كرزاي: الجهود المبذولة في أفغانستان مسؤولية مشتركة لإعادة الأمن والاستقرار

في حوار تنشره «الشرق الاوسط»

TT

اجتمع وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي في مدينة بون الألمانية يوم الاثنين الماضي لمناقشة مستقبل أفغانستان. وقد أجرت صحيفة «دير شبيغل» مقابلة شخصية مع الرئيس الأفغاني حميد كرزاي الذي يترأس المؤتمر، ودار الحوار حول مدى حاجة أفغانستان إلى الجهود الدولية بعد انسحاب القوات الأجنبية من البلاد في عام 2014، وشراكته القوية مع الولايات المتحدة. وقد دار الحوار على النحو التالي:

* سيدي الرئيس، تجري الأطراف الدولية المجتمعة في بون مشاورات حول مستقبل أفغانستان. وقد اجتمع وزراء الخارجية العام الماضي في العاصمة الأفغانية كابل في مؤتمر مماثل، وقد اعتبر اختيار الموقع في حد ذاته علامة مبشرة على التقدم. هل الوضع في بلدكم خطير للدرجة التي لا تسمح باستضافة مثل هذا الاجتماع؟

- هذه طريقة خاطئة لرؤية الأمور، حيث كان المؤتمر الذي عقد في كابل دليلا على أن الأفغان كانوا على استعداد لعقد مثل هذا الاجتماع بأنفسهم وفي بلدهم. لقد عقد هذا المؤتمر في مدينة بون الألمانية لأنه احتفال بمرور عشر سنوات على انعقاد أول مؤتمر في بون، ولذا لم يكن بإمكاننا عقد المؤتمر في أي مكان آخر غير بون. في الواقع إننا نريد أن نتحدث عما حققناه، وعن الأشياء الخطأ التي قمنا بها، وما يمكننا القيام به على نحو أفضل في المستقبل.

* يركز هذا المؤتمر، من بين قضايا أخرى، على الوضع الأمني في أفغانستان الذي لم يتحسن كثيرا خلال الأشهر الأخيرة، والدليل على ذلك هو اغتيال الكثير من المسؤولين الحكوميين والمحافظين، بالإضافة إلى اغتيال الرئيس السابق برهان الدين رباني في الآونة الأخيرة، ما رأيكم في ذلك؟

- كنا نأمل جميعا في مؤتمر بون الأول أن يعيد المجتمع الدولي السلام والاستقرار إلى أفغانستان، جنبا إلى جنب مع الكثير من الإنجازات الأخرى التي كنا ننتظرها منذ فترة طويلة. وفي الحقيقة، لقد نجحنا في تحقيق بعض من هذه الإنجازات، وكانت إنجازات ضخمة في واقع الأمر، ولكننا لم ننجح حتى الآن في تحقيق الأمن للشعب الأفغاني، وشن حملة ناجحة لمكافحة الإرهاب في بلدنا. ويعد هذا هو أكبر نقاط الضعف لدينا، وآمل أن نتمكن من تحقيق هذا الهدف خلال السنوات العشر المقبلة.

* يتركز معظم الحديث في الغرب في الآونة الأخيرة حول عملية الانسحاب من أفغانستان، على الرغم من الوضع الأمني الهش. هل تشعر بالقلق حيال ذلك؟

- إنني لا أرى أي سبب حتى الآن لطلب تأخير عملية الانسحاب، وأنا واثق من أننا سنسير وفقا للجدول الزمني الذي توصلنا إليه معا. واعتبارا من عام 2014 سوف تضطلع القوات الأفغانية بكل المهام الأمنية في البلاد. وسوف أقدم رؤيتي في بون للسنوات العشر المقبلة وكيفية الحصول على الدعم من قبل المجتمع الدولي.

* ما نوع الدعم الذي تريده؟

- لن أطلب مساعدة مالية. لقد جاءت الدول الغربية إلى أفغانستان لحماية أمنها، وقد وحدنا جهودنا في الحرب ضد الإرهاب الدولي. إننا في حاجة إليهم، وهم أيضا في حاجة إلينا. إننا نقف، وسنقف، في الخطوط الأمامية في الحرب ضد الإرهاب، على الرغم من أننا نخسر الكثير من الأرواح كل يوم. إننا ممتنون للغاية لكل المساعدات التي نحصل عليها من الدول الغربية، ولكن الجهود في أفغانستان هي أيضا مسؤولية مشتركة. وإذا ما فشلنا في تحقيق الاستقرار في أفغانستان فقد تعود الأيام الخوالي ويعود الوضع كما كان عليه قبل الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وبأسرع مما نعتقد.

* كيف ترى بالضبط المساعدات الغربية المقدمة لبلدكم؟

- سوف يتم الانتهاء من الجانب العسكري بحلول نهاية عام 2014، وبعد ذلك أعتقد أن أفغانستان سوف تعتمد لمدة عشر سنوات على المساهمات والمساعدات المقدمة من المجتمع الدولي، ولكن سيكون هناك نوع مختلف من الشراكة التي ستركز بصورة أكبر على التدريب وتجهيز القوات الأفغانية وتعزيز قدرة المؤسسات الأفغانية لتصبح أكثر فعالية. وعلاوة على ذلك، ستكون المساعدات الاقتصادية ضرورية لمساعدة أفغانستان على الوقوف على قدميها مرة أخرى. لو قامت الولايات المتحدة بتخفيض عدد القوات إلى نحو 20.000 جندي، على سبيل المثال، في عام 2014، فإنها ستوفر نحو 100 مليار دولار سنويا بالمقارنة مع ما تنفقه حاليا. وإذا ما حصلنا على 5 في المائة من ذلك، أي نحو 5 مليارات دولار في العام، سيكون ذلك شيئا جيدا. صحيح أن ذلك المبلغ لن يعادل ما يدفعه المجتمع الدولي الآن، ولكنه سيساعد الدول الغربية على توفير الكثير من الأموال.

* هناك شكوك على نطاق واسع حول قدرة الجيش الأفغاني على تحمل المسؤوليات الأمنية بمفرده، ويخشى الكثير من المراقبين من اندلاع حرب أهلية جديدة في البلاد بمجرد انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي. ألا تشعر بالقلق؟

- أنا لا أتفق مع هذا الرأي، على الرغم من أنني أقرأ هذا كل يوم في الصحافة الغربية. ستكون القوات الأفغانية قادرة على الدفاع عن أفغانستان حينئذ، وأنا واثق من ذلك تمام الثقة. سوف تستمر الولايات المتحدة في المشاركة، ولكن في شكل شراكة استراتيجية. تعد ألمانيا هي الشريك الأفضل في هذا المجال، وإذا ما سألتني عن رأيي في مغادرة القوات الألمانية من أفغانستان، فسأقول إنها يمكن أن تبقى إلى الأبد، ولكن هذا يعد قرارا ألمانيا.

* إن إيمانك بأهمية وجود القوات الأميركية بعد موعد الانسحاب أمر يثير الدهشة، حيث إنك قد انتقدت منذ شهور وبصورة علنية العمليات التي تقوم بها القوات الخاصة الأميركية، ولكنك الآن قد أخبرت المجلس القبلي الموسع المعروف باسم اللويا جيرغا بأنك مع بقاء القوات الأميركية بعد عام 2014.

- إن سقوط الضحايا بسبب الغارات وعمليات القصف الليلية هو أكبر العقبات التي تعترض إقامة علاقات سلسة بيننا وبين الولايات المتحدة، وهو ما جعلني أحتجّ بشدة خلال المقابلات الشخصية والبيانات الصحافية، ولذا فقد عملوا على تحسين تكتيكاتهم، وهذا هو ما قلته بالضبط لمجلس اللويا جيرغا.

* ولكن عدد العمليات قد ارتفع في الآونة الأخيرة، كما ارتفع عدد عمليات القتل المستهدفة.

- ولكن لم يعد لدينا ضحايا في صفوف المدنيين بعد الآن. وقد وافق الجيش الأميركي في الآونة الأخيرة على أن الأفغان هم من سيقومون بتنفيذ تلك العمليات في أقرب وقت ممكن. إنها عبارة عن صفقة بين شريكين، ولن تتم هذه الصفقة إذا لم يتم الاستجابة لمطالبنا.

* إنك تطالب بانعقاد مجلس اللويا جيرغا لمناقشة أهم المسائل المتعلقة بالشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، على الرغم من أن أفغانستان لديها برلمان منتخب ديمقراطيا. لماذا لا تستفيد من هذه الأداة الديمقراطية؟

- إن الاعتراف بمجلس اللويا جيرغا منصوص عليه في الدستور الأفغاني، ونحن نستخدمه لاتخاذ القرارات المهمة للغاية في البلاد.

* يبدو الأمر من الخارج كما لو أن البرلمان لا يقوم بدور كبير في اتخاذ القرارات التي تتعلق بالمسائل الهامة، أليس كذلك؟

- يتعين على البرلمان أن يقوم بالتصويت على القرارات المتخذة، كما أن التشاور له جذور عميقة في تاريخنا، ولن تنجح الديمقراطية الجاهزة أو المفصلة القادمة من الغرب في أفغانستان أبدا، لأننا بحاجة إلى الديمقراطية التي يملكها ويقودها الأفغان، لا الديمقراطية التي تخدم المصالح الأجنبية.

* منذ سنوات وأنتم تدعون حركة طالبان لبدء التفاوض مع حكومتكم، ولكنها لم تكترث بذلك. ألا تعتقد أنهم ينتظرون عندما تنسحب القوات الدولية؟

- صحيح أن عملية المصالحة قد توقفت منذ اغتيال رباني، ولكننا بحاجة إلى نقطة اتصال مع حركة طالبان لإجراء محادثات معهم. لقد كانت اتصالاتنا السابقة من خلال المفجرين الانتحاريين الذين قتلوا رباني في نهاية المطاف. وما دمنا لا نملك رقم هاتف أو عنوانا لحركة طالبان، فإنه يتعين علينا إجراء محادثات مع الباكستانيين لأنهم يعرفون مكان قادة الحركة.

* هل وصلت عملية السلام إلى نهايتها؟

- علينا أن نرى ذلك بطريقة مختلفة، حيث انضم الآلاف إلى حركة طالبان بسبب الخوف أو بسبب الضرر الذي لحق بهم جراء الغارات الليلية أو القصف من قبل القوات الدولية، ولكن هؤلاء الناس ليس لديهم أي مشكلة آيديولوجية معنا. وبمجرد أن تصبح البيئة ملائمة لذلك فسوف يأتون وينضمون إلينا للعيش هنا في مجتمع مسالم.

* ومتى سيحدث ذلك؟

- في البداية، علينا أن ننتهي من التحقيق في اغتيال رباني. وتعد مشاركة باكستان في التحقيقات خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكننا بحاجة إلى العثور على ممثل لحركة طالبان لإجراء محادثات معه، والأمر متروك لباكستان لتخبرنا بالشخصية التي سنجري المحادثات معها. وحتى الآن، لا يزال الباكستانيون مشغولين بأهداف أخرى غير السلام في أفغانستان، وما لم يتغير ذلك فلن تكون هناك بيئة ملائمة لإجراء محادثات مفيدة مع حركة طالبان.

* خلال العامين الماضيين انتشرت الميليشيات الخاصة في أجزاء كثيرة من البلاد من أجل توفير الأمن في مواجهة حركة طالبان، ولكن في الآونة الأخيرة تزايدت التقارير التي تفيد بأن هذه الميليشيات تقوم بترويع السكان المحليين، ما رأيكم في ذلك؟

- جميع هذه الميليشيات غير قانونية، وكل ما هو خارج نطاق وزارة الداخلية غير قانوني/ ويجب إبعاده خارج البلاد، وسوف نلاحقهم.

* ولكن تم تشكيل الكثير من هذه الميليشيات بدعم من قوة المساعدة الأمنية الدولية (إيساف)، مثل الميليشيا المعروفة اختصارا بـ«سي اي بي بي»، التي تعمل على حماية البنية التحتية.

- ما هذا؟ (قاطع كرزاي المقابلة لاستدعاء مستشاره للشؤون الأمنية رانجين دادفار سبانتا).

* تقوم القوات الخاصة الأميركية بحماية الكثير من الميليشيات، على سبيل المثال، وقالت المحاكم الأفغانية إنها عاجزة عن إصدار أحكام في القضايا التي يرتكبونها، ما رأيك في ذلك؟

- هنا تكمن المشكلة، فقد طلبنا من الأميركيين أن يتوقفوا عن القيام بذلك، ويجب التخلص من أي قوة لا تخضع لوزارة الداخلية أو وزارة الدفاع، لأن وجود قوات أجنبية يعد انتهاكا للسيادة الأفغانية، وهذه إحدى نقاط الخلاف المهمة مع الأميركيين.

* ولكن هناك الكثير من قادة الميليشيات الذين حصلوا على مناصب بارزة في الحكومة الأفغانية، على الرغم من اشتراكهم في جرائم قتل أو في تجارة المخدرات، ويعد القائد الجديد للشرطة في قندهار أحد الأمثلة على ذلك، فلماذا قامت الحكومة بتعيينهم؟

- لقد عمل هذا الرجل لسنوات طويلة مع الحكومة الأفغانية بنشاط كبير، ولا يوجد أي دليل حتى الآن على تورطه في أي جرائم. والشيء الأكثر إثارة للاهتمام هو أن هذا القائد كان مطلوبا من قبل القائد السابق للقوة الدولية (إيساف) هنا في كابل، ديفيد بترايوس. والآن تتهمني الصحافة العالمية بتعيين مثل هذا الرجل الذي عمل، مثله مثل كثيرين آخرين، مع قوات حلف شمال الأطلسي لفترة طويلة ولم يشتكِ شخص منه، ولكن الجميع ينتقدني الآن لأنني قمت بتعيينه في منصب حكومي. في الواقع أنا لا أستطيع فهم تلك المعاير المزدوجة والكيل بمكيالين. ولكن ذلك يقودنا إلى أننا لم نعد نهتم بالشكاوى الغربية حول خياراتنا في الوظائف الحكومية.

* يشعر كثير من شركائكم الغربيين بأنك تخلف كثيرا من الوعود التي تقطعها على نفسك عندما يتعلق الأمر بمكافحة الفساد، ما رأيك في ذلك؟

- هذا ليس صحيحا. لقد وقعت اليوم فقط على قرار بإقالة أحد القضاة الفاسدين. لقد حققنا بعض التقدم على طريق إصلاح القوانين وإنجاز المؤسسات الحديثة، ولكن لا يزال هناك بعض العمل الذي يتعين علينا القيام به.

* يبدو أن عائلتك هي الأخرى قد تورطت في أكبر فضيحة مالية في أفغانستان، التي تتعلق ببنك كابل. لقد رأينا بروتوكولا من محافظ البنك المركزي السابق عبد القادر فيترات، الذي أوضح، في حضور شقيقك، أن البنك كان عبارة عن تنظيم إجرامي وكان على وشك الانهيار، حيث قدم قروضا لشركات وأشخاص وهميين. ويقوم مديرو المصارف بالاستثمار في شراء فيلات فخمة في دبي. لماذا لم يتم اتخاذ أي إجراء على مدار عام كامل؟

- لقد قمنا باستدعاء فيترات وسألناه عن ذلك وقلنا له إننا سمعنا عن وجود انتهاكات، ولكنه نفى ذلك. ولم يخبرنا الأميركيون بأي شيء في ما يتعلق بهذا الموضوع، كما لم يخبرنا المصرف بأي شيء.

* ولكن بمجرد اكتشاف المشكلة رفضت حكومتكم إجراء مراجعة لحساب المصرف من قبل خبراء أجانب، فما السبب وراء ذلك؟

- كنا نعتقد أن إحدى السفارات كانت تحاول خلق متاعب مالية لنا، وشعرنا بأن عملية الاحتيال المصرفية قد تمت برمتها من قبل جهات أجنبية.

* أي سفارة؟

- لن أخوض في التفاصيل.

* سوف تنتهي فترة ولايتك في عام 2014، ولا يمنحك القانون حق الترشح لمرة أخرى. ما الذي تنوي القيام به بعد ذلك؟

- سوف أكون مواطنا متقاعدا سعيدا. ولم أكن غادرت أفغانستان حتى في أحلك الأوقات، ولذا ليس هناك أي سبب يدعوني لمغادرة بلدي.

* سيدي الرئيس، شكرا جزيلا على هذه المقابلة.

* عن «دير شبيغل»، خدمات «نيويورك تايمز»