العالم المصري فاروق الباز: نظام مبارك قضى على بذور القيادة والنبوغ

قال في حوار مع «الشرق الأوسط»: لا يمكن للديمقراطية أن تزدهر إلا في وجود حكم مدني

د.فارق الباز
TT

قال العالم المصري الدكتور فاروق الباز إن نظام الرئيس السابق حسني مبارك قضى على كل بذور القيادة والنبوغ، ويرى أن مصر الآن تحبو وعليها أن تبدأ من الصفر لتستعيد مكانتها العربية والعالمية.

واعتبر العالم المصري، (73 عاما)، الذي يشغل منصب مدير مركز تطبيقات الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن بالولايات المتحدة الأميركية، أن الموجة الثانية من الثورة المصرية التي انطلقت عقب «جمعة المطلب الوحيد» يوم 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ضرورية جدا للثورة، مدللا كلامه على أن «المجلس العسكري (الحاكم في مصر) كان يدير البلاد خلال الفترة الأخيرة وكأن شيئا لم يحدث يوم (25 يناير)»، موضحا أن «تعامل القوات المسلحة مع الأحداث الأخيرة بميدان التحرير بوسط القاهرة، ذكرنا بطريقة تعامل العسكر مع المصريين عام 1952».

وكشف الدكتور الباز، الذي عمل لمدة أربع سنوات مستشارا علميا للرئيس الأسبق أنور السادات، أنه انضم لحزب المصريين الأحرار الذي أسسه رجل الأعمال المسيحي نجيب ساويرس، «لأنه أول حزب تأسس بعد الثورة وليست له أي جذور في النظام السابق، وشاركني الفكر في أن التعليم هو الأمل الوحيد لمصر».

وأوضح العالم المصري، الذي حاورته «الشرق الأوسط» عبر البريد الإلكتروني، بمناسبة تكريمه من جامعة ميزوري للعلوم والتكنولوجيا مؤخرا، أنه لا يمكن للديمقراطية أن تزدهر إلا في وجود حكم مدني وحرية تعبير، مضيفا: «كنت على يقين أن الوضع المزري في العالم العربي، لا بد أن يتغير؛ لكني لم أتوقع أن أرى التغيير في حياتي».

ويرى الدكتور الباز، الذي زار ميدان التحرير والتقي شباب الثورة كي يحفزهم، أن شباب ميدان التحرير كانوا يتحدثون بصوت واحد؛ لكنهم سمحوا للجميع بما في ذلك المتطرفون دينيا بالتعبير عنهم، لافتا إلى أن ممر التنمية هو المشروع الوحيد الذي يمكن أن يحل الأزمة التي ستعانيها مصر بتوسيع الرقعة الزراعية.

ونوه الدكتور الباز، الملقب بـ«الملك» في وكالة ناسا الأميركية، الذي ولد عام 1938 في أسرة ريفية بقرية طوخ الأقلام مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية (120 كم شمال القاهرة)، إلى أنه يقوم حاليا باستكمال أوراق تسجيل مؤسسة «شباب التعليم» للنهوض بالتعليم المصري، رافضا فكرة العودة والاستقرار من جديد في مصر، بقوله: «أعتقد أنني أفيد مصر بغض النظر عن موقع عملي.. ولا يهم هل أعيش هنا أو هناك».. وفي ما يلي نص الحوار:

* كيف ترى الوضع الآن في مصر؟

- سعيد جدا بمصر الآن لأنها على أول طريق السداد، وخاصة أن مصر قد عاشت خلال العقود الثلاثة الماضية كأنها في كوكب آخر، لا تعي بما يدور من حولها.. وثورة «25 يناير» التي أطاحت بالنظام السابق سوف تؤهل مصر للعودة لمكانة تليق بها رويدا.

* وكيف رأيت الموجة الثانية من الثورة التي انطلقت عقب جمعة المطلب الوحيد يوم 18 نوفمبر الماضي؟

- هذه الموجة الثانية كانت ضرورية جدا للثورة، فالمجلس العسكري (الحاكم في مصر) كان يدير البلاد في الفترة الأخيرة وكأن شيئا لم يحدث يوم 25 يناير الماضي.. فالجيش ليس من حقه إدارة الحياة المدنية في مصر بعد الآن.. ولقد ذكرنا تعامل القوات المسلحة مع الأحداث الأخيرة بطريقة تعامل العسكر مع المصريين عام 1952 الذي أدي إلى تدهور الأوضاع بالبلاد، وأعتقد أنه حان الوقت الآن لأن يحكم الشعب نفسه وأن تتاح الفرصة للجيل الجديد، ومع التذكير بقطع دابر النظام السابق.

* من وجهة نظرك.. كيف تعبر مصر إلى الديمقراطية؟ وهل يمكن تسمية شخص يقوم بهذا العبور؟

- لا يمكن للديمقراطية أن تزدهر؛ إلا في وجود حكم مدني وحرية تعبير.. وبالطبع يمكن لمصر أن تتعلم الديمقراطية وشباب التحرير أثبتوا ذلك، فقد كانوا يتحدثون بصوت واحد؛ لكنهم سمحوا للجميع، بما في ذلك بعض المتطرفين دينيا، بالتعبير عن رأيهم. وأري أن الأسماء ليست مهمة الآن لقيادة مصر الآن، وأي شخص أو مجموعة قادرة على قيادة البلاد دون إشراف عسكري، ويمكنهم بالعبور بمصر إلى الأمان ونسيان سنوات مبارك الكارثية.

* عايشت ثورتين في تاريخ مصر.. ويعتقد البعض أن ثورة 1952 حققت ما لم تحققه ثورة يناير.. فما رأيك؟

- بدأت ثورة عام 1952 في نظري يوم 26 يناير من نفس العام (أي عام 1952)، كانتفاضة شبابية ضد المستعمر الإنجليزي، وقام الجيش بحركته لتحقيق مكاسب الثورة بعد ستة أشهر من نفس العام. وفي حقيقة الأمر قضت ثورة 1952 على الحريات الشخصية ومعها الديمقراطية لصالح الحاكم، والعكس صحيح في ثورة يناير عام 2011، حيث انتفض المصريون لإسقاط نظام الحاكم المستبد وتأهيل الدولة للديمقراطية.

* وهل ترى أن مصر تفتقد القائد الكاريزما الذي يقود البلاد نحو المستقبل؟

- نعم، لقد قضى نظام الرئيس السابق حسني مبارك على كل بذور القيادة والنبوغ، وخسرت مصر موقعها المتميز في الوطن العربي وفي قارة أفريقيا والعالم أجمع، ولا بد أن تبدأ مصر الآن من الصفر وكأنها تحبو لتستعيد مكانتها العربية والعالمية.

* برأيك، ما الذي تحتاجه مصر لتصبح من الدول المتقدمة؟

- تحتاج مصر إلى مشروع طويل المدى لإصلاح التعليم بكل مراحله، بدءا من محو الأمية مرورا بالتعليم الفني إلى الجامعات والدراسات العليا، فلا بد من الاهتمام بالتعليم كما فعلت كل الدول التي تقدمت في نصف القرن الماضي. كما أنه لا بد لنا أن نعيد احترام العلم والمعرفة والولاء لمهنة التعليم.

* تنبأت بحدوث تغييرات في الوطن العربي.. هل ترى أن الربيع العربي سيحصد ثماره؟

- نعم، كنت على يقين أن الوضع المزري في العالم العربي، لا بد أن يتغير؛ لكني لم أكن أتوقع أن أرى التغيير في حياتي. وبالفعل قامت ثورات الربيع العربي في كل الدول العربية.

* ذكرت أن أرض مصر الخضراء ستصبح كتلا أسمنتية وعدد السكان سوف يتضاعف.. من وجهة نظرك ما أوجه الحل؟

- نعم، ذكرت أن معدل اختفاء الأرض الخصبة في وادي النيل والدلتا يقدر بنحو هو 30.000 فدان في العام الواحد، وأن استمرار هذا سوف يخفي الأراضي الخصبة بأكملها والتي تقدر بنحو 5.5 مليون فدان في 183 عاما فقط، ومع زيادة تعداد السكان، يزداد هذا المعدل، فلا بد من إيقاف هذا التدهور.

* «ممر التنمية» مشروع أثير حوله جدل واسع.. فما جدوى تنفيذه الآن؟

- مشروع «ممر التنمية» يتيح مساحة 10.5 مليون فدان أرضا مستوية غرب النيل والدلتا لاستغلالها اجتماعيا واقتصاديا، وهذا يؤهل لوقف التعدي على الأراضي الخصبة وفتح أراض جديدة، وما إلى ذلك بالقرب من مراكز التكدس السكاني الحالية. وهو المشروع الوحيد الذي يمكن أن يحل الأزمة التي ستعانيها مصر ويسمح بتوسيع الرقعة، خاصة مع الزيادة السكانية المرتقبة.

* أعلنت عن إقامة مؤسسة لمحو الأمية في مصر.. فمتى سيتم تنفيذ المشروع؟

- جار حاليا إجراءات تسجيل مؤسسة باسم «شباب التعليم»، حيث إننا لا نستطيع العمل قبل هذا التسجيل الذي تشرف عليه مؤسسات حكومية في مصر، وأعتقد أن هذا سوف يتم خلال شهور قليلة.

* منذ عام 1965، حلمت بإقامة معهد للجيولوجيا الاقتصادية.. هل تفكر في إحيائه الآن؟

- لا أستطيع في هذه السن المتقدم، (73 عاما)، البدء في مشروع مثل هذا؛ لكني أجزم بأن تلاميذي يقومون حاليا بإنشاء مراكز أبحاث متميزة في الجيولوجيا العديدة، ولكل جيل تصوراته، وهذا أمر جيد.

* ألا تفكر في العودة والاستقرار في مصر، وخاصة أنك صرحت كثيرا بأنك لم تكن تنوي الاستقرار في أميركا؟

- أعتقد أنني أفيد مصر بغض النظر عن موقع عملي، وطالما يتتلمذ على يدي جيل من أبناء مصر، فعندي الآن ثلاثة طلاب لنيل الدكتوراه من جامعات بورسعيد وقنا والأزهر.. فلا يهم هل أعيش هنا أو هناك.

* بصراحة.. سبب انضمامك لحزب المصريين الأحرار؟

- انضممت لحزب المصريين الأحرار الذي أسسه رجل الأعمال المسيحي نجيب ساويرس، لأنه أول حزب تأسس بعد ثورة «25 يناير» وليس له أي جذور في النظام السابق، بالإضافة إلى أن الحزب يشاركني الفكر في أن التعليم هو الأمل الوحيد لمصر؛ لكي تحقق آمالها في التقدم.

* وكيف ترى تكريمك الأخير من جامعة ميزوري للعلوم والتكنولوجيا؟

- أعتبر حصولي على شهادة «الخريج الأكثر تفوقا» من الجامعة التي حصلت منها على درجتي الماجستير والدكتوراه شرفا عظيما جدا.. لأن جامعة ميزوري للعلوم والتكنولوجيا.. جامعة متميزة، ومنحها لهذه الشهادة حدث فريد أعتز به كثيرا.