قرار الاتحاد الاشتراكي الانتقال إلى المعارضة خلط الأوراق بشأن مشاورات تشكيل الحكومة المغربية الجديدة

بن كيران يتجه نحو الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري.. والتقدم والاشتراكية لم يحسم موقفه بعد

TT

يعتزم عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة المعين والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ضم كل من الحركة الشعبية (32 مقعدا)، والاتحاد الدستوري (23 مقعدا)، للحكومة التي يجري حاليا مشاورات مارثونية حول تشكيلها، وذلك بعد أن قرر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الانتقال إلى المعارضة، وأكدت مصادر قيادية داخل الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري أن اتصالات جرت معهما فعلا في هذا الشأن.

وبات من المؤكد الآن أن تحالف «الكتلة الديمقراطية»، الذي يضم الاستقلال والاتحاد الاشتراكي التقدم والاشتراكية، قد انفرط، كما انفرط «تحالف مجموعة الثمانية» الذي كان يضم ثمانية أحزاب من بينها الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، حيث قرر الحزبان قبول «مبدأ التفاوض لدخول الحكومة».

ولم يحدد بعد حزب التقدم والاشتراكية موقفه من دخول الحكومة خاصة بعد انفراط «تحالف الكتلة الديمقراطية». وكان حزب العدالة والتنمية تحدوه رغبة قوية في تشكيل الحكومة الجديدة مع أحزاب الكتلة الثلاثة، قبل أن يفاجئه الاتحاد الاشتراكي بقراره الانتقال إلى صفوف المعارضة بعد أن ظل مشاركا في الحكومات المتعاقبة منذ عام 1989.

وانتقد محمد الخليفة، عضو اللجنة التنفيذية والقيادي البارز في حزب الاستقلال قرار الاتحاد الاشتراكي، وقال إن القرار كان «مؤلما» له، وأنه كان يتمنى لو أن المباحثات تواصلت بين أحزاب الكتلة لاتخاذ قرار يتلاءم مع المرحلة السياسية الحالية التي تتميز بانتقال سياسي وإفراز أقطاب سياسية واضحة.

من جهته، قال عبد الله بها، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية: «كنا نريد تشكيل الحكومة مع الكتلة كلها (أي بأحزابها الثلاثة)»، وأضاف: «عرضنا على حزب الاتحاد الاشتراكي المشاركة في هذه الحكومة، ولكنه اتخذ قراره بعدم المشاركة، وهذا حقه، ونحن نحترم قراره»، مبرزا أن حزب العدالة والتنمية سيتابع مشاوراته مع الأحزاب الأخرى من أجل تكوين أغلبية حكومية، حسب المعطيات المتوفرة. وقال عبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة للحزب لـ«الشرق الأوسط»، إن قرار حزب الاتحاد الاشتراكي الخروج إلى المعارضة لم يكن عاديا ولا متوقعا، مشيرا إلى أن الحزب سيعلن اليوم عن موقفه النهائي من هذا الموضوع. وحول توقعاته لشكل التحالفات المقبلة، قال حامي الدين: «الأمور واضحة الآن، فباستثناء الاتحاد الاشتراكي، ستظل المشاورات مفتوحة مع الأحزاب الأخرى».

ويبقى أمام حزب العدالة والتنمية عدة سيناريوهات، منها التحالف مع الاستقلال، والحركة الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية ليحصل على 217 مقعدا، أي ما يمثل 55 في المائة من مجموعة مقاعد مجلس النواب.

ومع احتمال رفض التقدم والاشتراكية المشاركة في التحالف بعد قرار حزب الاتحاد الاشتراكي الخروج إلى المعارضة، شرع العدالة والتنمية في إجراء اتصالات مع حزب الاتحاد الدستوري أحد أعضاء «التحالف من أجل الديمقراطية» ليحصل على ما مجموعه 222 مقعدا، أي ما يمثل 56 في المائة من مجموع مقاعد مجلس النواب. وفي هذا السياق، قال محمد أبيض، الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري، لـ«الشرق الأوسط» إن لقاء سيعقد اليوم مع رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، وقال: «سنستمع إليه، ولكن يجب انتظار اجتماع هيئات الحزب قبل أن نتحدث عن المشاركة أو عدم المشاركة في الحكومة»، مشيرا إلى أن الهيئات التقريرية داخل الحزب هي التي ستتخذ القرار المناسب، بيد أنه أكد أن حزبه لم يسبق أن أعلن عن رفضه التحالف مع العدالة والتنمية أو المشاركة في الحكومة. ومن جهته، أكد محند العنصر لـ«الشرق الأوسط» وجود اتصالات مع بن كيران، وقال: «سنستمع إليه ثم نعود للمكتب السياسي لنقرر»، وأضاف العنصر أن العلاقات بين الحزبين كانت دائما جيدة، سواء عندما كان حزب الحركة الشعبية في المعارضة أم بعد مشاركته في الحكومة المنتهية ولايتها.

على صعيد موقف حزب التقدم والاشتراكية من الانضمام إلى الحكومة الجديدة، قال كريم تاج، عضو المكتب السياسي للحزب لـ«الشرق الأوسط»: «الأمر لم يحسم بعد، ونحن نجري مشاورات في هذا الصدد»، وزاد: «موقفنا نحن من سنحدده، وبالتالي فإن موقف حزبي الاستقلال (المؤيد للمشاركة) أو الاتحاد الاشتراكي (المعارض) لن يكون له تأثير على موقفنا».

ومند تعيينه، أعلن بن كيران تفضيله للتحالف مع أحزاب الكتلة الديمقراطية، التي تضم حزب الاستقلال (60 مقعدا في البرلمان) والاتحاد الاشتراكي (39 مقعدا) بالإضافة إلى حزب التقدم والاشتراكية (18 مقعدا). وبينما صادقت اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال على المشاركة في حكومة بن كيران، قرر المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي الانتقال إلى المعارضة والقيام بمهمة إعادة اليسار المغربي في أفق الانتخابات المقبلة. أما حزب التقدم والاشتراكية، الذي فضل انتظار قرار حليفيه الكبيرين في الكتلة، فيرتقب أن يكون اجتماع لجنته المركزية المقرر في غضون هذا الأسبوع ساخنا، ومن الصعب التكهن بالطرف الذي سيفرض رأيه خلال هذا الاجتماع، المدافعون عن المشاركة في الانتخابات أم المطالبون بالانتقال إلى المعارضة؟

يبقى المرشح الأقوى لأخذ مكان الاتحاد الاشتراكي في الأغلبية هو حزب الحركة الشعبية (32 مقعدا)، الذي تجمعه بحزب العدالة والتنمية علاقات تاريخية، كونه يشكل امتدادا لحزب الحركة الشعبية الدستورية التي انشقت عن حزب الحركة الشعبية في سنة 1966، بقيادة الدكتور عبد الكريم الخطيب. ونشأ حزب العدالة والتنمية من تحالف حزب الحركة الشعبية الدستورية مع جماعة الإصلاح والتوحيد الأصولية، الذي قرر أمينه العام ومؤسسه الراحل، عبد الكريم الخطيب، أن يفتح أبواب حزبه أمام المنتسبين إليه في 1996، لتشكيل أول حزب إسلامي في المغرب، في الوقت الذي انتقل فيه حزب الاتحاد الاشتراكي من المعارضة إلى قيادة حكومة التناوب التوافقي.

أما الاتحاد الدستوري، فهو حزب ليبرالي أسسه المعطي بوعبيد في سنة 1983، الذي كان آنذاك يتولى رئاسة الحكومة، في مرحلة حرجة، حيث كان المغرب يخضع لتوجيهات صندوق النقد الدولي في إطار التقويم الهيكلي. وفاز الاتحاد الدستوري بالأغلبية الساحقة في أول انتخابات يشارك فيها غداة تأسيسه، التي جرت في 1984.

ولم يستبعد عضو قيادي في «العدالة والتنمية» أن تشمل المشاورات حزب التجمع الوطني للأحرار (52 مقعدا)، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «على الرغم من إعلانهم وقوفهم في المعارضة، فإن المشاورات ستشملهم، خاصة أنهم يتوفرون على كفاءات متميزة يمكن أن تلعب دورا إيجابيا في الحكومة».