لعبة «عض أصابع» تجارية وأمنية بين أنقرة والنظام السوري.. وتركيا تعلن الحزمة الثانية من العقوبات

مصادر تركية لـ «الشرق الأوسط»: كشفنا رسالة من أوجلان إلى الأسد يعرض فيها «المساعدة»

مظاهرة طلابية حاشدة ضد نظام بشار الأسد في «اربعاء نصرة الطلاب الاحرار « في تل رفعن بحلب أمس (أوغاريت)
TT

تشهد العلاقات السورية - التركية عملية «عض أصابع» واضحة يلعبها الطرفان هربا من المواجهة المباشرة بينهما في الملفات الأساسية التي تضغط فيها أنقرة على النظام السوري من أجل العودة إلى «التعقل».

ويلعب الطرفان بأوراقهما بإجادة تامة، فبعد أن أقرت تركيا سلسلة من العقوبات الاقتصادية على تركيا، ردت سوريا بإجراءات مقابلة أعاقت عملية نقل البضائع التركية إلى الدول العربية عبر سوريا، فأوقفت نحو 500 شاحنة عند الحدود بحجة «تحديث نظام الكمبيوتر» وفرضت عليها «رسم عبور» كانت قد أوقفته نتيجة اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، والتي جمدتها سوريا فارضة ضريبة بقيمة 30 في المائة على البضائع التركية لتمنعها من المنافسة في السوق السورية التي تعتبر أرضا خصبة للتجارة التركية، إذ تستورد سوريا ما نسبته الثلثان من حجم التجارة البينية البالغة 2.5 مليار دولار تقريبا.

وردت تركيا أمس بفرض عقوبة مماثلة وضعتها في خانة «الدفعة الثانية» من العقوبات ضد النظام السوري، ففرضت ضريبة مماثلة على البضائع السورية في أراضيها. وقال وزير الجمارك والتجارة هياتي يازجي إن سوريا «ستدفع ثمنا غاليا بسبب هذه العقوبات». وقالت تركيا إنها ستبدأ تصدير السلع بحرا إلى مصر وبرا إلى العراق في مسعى لتجنب الممرات التجارية الحالية. كما قال وزير الاقتصاد التركي ظفر جاغليان إن دمشق بدأت السماح للشاحنات التركية بدخول سوريا أول من أمس الثلاثاء بعد منعها من الدخول الأسبوع الماضي ردا على العقوبات التي فرضتها انقرة. وأضاف «من اليسير جدا تجنب سوريا، لكننا فضلنا ألا نفعل ذلك. لا نزال نريد نقل تجارتنا عبر سوريا والسماح للاقتصاد السوري بتحقيق مكاسب مادية من ذلك، لكنهم أرادوا الأمر على هذا النحو. أقول مرة أخرى مهما فعلوا فإنهم سيعانون أكثر من تركيا في كل مرة. لا يتحتم علينا المرور بسوريا إذا أردنا تجارة مع الشرق الأوسط والخليج. فلدينا خطة أصلية وخطتان بديلتان جاهزتان بالفعل».

وأعلن جاغليان أن سفن الشحن ستبدأ السفر بين ميناء مرسين بجنوب تركيا على البحر المتوسط وميناء الإسكندرية المصري اليوم. كما ستبدأ الشاحنات العبور إلى العراق.

غير أن الجانب الأهم في هذه اللعبة، يبقى الملف الأمني - العسكري، إذ تستضيف تركيا الآلاف من السوريين الفارين من بلادهم في مخيمات أعدتها خصيصا لهم في جنوب البلاد، بينهم مئات من عناصر «الجيش السوري الحر» الذي أنشأه منشقون عن الجيش السوري لجأوا إلى تركيا وأقاموا فيها مقرا لقيادتهم التي يعملون من خلالها على مهاجمة مراكز المخابرات والأمن في المناطق السورية المختلفة.

وفي المقابل، ترددت معلومات عن مسعى سوري لاجتذاب عناصر حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا، من أجل «إقلاق راحة أنقرة» التي ترى في هذا التنظيم خطرا كبيرا عليها، خصوصا بعد تصاعد نشاطه ضد الجيش التركي بالتزامن مع تصاعد الأزمة السورية وتورط أنقرة فيها باعتبارها «شأنا داخليا تركيا». وأتت الهجمات الأخيرة التي نفذها مقاتلون أكراد على المراكز الحدودية التركية وأوقعت 26 قتيلا في أكبر ضربة عسكرية يتعرض لها هذا الجيش منذ عام 1995، لتزيد من قلق أنقرة من استعمال «العامل الكردي» ضدها من قبل النظام السوري الذي يحتفظ بعلاقات وثيقة مع هذا التنظيم رغم طرده قياداته وبينهم عبد الله أوجلان في أواخر التسعينات. وقالت مصادر تركية لـ«الشرق الأوسط» إن الاستخبارات التركية تدرس بتمعن وحذر شديدين وثائق حصلت عليها منذ أسبوعين خلال مداهمتها لأحد مراكز «الكردستاني». وقالت المصادر إن إحدى هذه الوثائق هي رسالة موجهة من عبد الله أوجلان شخصيا إلى القيادة السورية يعرض فيها على الرئيس السوري بشار الأسد إرسال 1000 مقاتل لينضم إلى مسعى النظام في إخماد الانتفاضة، بالإضافة إلى مساعدته في منع تفجر أي أزمة في الأوساط الكردية. وأشارت المصادر إلى أن تركيا لم تجد ما يفيد بنوعية الرد السوري، لكنها تنظر إلى الأمر على أنه تهديد خطير، مشيرة إلى أن غالبية قيادات «الكردستاني» الحاليين هم من أصل سوري، بالإضافة إلى وجود كبير لمقاتلين أكراد من أصل سوري في جبال قنديل داخل الأراضي العراقية، والتي انطلقت منها الهجمات الأخيرة ضد تركيا. وحذرت تركيا «الدول المجاورة» من دون أن تسمي سوريا أو إيران، مما سمته «اللعب بورقة الإرهاب»، مشيرة إلى أن من يلعب بهذه الورقة «ستحترق يده في نهاية المطاف».

وفي المقابل، ترددت إشاعات عن توريد مقاتلين عرب وسوريين إلى الأراضي السورية عبر تركيا، ومن بينهم نحو 600 مقاتل من «المجلس الانتقالي الليبي» قالت الإشاعات إنهم أصبحوا في الأراضي التركية، وهو ما نفته أنقرة. وقالت مصادر في الخارجية التركية لـ«الشرق الأوسط» أمس إن كل ما تردد عن وجود مقاتلين عرب في الأراضي التركية «غير صحيح».