التدهور في العلاقات الأميركية ـ الباكستانية يبرز الفجوة بين الأهداف الدبلوماسية والأمنية

الخارجية الأميركية يتراجع دورها بسبب سيطرة الأولويات الاستخباراتية والعسكرية

TT

غذت الأزمات المتلاحقة التي شهدتها العلاقات الأميركية - الباكستانية مؤخرا التوترات داخل إدارة الرئيس بارك أوباما حول نوعية العلاقة بين الدولتين والجهة التي ينبغي أن تضطلع بهذه المهمة.

وبعد أكثر من أسبوع من الهجوم، اتصل الرئيس أوباما بالرئيس الباكستاني ليبلغه أن الحادث «داع للأسف»، رافضا تقديم الاعتذار الذي طلبه الباكستانيون.

ولم تنجح وزيرة الخارجية الباكستانية هيلاري رودهام كلينتون، التي تقود وفد الولايات المتحدة في تغيير الموقف الباكستاني خلال المحادثة الهاتفية التي أجرتها يوم السبت مع رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني.

وقد أعاق التدهور في العلاقات الباكستانية - الأميركية محاولات إدارة أوباما تحسين العلاقات الهشة بين باكستان وأفغانستان. ففي حديثه لمجلة «دير شبيغل» الألمانية عشية اجتماع بون أشار إلى أنه يعتقد أن أقرب جيران كابل يحاول تخريب فرص مفاوضات للسلام.

ويرى كثير من دبلوماسيي الخارجية الأميركية في النزاع الحدودي، أحدث الأمثلة على الانفصال بين ما وصفه أحد مسؤولي وزارة الخارجية بالأهداف الأمنية قصيرة المدى والأهداف الدبلوماسية بعيدة المدى. فقد وسعت الطبيعة العالمية للحرب ضد «القاعدة» والمنظمات الإرهابية من وجود الجيش الأميركي وعملاء الاستخبارات في دول وسفارات أميركية إلى حد زيادة أعدادهم وإنفاقهم على نظرائهم المدنيين، الذين تتضمن مهامهم أعمالا تتجاوز المهام الأمنية التي تدربوا عليها.

ويقول مسؤول بوزارة الخارجية، الذي تحدث عن المخاوف الدبلوماسية شريطة عدم ذكر اسمه: «لقد تحولت الدبلوماسية من نواح عدة إلى مفارقة تاريخية».

هذا الخلل يتضح بجلاء في باكستان، حيث تحاول إدارة أوباما دعم الحكومة المدنية الضعيفة في الوقت التي تمول وتنفق فيه بسخاء وترعى الجيش العنيد وتشن عمليات مكافحة للإرهاب عبر وجود استخباراتي موسع وهجمات بطائرات من دون طيار. وعلى الرغم من نفاد صبر الخارجية الأميركية والبنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية وعدم ثقتهم في الباكستانيين، فإن الدبلوماسيين الأميركيين أشاروا إلى أن المظاهر والمفاهيم ربما تشكل أهمية بقدر التحركات الرامية إلى تحقيق الأهداف الأميركية؛ خاصة أن أحدها إقناع المعادين بقوة الولايات المتحدة أن أميركا ترغب في تقديم العون، لا الإضرار بباكستان.

وأكد الرد الأميركي على الضربة الجوية مثالا واضحا على ذلك، فعقب تسعة أيام من الحادث، تضاربت الروايات الباكستانية والأميركية بشأن التفاصيل الرئيسية للحادث، التي تحدثت عن الطرف الذي أطلق النار أولا والفترة التي استغرقها الهجوم. ولا يتوقع أن تنشر تحقيقات البنتاغون حول الواقعة قبل الثالث والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

وأوضح السفير الأميركي كاميرون مونتر أن اعتذارا من أوباما من شأنه المساعدة في تهدئة غضب الباكستانيين نتيجة الغارة الجوية، فيما أصرت وزارة الدفاع والبيت الأبيض على انتظار التحقيق ليأخذ مجراه. ويقول دبلوماسي آخر، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: «بصرف النظر عمن يتحمل الخطأ في الاشتباك الحدودي، فإن السيادة الكاملة أمر بالغ الأهمية، لأننا نفعل بالضبط ما نريده في أراضيها، وهو ما يدفعهم إلى الجنون. وعلمهم بأنهم لا يستطيعون القيام بأي شيء حيال ذلك يدفعهم إلى مزيد من الغضب. وعندما نكون في عجلة من أمرنا، لا نكلف أنفسنا عناء التظاهر بالأسف». وتساءل مونتر بشكل أكبر من سابقيه عن توقيت هجمات الطائرات من دون طيار - يأتي ضمن ذلك تساؤلاته في أعقاب الأزمات السابقة بشأن حوادث إطلاق النار على اثنين من الجنود الباكستانيين من قبل متعاقد مع وكالة الاستخبارات الأميركية في يناير (كانون الثاني) والغارة الأميركية التي قتلت أسامة بن لادن في مايو (أيار) الماضي - وسأل البيت الأبيض توضيح ما إذا كان يحق له الاعتراض على هجمات معينة، بحسب مسؤولين سابقين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية.

من جانبها، كان لوزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية شكاواهما؛ بعضهما مع بعض ومع السفارة الأميركية، التي يعتقدون في بعض الأحيان أنها تدلل الحكومة الباكستانية الضعيفة وتتدخل في لب أهداف مكافحة الإرهاب الأميركية.

ويقول والي ناصر، الأستاذ بجامعة توفتس، الذي كان حتى العام الحالي يعمل في منصب بارز في وزارة الخارجية الأميركية متخصصا في الشأن الباكستاني: «لكن الوضع تبدل منذ يناير».وأضاف: «واسمح أن أكون أكثر تحديدا بالقول إن الأمن، ومكافحة الإرهاب، والآن أفغانستان، هي ما يجعل العلاقة المدنية شبه مستحيلة، أو غير ذات صلة».

وحتى تقاعده في سبتمبر (أيلول) الماضي كان الأدميرال مايك مولن، الذي كان رئيس هيئة الأركان المشتركة، الشخصية الأبرز في العلاقات الثنائية بين الدولتين. وكان رحلات مولن إلى باكستان لإجراء اجتماعات مباشرة مع الجنرال إشفاق كياني، أكثر مما تقوم به وزيرة الخارجية كلينتون مع الحكومة المدنية.

وعندما اتهم مولن الغاضب الجيش الباكستاني علنا بدعم الجماعات الأفغانية المتمردة في شهادته أمام الكونغرس قبل تركه منصبه، قال بعض مسؤولي وزارة الخارجية إنهم شعروا بالصدمة.

وفي زيارة تالية لباكستان في أكتوبر (تشرين الأول) أصرت كلينتون على قيادة وفد يضم مدير وكالة الاستخبارات الأميركية ديفيد بترايوس والجنرال مارتن دمسي، الذي خلف مولن في منصبه.

لكن جهود وزارة الدولة في محاولة الظهور بمظهر المسيطرة على السياسة الأميركية، قوضتها الزيارات المستمرة التي قام بها نواب في الكونغرس إلى باكستان، كل منهم يريد زيارة كياني، بحسب مسؤول في الإدارة. ويتفق الجنرال المتقاعد محمود علي دوراني، مستشار الأمن القومي الباكستاني السابق لرئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني وسفير باكستان لدى الولايات المتحدة مع هذه الحقيقة وأن الانطباع الذي تتركه في باكستان هو «أنهم سيقضون بعض الوقت مع الرئيس ثم ستكون غالبية النقاشات الجادة مع قائد الجيش». وقال دوراني: «أعتقد أن هناك قضية واحدة فقط تربط الولايات المتحدة وباكستان، ألا وهي مكافحة الإرهاب، التي تقع في قبضة المؤسسة العسكرية، الأمر الذي يشكل مشكلة في حد ذاته».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»+