بعد 4 سنوات من إطلالات الشاشات.. نصر الله شخصيا في ضاحية بيروت

حطيط لـ «الشرق الأوسط» : حسابات حزب الله لم تكن دقيقة وإسرائيل كانت قادرة على استهدافه

حسن نصر الله
TT

فاجأ أمين عام حزب الله حسن نصر الله أمس الجماهير المحتشدة في ملعب الراية في ضاحية بيروت الجنوبية لإحياء ذكرى عاشوراء، بحضوره شخصيا وتقصده شق طريقه بين المحتشدين ليصعد بعدها إلى المنبر لبضع دقائق ليقول: «أحببت أن أكون بينكم لبضع دقائق، ولكن بهذا القدر سمحوا لي، بينما أنا أحب أن أبقى معكم دائما حتى يسمعنا العالم.. نقول لكل الذين يراهنون على إخافتنا أو تهديدنا: نحن أصحاب الإمام الحسين الذي يقول هيهات من الذلة». كلمات معدودة قالها نصر الله وبسرعة قصوى، غادر بعدها المنبر ليطل بعد نحو 12 دقيقة، مقارنة بخطاباته التي تستمر لساعة من الوقت على الأقل، عبر شاشة عملاقة، مفصلا أبرز العناوين التي تشغل الساحات الداخلية الإقليمية والدولية.

نصر الله كان قد أطل آخر مرة علنا في احتفال جماهيري في عام 2008، ومن المكان عينه، أي من الضاحية الجنوبية لبيروت خلال عملية تبادل الأسرى بين إسرائيل وحزب الله، من دون أن يخطب، ظهر لدقائق معدودة في مسيرة عاشوراء في يناير (كانون الثاني) من العام نفسه في أحد شوارع الضاحية الجنوبية. وكان قد سبق ذلك ظهور علني لنصر الله في «احتفال النصر» بعد انتهاء حرب يوليو (تموز) في عام 2006.

السرية والتكتم المطلق يلفان أمن نصر الله الذي أثبت فعالية كبرى خاصة في حرب يوليو 2006 حين كانت إسرائيل تسعى جاهدة لتحديد موقعه بهدف استهدافه. يقول الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد أمين حطيط المقرب من حزب الله: «أن يشق نصر الله الجماهير بهذا الشكل وأن يمشي بينهم لأكثر من 100 متر يتطلب تدابير أمنية معقدة واحترافية غير مسبوقة، كما يتطلب ثقة كبرى بالنفس وشجاعة كبيرة من نصر الله».

وفصل حطيط في اتصال مع «الشرق الأوسط»، مراحل ظهور نصر الله في ملعب الراية، لافتا إلى أن «خروجه للعلن وسيره بين الجماهير واعتلاءه المنبر ومن ثم عملية خروجه من الملعب تطلبت ككل 17 دقيقة، وبالتالي، إن أراد الطيران الإسرائيلي استهدافه لنجح، لأن هذا الطيران يحتاج لما بين 9 و12 دقيقة لدخول الأجواء اللبنانية، وبالتالي كان لديه خمس دقائق تمكنه من تنفيذ أي عملية اغتيال». وأضاف: «الطيران العسكري الإسرائيلي دائما جاهز ولديه أمر ثابت من القيادة العسكرية الإسرائيلية باستهداف نصر الله في حال تم التمكن من تحديد مكانه من دون العودة للقيادة السياسية»، مشددا على أن «حزب الله كسب بالأمس تحدي الخمس دقائق».

أما أسباب إقدام الحزب على مجازفة مماثلة، فحصرها حطيط في احتمالات ثلاثة؛ رجح أولها، فقال: «الاحتمال الأول، سعي حزب الله ومن خلال هذا التحدي للانخراط في المرحلة الجديدة التي دخلتها منظومة المقاومة والممانعة التي انتقلت من الدفاع إلى الهجوم بمعرض الدفاع، وهو ما تجلى في إيران بإسقاط الطائرة الأميركية، والتهديد بالرد خارج الحدود، والذي تجلى في سوريا بالمناورة العسكرية الضخمة التي أجرتها والرد القاسي على تركيا». وقال إنه «كان على حزب الله مجاراة هذا التحول، وبما أن تحريك الجبهة الجنوبية موضوع استراتيجي ولا يمكن المس فيه لاعتبارات استراتيجية، كان التحدي ظهور نصر الله مباشرة في ذكرى عاشوراء»، وأضاف حطيط: «حزب الله كسب الرهان، كون الطيران الإسرائيلي كان وبعد 13 دقيقة من ظهور نصر الله يحلق في أجواء بيروت، وبالتالي امتناعه عن أي اعتداء وحتى عن خرق جدار الصوت، ويؤكد أن إسرائيل غير جاهزة للحرب لأن البيئة غير مواتية، فالقرارات ابنة بيئتها». أما الاحتمال الثاني الذي طرحه حطيط لمفهوم التحدي بظهور نصر الله، فهو أن «حسابات حزب الله لم تكن دقيقة، وبالتالي أن يكون الحزب أخطأ باحتساب المسافة (أي بقاء نصر الله أكثر من 12 دقيقة بين الجماهير علما بأن الحزب يدرك تماما أن إسرائيل قادرة على استهدافه بعد الدقيقة الـ12)، وهو احتمال مستبعد بنظر حطيط الذي يطرح احتمالا ثالثا بأن تكون «إسرائيل لم تستطع أن تحدد بدقة مكان وجود نصر الله، مما ضيع عليها الفرصة».

وفي الجبهة الإسرائيلية، حظي خبر مشاركة نصر الله شخصيا في المسيرة الجماهيرية، باهتمام إعلامي كبير في الصحف الإسرائيلية، التي أولت اهتماما بارزا للخبر. فذكرت صحيفة «هآرتس» أنّ إطلالة نصر الله العلنية، التي وصفتها بالنادرة، هي الأولى من نوعها منذ عام 2006 وركّزت على ما تضمنته كلمة نصر الله من تأكيد بأنّ حزب الله مستعدّ لمواجهة إسرائيل وأنه يزداد عددا وسلاحا يوما بعد آخر.

ولاحظت «هآرتس» أنّ نصر الله يعتمد منذ ذلك الحين على الإطلالة عبر الشاشة، علما أنّ إطلالته العلنية الأخيرة تعود إلى عام 2008، لكنها لم ترتق إلى إطلالة أول من أمس. وأوضحت الصحيفة الإسرائيلية أنّ نصر الله شوهِد للمرة الأولى يوم الأربعاء بين الناس في الضاحية الجنوبية قبل أن يحيي الجماهير من على المنبر. وبرأي الصحيفة، فإنّ إطلالة أمين عام حزب الله، هدفت إلى توجيه رسالة «ثقة» للرأي العام، خصوصا في هذه المرحلة الدقيقة التي تشهد العديد من الثورات في المنطقة، لا سيما في سوريا، التي تشكّل مع إيران قوة حزب الله، على حدّ تعبير الصحيفة الإسرائيلية.

من جهتها، خصصت صحيفة «يديعوت أحرونوت» حيّزا واسعا من تغطيتها لإطلالة الأمين العام لـ«حزب الله»، حيث ذكرت أيضا أنّ هذه الإطلالة هي الأولى للسيد نصر الله منذ عام 2008. وتوقفت الصحيفة عند قول نصر الله إنّ إطلالته هذه هي بمثابة رسالة لكلّ من يتوهّمون أن باستطاعتهم تهديده أو إخافته. وأشارت إلى أنّ الجماهير، التي حيّت نصر الله وهتفت له، صدحت بصوت واحد قائلة: «الموت لإسرائيل». وذكرت «يديعوت» أنّ السيد نصر الله عاد وأطلّ على الجماهير بعد مغادرته الساحة من خلال كلمة مسجّلة، علما أنّ الكلمة كانت مباشرة وقد تفاعل مع الحضور بشكل لافت.