باريس تفتح أبوابها أمام ميقاتي بعد قراره تمويل المحكمة الدولية

الأمم المتحدة تقوم بمراجعة «استراتيجية» لدور اليونيفيل في جنوب لبنان

TT

فتحت باريس أبوابها أمام رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بعد الخطوة التي اتخذها والمتمثلة بتحويل الحصة المتوجبة على لبنان في عام 2011 للمحكمة الدولية المنوط بها محاكمة المسؤولين عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري ورفاقه في شهر شباط (فبراير) عام 2006.

وتمثل ذلك في الرسالة الموجهة من رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون إلى ميقاتي والتي نقلها إليه سفير فرنسا لدى لبنان دوني بيتون. ورغم التكهنات المتكاثرة في لبنان حول تاريخ إتمام الزيارة والتي تشير أكثريتها إلى حصولها في النصف الثاني من الشهر القادم، فإن باريس رفضت إعطاء أي موعد مكتفية بالقول إن «العمل جار على تحديد موعد للزيارة».

وكان من الطبيعي أن يمتنع الناطق باسم الخارجية برنار فاليرو، أمس، لدى سؤاله عما إذا كانت هناك علاقة مباشرة بين دفع لبنان المتوجب عليه للمحكمة ودعوة ميقاتي رسميا لزيارة فرنسا عن الاعتراف بمثل هذا الرابط ما كان سيفهم على أنه فرض «شروط مسبقة» على مجيء ميقاتي إلى باريس في الوقت الذي تؤكد فيه فرنسا، بمناسبة وبغير مناسبة، أنها «صديقة للبنان ولكل اللبنانيين». واكتفت الخارجية بالقول إن باريس «دعت وألحت على لبنان أن ينفذ التزاماته إزاء المحكمة الخاصة» وأن يظهر «تمسكه بعدم الإخلال بواجباته» الدولية فضلا عن تمسك فرنسا بالمحكمة تماما كتمسكها بسيادة لبنان واستقراره وسلامة أراضيه.

غير أن مصادر واسعة الإطلاع في باريس أفادت أن فرنسا «لم يكن بوسعها دعوة ميقاتي لزيارتها طالما لم يف بالوعود التي قطعها لباريس ومنها لوزير الخارجية آلان جوبيه» خلال لقائهما بمناسبة مؤتمر دعت إليه باريس عن ليبيا. وكان جوبيه قال في حديث خص به «الشرق الأوسط» في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن ميقاتي «التزم أمامه» بتمويل المحكمة وإنه لفت نظره إلى أن هذه المسألة «بالغة الأهمية بالنسبة لفرنسا وسيكون لها انعكاسات على علاقاتنا مع لبنان في حال أخل لبنان بالتزاماته». وأضاف جوبيه أنه «باستطاعتك القول» إن فرنسا «تنبه» لبنان لضرورة التقيد بالتمويل ولضرورة تمديد العمل للمحكمة عندما يحين ذلك في الربيع القادم ما يعني أن الموضوع سيعود إلى بساط البحث في الأشهر الثلاثة القادمة وبالقوة عينها. وبحسب هذه المصادر، فإن اجتياز عقدة التمويل «أزال العقبات» من درب ميقاتي إلى باريس الذي أصبح «سالكا».

ومنذ البداية، أبدت العاصمة الفرنسية تحفظها إزاء رئيس الحكومة وإزاء إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري واكتفت بالحد الأدنى عند تشكيل الحكومة رابطة بأي حال حكمها عليها بـ«أدائها» وخصوصا ما يتعلق بمصير المحكمة. ولم يقم ميقاتي بما درج عليه سابقوه حيث كانت باريس محطتهم الخارجية الأولى بعد وصولهم إلى السرايا الكبيرة. غير أن الأمور أخذت تتطور إيجابيا بالنسبة لميقاتي رغم «الصدمات» التي أصابت الجانب الفرنسي من تعاطي لبنان مع الملف السوري في مجلس الأمن الدولي وفي إطار الجامعة العربية كذلك في تعاطيه مع موضوع ملاحقة المتهمين الأربعة في قضية اغتيال الحريري. ومع ذلك، فإن باريس كانت «تغض الطرف» بسبب ما تعتبره «الوضع الخاص» للبنان ولتيقنها من أن «وجود حكومة أفضل من عدم وجودها» خوفا من الفراغ المؤسساتي وما يمكن أن يستتبعه من أزمات سياسية وربما تدهور أمني في الداخل وفي منطقة عمليات القوة الدولية.

وكان لافتا استقبال الرئيس ساركوزي لسعد الحريري قبل أكثر من أسبوع في قصر الإليزيه حيث كان موضوع المحكمة على رأس الملفات التي تم بحثها. ولا تستبعد المصادر المشار إليها أن تفتح زيارة ميقاتي «سجالا» في بيروت بسبب مواقف فرنسا المتشددة من الموضوع السوري حيث تعتبر باريس الطرف الأكثر مغالاة في الدعوة لفرض مزيد من العزلة والعقوبات على دمشق والدعوة إلى سقوط النظام ورحيل بشار الأسد. وأكثر من مرة، قال جوبيه إن النظام السوري «انتهى» وإن سقوطه «مسألة وقت». فضلا عن ذلك، تدعم باريس المعارضة السورية ممثلة بالمجلس الوطني السوري الذي تحثه على تنظيم صفوفه وعلى بلورة برنامج عمل يكون بمثابة «خريطة طريق» لكل المعارضة فضلا عن دعوته لإقامة «ممرات آمنة» داخل سوريا لإيصال المواد الأساسية للمدنيين الذين يعانون من القمع. ومؤخرا، قال جوبيه أمام البرلمان إن حكومته تسعى لتوجيه «تحذير» لسوريا من غير أن يفهم من هي الجهة التي ستوجهه وما هي التبعات المترتبة على عدم العمل به.

وتتخوف باريس، وفق مصادرها، من «تمدد» الأزمة السورية إلى لبنان ومن انعكاساتها السياسية والأمنية بما في ذلك على سلامة وأمن قوات اليونيفيل الموجودة في الجنوب ومنها القوة الفرنسية. وثمة تقارير تفيد أن باريس «غير راغبة» في أن تعود إليها قيادة القوة الدولية «بعد إيطاليا» وتفضيلها البقاء «في الصف الخلفي في الوقت الحاضر».

وفي أي حال، تقوم الأمم المتحدة وتحديدا قسم عمليات حفظ السلام بمراجعة «استراتيجية» كاملة لوضع اليونيفيل بين الليطاني والخط الأزرق على خلفية مطالبة بلدان مشاركة بخفض عديد قواتها (ومنها فرنسا) ومراجعة ما يسمى «قواعد الاشتباك». ووفق الوزير جوبيه، فإنه ينتظر الانتهاء من هذه العملية أواخر العام الجاري. ولا شك أن الموضوع سيكون على رأس الملفات التي يرغب الفرنسيون بإثارتها مع الرئيس ميقاتي خلال الجولة الواسعة من اللقاءات التي تحضر له في باريس.