الغرامة.. «بعبع» الانتخابات البرلمانية المصرية

حكمها يطال 7 ملايين مصري تخلفوا عن التصويت في المرحلة الأولى

جندي مصري يحرس إحدى اللجان الانتخابية في القاهرة أول من أمس (أ.ب)
TT

تحولت الغرامة المالية المفروضة رسميا على من يتخلف عن التصويت في الانتخابات البرلمانية إلى «بعبع» للكثير من المصريين، فالبعض ذهب إلى الانتخابات تحت وطأة الخوف منها، والبعض الآخر أدار لها ظهره، مقلدا إعلانا تلفزيونيا شهيرا يخاطب المواطنين قائلا «أعطِ ظهرك للترعة» للوقاية من مرض البلهارسيا المنتشر بين المصريين.

لكن، وبعد حوار ونقاش طويل بينهما؛ اصطحب الشاب أحمد صديقه محمود للإدلاء بصوتيهما في الانتخابات البرلمانية في مرحلتها الأولى، ورغم رفض الثاني، فإن صديقه أقنعه بأهمية الذهاب حتى لا يتعرض لدفع الغرامة المقررة بـ500 جنيه مصري، نحو 86 دولارا، لمن امتنع عن الإدلاء بصوته.

ومع وقوف الصديقين وسط ملايين المصريين في الطوابير الطويلة أمام اللجان، كان الحديث الأكثر نقاشا وتبادلا يدور حول «الغرامة»، فبينما استبعد البعض توقيع هذه الغرامة المالية لأنها «مجرد تخويف علشان ننزل الانتخابات»، رأى آخرون أن الغرامة ستوقع حتما، بل أشاع بعضهم أنه «سيتم تحصيلها من رواتب المواطنين أو قد تضاف كرسوم في الهيئات الحكومية عند استخراج الأوراق الرسمية»، أو تجديد اشتراكات العضوية سنويا مثلما يحدث في النوادي الرياضية والانتخابات المهنية. كما عزا بعض السياسيين مشاهد الطوابير الطويلة للناخبين وحرص المصريين على التصويت إلى خوف من توقيع الغرامة عليهم.

هذا الخوف أخذ منحا جديا بعدما أعلن بالأمس رئيس اللجنة العليا للانتخابات، المستشار عبد المعز إبراهيم، عن أنه قد تم تحويل المتخلفين عن الانتخابات البرلمانية في المرحلة الأولى منها إلى النيابة العامة، لكي تتخذ معهم الإجراءات المناسبة لتحصيل الغرامة المالية الواقعة على المتخلفين عن التصويت كما جاء في المرسوم الذي أصدره المجلس العسكري (بقانون رقم 124) بتعديل بعض أحكام القانون 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية، وذلك قبل إجراء الانتخابات.

وتنص المادة 40 من المادة الأولى من المرسوم على أن «يعاقب بغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه من كان اسمه مقيدا بقاعدة بيانات الناخبين وتخلف بغير عذر عن الإدلاء بصوته في الانتخاب أو الاستفتاء».

ويعني قرار تحويل المتخلفين عن الانتخابات إلى النيابة العامة جدية تنفيذ الغرامة المالية، ومعاقبة نحو 7 ملايين مواطن مصري بها، وهو الرقم الذي يثير علامات الاستفهام حول كيفية تطبيق العقوبة، خاصة أن الرقم قابل للتضاعف خلال المرحلتين المقبلتين للانتخابات اللتين تضمان 18 محافظة.

لكن رئيس اللجنة العليا للانتخابات تابع أنه في حالة قيام المحكمة الدستورية العليا بتقرير حكم قضائي يلغي الغرامة فسوف يقوم بتنفيذ الحكم على الفور انصياعا لأحكام القانون، وذلك كما حدث في إلغاء نتيجة انتخابات دائرة الساحل في محافظة القاهرة.

الباحث القانوني، المحامي وليد حجاج، يوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه مع تحويل المتخلفين عن الانتخابات البرلمانية في المرحلة الأولى إلى النيابة العامة، يتم تشكيل دوائر في نظر الطعون بشكل عام، وهو ما يعد تنفيذا للمرسوم في مادته الأولى والأخيرة، بمعنى أن تتحول إلى قضية معها عقوبة، موضحا أن المرسوم يشمل المصريين بالخارج طالما أصبح من حقهم الإدلاء بأصواتهم، فالمرسوم لم يستثن أحدا وبالتالي يسري عليهم.

ويفند حجاج ما يشاع حول تحصيل الغرامة في الهيئات الحكومة أو عند استخراج الأوراق الرسمية مثل استخراج الفيش الجنائي أو تجديد بطاقة الهوية أو رخصة السيارة، وذلك بسبب أن هذا الإجراء «غير قانوني ويجوز الطعن عليه»، مبينا أن قانون العقوبات حدد طرق تحصيل الغرامات من خلال إدارة تنفيذ الأحكام.

ويبين حجاج من وجهة نظر شخصية، أنه في حالة إقرار تطبيق العقوبة يمكن الطعن بعدم دستورية المادة التي تضمنها المرسوم، معللا ذلك بأن الدستور يكفل استعمال الحق للمواطن أو ترك هذا الحق، وبالتالي فالمواطن ليس مجبرا، إن لم يستعمل حقا من حقوقه.

ويشير إلى أن كل الدول المتقدمة لا يرد فيها مثل هذه الغرامة، لافتا إلى أن تحصيل العقوبة يجب أن تكون متوائما مع الدستور، كما يمكن اللجوء إلى وسائل أخرى غير عقابية مثل التوعية السياسية وفق قانون مباشرة الحقوق السياسية.