقتصادي في الهند.

ويحاول غاندي إقناعهم بأن الوقت مناسب لإقامة حكومة ولاية «لكل الناس ومن كل الناس»، حكومة تدرج ولاية أوتار براديش في سياق الاتجاه الاقتصادي السائد في الهند. ويقوم غاندي بذلك عن طريق إحياء ذكرى أجداده، مطلقا حملته من الدائرة الانتخابية القديمة لنهرو في ذكرى مرور 122 على ميلاده. وإذا حقق غاندي مكسبا انتخابيا لحزب المؤتمر في أوتار براديش، سيكون مصدر إلهام للعاملين بالحزب بمختلف أنحاء البلاد.

ويرى مؤيدو غاندي أن تحفظه الواضح يعكس حقيقة أنه، على عكس العديد من الساسة الهنود، ليس طامعا في السلطة في حد ذاتها. فقد عكف الرجل المنظم صاحب المبادئ، والذي يفتقر في الوقت نفسه للقدرة على القيام بعدة مهام في آن واحد، على العمل بهدوء من أجل إضفاء الطابع الديمقراطي على حزب المؤتمر من الداخل بإجراء انتخابات على المناصب الرئيسية في جناح الشباب بالحزب. وقد ألم بمعظم الخبرات التي اكتسبها من زياراته لقرى الهند. ويؤكد على أن تلقيه التعليم بكلية رولينز في فلوريدا وكلية ترينتي في كمبريدج بإنجلترا – وعمله لسنوات عديدة مستشارا إداريا، لا يمثل أي قيمة مقارنة بفرص التعرف على مشكلات الفقراء من خلال الاحتكاك المباشر بهم. وقال راؤول في مؤتمر جماهيري في باهولبور: «قضيت ليالي في أكواخهم وتناولت طعامهم؛ وشربت المياه الملوثة من آبارهم وأصابني المرض. لكن ما لم أشرب تلك المياه الملوثة وأمرض، كيف أتعرف أو يتعرف غيري على نوعية الحياة التي تعيشها تلك الطبقات الفقيرة؟».

ربما يسخر منه معارضوه لكونه متحدرا من طبقة النخبة، بل ويزعمون أنه تناول «شرابا خاصا» لتطهير معدته بعد زيارته منازل تلك الطبقات الفقيرة، لكن في باهولبور، يبدو أن جهوده للظهور بمظهر رجل الشعب آتت بثمارها. وقال كثيرون إنهم يقدرون «بساطته» و«تفانيه». غير أنه في سياق رد الفعل البسيط تجاه خطابه، كانت هناك إشارة للمعركة التي يواجهها في إصلاح الصورة المشوهة لحزب المؤتمر بمختلف أنحاء الدولة. «الفساد والتضخم هما أكثر أمرين نهتم بهما»، هذا ما قالته تابسيا ديواركار، هي طالبة بكلية الطب عمرها 24 عاما عن همهمات بالموافقة من أفراد محيطين بها. وأضافت: «لهذا، لا نحب الساسة، ومن ثم لم نكن مبتهجين».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»