مظاهرات قرب الكرملين تنادي «الثورة.. الثورة» احتجاجا على التزوير الانتخابي

حملة اعتقالات في موسكو.. وميدفيديف يتوعد المحافظين المقصرين ويحذر الغرب

قوات الأمن تغلق الطريق خلف مبنى تابع للاستخبارات بعد مظاهرات المعارضة في موسكو (أ.ب)
TT

تواصلت الاشتباكات بين قوات الشرطة وأنصار المعارضة في موسكو، أمس، احتجاجا على ما تصفه المعارضة بتزوير نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة. واعتقلت الشرطة أمس عشرات المتظاهرين، بينهم الوزير السابق بوريس نيمتسوف، أثناء مشاركتهم في مظاهرة جديدة في العاصمة ضد الانتخابات التي قالوا: إنه تم تزويرها لصالح الحزب الحاكم بزعامة رئيس الوزراء فلاديمير بوتين. واجتاحت المعارضة قلب العاصمة على مبعدة مئات الأمتار من الكرملين والساحة الحمراء ترفع شعارات تنادي «روسيا الموحدة» و«لن ننسى ولن نسامح» و«روسيا من دون بوتين».

وكانت قوات الشرطة قد تحسبت لهذه المظاهرة بعد تبادل كثيرين عبر أجهزة المحمول والمواقع الإلكترونية وقائع التزوير المفترض. ورغم كل الإجراءات الاحترازية للحد من اتساع رقعة الاحتجاجات التي كان مصرحا بها لمظاهرة «الحزب الشيوعي» لعدد لا يزيد عن أربعمائة شخص، فقد تدفقت الجموع التي قدرها شهود عيان بنحو 10 آلاف خرجوا استجابة لنداء مظاهرة منظمة «التضامن» المعارضة يرددون شعارات تنادي «الثورة.. الثورة»، ما دفع الشرطة إلى مداهمتهم واعتقال المئات من قياداتهم. وفي سان بطرسبرغ جرت مظاهرات مماثلة رغم عدم التصريح بأي منها شهدت الكثير من الصدامات مع رجال الشرطة وقوات الأمن التي اعتقلت ما يقرب من المائة من المتظاهرين.

وكانت نتائج الانتخابات كشفت عن «تراجع مهين» للحزب الحاكم «الوحدة الروسية» بعد عجزه عن الاحتفاظ بما سبق وحصل عليه من أغلبية في الانتخابات الماضية، وأكدت النتائج أن ما فقده الحزب الحاكم من أصوات تحول عمليا إلى منافسيه من أحزاب المعارضة. وفي الوقت الذي أكد فيه غينادي زيوجانوف رئيس الحزب الشيوعي الروسي استعداد حزبه للتحالف مع حزبي «روسيا العادلة» و«الديمقراطي الليبرالي» في محاولة لاختبار النوايا الحقيقية لهذين الحزبين، استبعد أي تعاون مع الحزب الحاكم وإن قال: إنه «يعرض على القيادة السياسية للدولة الجلوس لمناقشة التفاصيل كي لا تتدهور أوضاع البلاد على ضوء ما أظهره المواطنون من عدم ثقة لذلك النهج الذي تتبعه هذه القيادة».

ورغم ما سبق وأعلنه سيرغي ميرونوف رئيس حزب «روسيا العادلة» من رغبة وتوجهات نحو التحالف مع الحزب الشيوعي، كشف نيكولاي ليفتشيف أحد قيادات هذا الحزب أنه لا يستبعد التحالف مع الحزب الحاكم وإن سارع ليقول باحتمالات التحالف مع أحزاب المعارضة في بعض القضايا المحددة.

وكانت النتائج كشفت عن حصول الأحزاب الثلاثة المعارضة على ما يزيد عن 50% من أصوات الناخبين في نفس الوقت الذي أشار فيه مراقبون إلى أن عزوف الكثير من الناخبين عن المشاركة في الانتخابات التي لم يشارك فيها سوى نسبة تزيد قليلا عن 60% أنقذت الحزب الحاكم من هزيمة فادحة ولا سيما بعد التأكد من أنه لم يستطع تجاوز نسبة الـ50% ما يعتبر إنذارا غير مباشر لبوتين قبيل الانتخابات الرئاسية المرتقبة في مارس (آذار) المقبل رغم أن أحدا لا يستطيع أن يشكك في فرصه المؤكدة للفوز في هذه الانتخابات.

وتحت ضغط الانتكاسة الانتخابية واحتجاجات المعارضة، تعهد بوتين أمس بإجراء «تجديد كبير في الحكومة» العام المقبل. لكن المتحدث باسمه ديمتري بيسكوف حذر من أي مظاهرات غير مصرح لها، وقال: «إنه لن تكون هناك قيود على المظاهرات المرخص لها، أما المظاهرات غير المرخص لها فيجب وقفها بطريقة مناسبة».

وفيما حاول الرئيس ديمتري ميدفيديف التخفيف من وقع تراجع الحزب الحاكم في الانتخابات بقوله: إنه كان نتيجة «الديمقراطية الحقيقية» التي تعكس ميول الناخبين، قال آخرون إن النتيجة سترغم مجلس الدوما على قبول التحول إلى ساحة حقيقية للمناقشات في إشارة ساخرة إلى ما سبق وقاله الرئيس التنفيذي للحزب الحاكم بوريس جريزلوف حول أن «الدوما ليس ساحة للمناقشات» بما كان يشير إلى تعمد ممثلي السلطة الرسمية تجاهل ملاحظات وانتقادات أحزاب المعارضة.

وقد سجلت الكثير من المواقع الإلكترونية ومنها «نيوز رو» الكثير من مشاهد ووقائع التزوير بالصوت والصورة ومنها ملء كميات هائلة من استمارات التصويت بأصوات الناخبين لصالح الحزب الحاكم، وإمداد مراكز الاقتراع بصناديق كرتونية لتسهيل فتحها بدلا من الصناديق الزجاجية القانونية واستخدام ما يسمى بالبطاقات الدوارة، وهو ما أصر ممثلو المعارضة على ضرورة تسجيله رسميا للاستناد إليه في طعونهم المرتقبة. وبلغ الأمر بمناطق شمال القوقاز الإعلان أن الحزب الحاكم فاز هناك بما يقرب من نسبة 100% من الأصوات مثل الشيشان التي كانت النتيجة فيها 99.5% للحزب الحاكم فيما بلغت النسبة في داغستان 91.5%! غير أن الكثير من المراقبين ومنهم غليب بافلوفسكي رئيس صندوق «السياسة الفعالة» الذي سبق وانشق على بوتين ثم عن الرئيس ميدفيديف، أعربوا عن انتقاداتهم لهذه النتائج التي تكشف عن تسلط الجهاز الإداري. ونقلت شبكة «نيوز رو» الإلكترونية عن المراقبين قولهم إن انتخابات الدوما كانت «اختبارا حقيقيا» على الثقة بالنظام الحاكم وليس مجرد انتخابات نيابية. ولذا لم يكن صدفة أن يستهل الرئيس ميدفيديف حديثه إلى أنصاره في مقر أركان الحملة الانتخابية للحزب الحكم بقوله: إنه يتقدم بالتهنئة لفوز الحزب بحق المرور إلى مجلس الدوما وهو قول ساخر يحمل في طياته مدى المرارة من ضياع الأغلبية من أصوات مؤيديه ممن ساندوه في الدورة الماضية. وعزا ميدفيديف ذلك إلى مقتضيات الديمقراطية الحقيقية في الوقت الذي كشفت فيه مصادر قريبة من الكرملين عن عزم ميدفيديف إجراء حملة لمراجعة أداء الكثير من المحافظين الذين سجلت محافظاتهم نسبة متدنية لتأييد حزب السلطة في الانتخابات الأخيرة ما يعني تزايد احتمالات تغييرهم في نفس الوقت الذي كشف بعضهم عن رغبة في الرحيل.

وحذر الرئيس ميدفيديف، من ناحية أخرى، الغرب من انتقاد النظام السياسي الروسي بعد أن تحدث مراقبون من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عن حصول «انتهاكات» في الانتخابات. ونقلت وكالة ريا نوفوستي عن ميدفيديف قوله: إن ما هو مرتبط بالأحزاب السياسية «يخضع لصلاحيات السلطات الروسية وليس لصلاحيات المنظمات الدولية». وأضاف أن «مراقبة الانتخابات والانتهاكات أمر ووضع النظام السياسي أمر آخر».

وبدورها، ردت الخارجية الروسية في بيان أمس على الانتقادات الأميركية لطريقة إجراء الانتخابات التشريعية في روسيا، وقالت «إن تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون والتعليقات المماثلة التي صدرت عن البيت الأبيض ووزارة الخارجية غير مقبولة».