جمال الحاجي: أداء المجلس الانتقالي ومكتبه التنفيذي لم يرق إلى مستوى الثورة

الرجل الذي قال للقذافي من أنت يتحدث لـ «الشرق الأوسط» عن قصة ثورة 17 فبراير في ليبيا

امرأة ليبية ترفع لافتة في ميدان الشهداء بالعاصمة تطالب بإزالة اي وجود لكتائب مسلحة في طرابلس (أ.ف.ب)
TT

ربما لا يدرك كثير من الليبيين وغيرهم ممن تابعوا على مدى ثمانية أشهر معركة الشعب الليبي المريرة لإسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، أن جمال الحاجي الذي اعتقل قبل اندلاع أحداث ثورة السابع عشر من شهر فبراير (شباط) الماضي إلى أن تم الإفراج عنه في الرابع والعشرين من شهر أغسطس (آب) الماضي، بعد سقوط النظام وتحرير العاصمة الليبية طرابلس، يعتبر أبرز الوجوه التي لعبت دورا رئيسيا في تحفيز الليبيين على الخروج بمظاهرات سلمية للمرة الأولى لمطالبة القذافي بالتنحي عن السلطة.

يقول الحاجي إن سقوط نظام القذافي بهذا الشكل المزري كان متوقعا ومسألة وقت فقط، مشيرا إلى أن القذافي الذي كان جاثما على ليبيا، كان يعتمد في الأساس على المجرمين واللصوص من اللجان الثورية والمرتزقة والمسترزقين.

قبل سنوات ظل الحاجي ضيفا مستديما على سجون القذافي عقابا له على دعوته المستمرة إلى الشعب الليبي للتظاهر في وجه الديكتاتور الذي حكم البلاد بقبضة من حديد على مدى نحو 42 عاما.

بات اسم الحاجي معروفا لدى الجميع باعتباره معارضا على الأرض ضد القذافي إبان عنفوانه وجبروته، مقدما نموذجا نادرا للمعارضة الليبية من الداخل.

في الثلاثين من شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، كتب جمال الحاجي رسالة إلى القذافي يسأله فيها من أنت؟ وتحت أي شرعية تحكم؟ قبل أن يجيبه القذافي باعتقاله ويرد على الليبيين بتساؤله الشهير من أنتم؟

الآن يتحدث جمال الحاجي بعد صمته الطويل لـ«الشرق الأوسط» للمرة الأولى لكي يروي قصة الثورة كما عاشها ناشطا ومعتقلا في سجون القذافي.

لم تكن حياة الحاجي والنظام يقبض على السلطة سهلة على الإطلاق، فهو مراقب ومحاصر طيلة الوقت وكل أفعاله محسوبة عليه وتخضع دائما للفحص، يقول هو لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أتحرك سرا على الرغم من التحدي والظلم السافر الذي أحاطني من كل جانب ومن طعن من أقرب المقربين من رفقاء الأمس من (الوطنيين) الذي تبين أنهم عيال سذج ولم يصلوا بعد لتعريف الوطنية، أما المعارضة بالخارج فلم نسلم منها أيضا إلا من رحم ربي».

وأضاف: «كنا نذبح من قبل وسائل إعلام لمعارضين محسوبين على المعارضة بطريقة بشعة كنا بالداخل نتعرض للتشويه والكذب المتعمد، خطر جسيم يضعنا في خانة العمالة وهذا أمر يسارع ويشجع على تصفيتنا من قبل النظام.

عندما كانت زوجته تعلم بما يجري حولها، كانت تصر على عدم خروجه إلى الشارع قدر ما تستطيع خوفا على حياته، وعندما يصر على الخروج كانت تصر في المقابل على أن يذهب معه ابنهما الوحيد في السابعة من عمره في ذلك الوقت وهي تعلم بأنهما ربما لا يعودان مرة أخرى.

الآن وبمرارة شديدة يقول الحاجي: «سنين أمضيتها بعيدا عن كل من حولي كي لا يتأذى أحد وسنين أخرى أمضيتها بالبيت لا أخرج، تخوفا من القذافي وأزلامه وخصوصا التصفية من خلال حوادث السيارات فحصرت خروجي إلى المهم جدا وفي شارعين من حولي فقط».

الحاجي ابن العاصمة الليبية طرابلس ومن مواليدها في 6 - 3 - 1955. مهنته الأساسية مراجع ومحاسب قانوني، علما بأنه حاصل على بكالوريوس تجارة قسم محاسبة من جامعة عين شمس المصرية عام 1979.

تم اعتقاله في 15 فبراير (شباط) 2007 لمنعه من إحياء ذكرى اعتداء قوات الأمن الليبية على المتظاهرين أمام القنصلية الإيطالية في بنغازي احتجاجا على تصريحات لمسؤول إيطالي مؤيدة للرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي عليه الصلاة والسلام، وقبل الموعد بيومين فقط تم تعديل التهمة إلى محاولة تغيير نظام الحكم بالسلاح وإهانة القذاقي وسلطة الشعب.

وتم إطلاق سراحه في شهر أبريل (نيسان) عام 2009، قبل أن يتم اعتقاله مجددا في التاسع من شهر ديسمبر (كانون الأول) 2009 من نفس العام لمنعه من حضور مؤتمر كان مدعوا إليه من قبل الهيومان رايتس ووتش بتهمة إهانة العدالة.

وفي الأول من شهر فبراير 2011 الماضي تم اعتقاله بعد نشره لبيان يحث فيه الشعب الليبي على التظاهر وإعلانه المشاركة الشخصية فيه بعدما وجه رسالتين إلى القذافي والشعب الليبي.

وعن ملابسات اعتقاله المتكرر قبل الثورة، قال الحاجي لـ«الشرق الأوسط»: «في كل مرة كنت أُسجن بتعليمات من سيف القذافي وعبد الله السنوسي (صهر القذافي ورئيس جهاز المخابرات الليبية سابقا) ودائما في مناسبتي 17 فبراير و2 مارس (آذار) ما يسميه المقبور القذافي بـ(يوم عيد سلطة الشعب) كنت إما بالسجن أو يتم اعتقالي بسبب أو دون سبب من سنة 2007 وحتى 2011، تم اعتقالي أكثر من مرة واحدة بتهمة تغيير نظام الحكم بقوة السلاح وأخرى على مذكرة تقدمت بها إلى السيد مصطفى عبد الجليل عندما كان يشغل منصب أمين العدل أطالب فيها بالإفراج عن ستمائة مواطن ليبي معتقل صدر في حقهم حكم براءة بحكم المحكمة الليبية، ومعترضا على هيمنة المخابرات على مهام ومؤسسات القضاء. والأخيرة بتلفيق حادث سيارة مفتعل. وأخرى تحميلي وزر ومسؤولية كل من قُتل في بنغازي ومصراته في أحداث ثورة 17 فبراير اعتمادا على البيان الذي نشرته أحرض فيه الشعب الليبي على الاعتصام السلمي وهو عمل مشروع».

وعن قصة رسالته الشهيرة للقذافي ، يقول الحاجي: «قمت بنشر بيان يوم 29 يناير الماضي من طرابلس وعلى مسافة أمتار معدودة من معسكر باب العزيزية مطالبا الشعب الليبي بالتصعيد ومعتبرا أن التخلف والنكوص عن المشاركة يوم 17 فبراير لا يُعد خوفا أو سلبية بل خيانة في حق ليبيا والأجيال القادمة وكانت تلك رسالة واضحة للثورة».

ولم يكتف الحاجي بذلك بل طالب كل من يطلع على البيان نشره وتوزيعه، قبل أن يعلن عن رسالة موجهة إلى القذافي ورسالة أخرى إلى الشعب الليبي سيتم نشرهما في اليوم التالي.

وخاطب الحاجي القذافي في رسالة تناقلتها وقتها المواقع الإلكترونية الليبية قائلا في لهجة غير مسبوقة من مواطن ليبي باتجاه الزعيم الأوحد للبلاد: «لن نعود إلى قول بن على لقد ضُللت، فلا تضليل بعد هذه الرسالة.. الخيار لك ولأبنائك فنحن اخترنا.. عليه نرى أنه حان الوقت لتسمع رأي الشعب الليبي الذي قرر الإعلان عن تشكيل حكومة إنقاذ وطنية لليبيا. وحقنا للدماء أن يتم العمل بالتسليم لحكومة إنقاذ مقابل ترتيب سلامتك وعائلتك وهي خدمة لكم لا تستحقونها من الشعب الليبي.. وأن لا حكم بالإعدام لما سبق هذه الرسالة لأحد».

كانت الرسالة بمضمونها الصريح كافية ليتم اعتقال الحاجي في سجن الجديدة، حيث أمضى قرابة أسبوعين ينام على جنب واحد وسط الزحام والمصابين، لاحقا تم تحويله إلى مكتب النصر وهو أحد الأماكن التابعة لجهاز المخابرات الليبية، حيث تم التحقيق معه من قبل كتيبة المقريف وهي كتيبة معروفه تحرس القذافي ومعقله الحصين في باب العزيزية.

يقول الحاجي: «وجهوا لي تهمة المسؤولية عما حصل من قتل بحكم تحريضي الشارع إلى الخروج، وبعد شهرين تقريبا تم نقلي من هذا المكان بعد أن تدهورت حالتي الصحية وتم وضعي في مكان أقل قذارة، ولكنهم كانوا بانتظام يفتحون المجاري طوال الليل من الخارج لترتد علينا رائحة المجاري».

وتابع: «كانت الفرصة الوحيدة التي كنت أتحدث فيها لدقائق قليلة بحذر مع البعض من السجناء من داخل الزنازين والذين تعذبوا كثيرا وأهينوا وكان من بينهم شباب لا تتجاوز أعمارهم خمس عشرة سنة مسجونين داخل غرف لا تزيد مساحتها على 60×190سم مغلقة في ظلام دامس وفي منتهى القذارة كان الحراس عندما يدخلون إلى مكاننا هذا يقومون مباشرة بعد خروجهم بغسل أيديهم بمطهر من شدة القذارة والأوبئة مع معاملة عدوانية لا إنسانية من قبل الحراس للسجناء.

يحكي الحاجي عن الظروف الصعبة التي عاشها والتي ربما تصلح كمادة لفيلم سينمائي ذات يوم، حيث قال: «كان الحراس يسرقون حتى الطعام المخصص للسجناء أو ما يخصص لهم من حليب وحتى الماء والصابون كان يسرقه الحراس كل شيء حتى الدواء ملابس السجناء تسلب منهم. ويعلم عبد الحميد السائح مدير هذا الوكر بكل هذا».

وحد السجن على ما يبدو كل الليبيين، يقول الحاجي: «كان معنا الكثير من الدكاترة والمحامين والمهندسين والأساتذة من كل أطياف المجتمع كان بيننا مسنون تتجاوز أعمارهم الثمانين عاما كان معنا شاب في السادسة عشر من عمره وأبوه، ولم تأخذهم شفقة أو رحمة حتى بالمرضى من المعتقلين».

بعد شهرين تم تحويله إلى زنزانات سجن أبو سليم العسكري المتميز بالمزيد من القذارة وسوء المعاملة، حيث كان الطعام يقدم للمساجين بعد أن تشبع منه الفئران وتحوم عليه الصراصير المحيطة بهم من كل جانب، بينما التهوية شبه معدومة ودون إضاءة حتى لا يرون ما يأكلونه.

يتابع الحاجي قائلا: «لقد كان الوضع في غاية الصعوبة والأصعب من ذلك كانت الأيام الثلاثة الأخيرة قبل أن يحررنا سكان أبو سليم وما قبلها حيث لا نعلم بمصيرنا والأرجح أن يتم تصفيتنا، كانت ساعات رعب وغموض دون أكل أو شرب، وفي كل لحظة كنا نتوقع أن تدخل علينا الكتائب لتصفيتنا، كانت أطول ثلاثة أيام كنا نسمع أصوات القصف وأزيز الرصاص دون أية أخبار من العالم الخارجي».

لكن كيف كان الحاجي يتلقى داخل محبسه، أخبار ما يجري في الخارج؟ يجيب الحاجي لـ«الشرق الأوسط»: «في بداية الأمر أي نحو أسبوعين قبل 17 فبراير كنت معتقلا بسجن الجديدة وكنت أسمع معلومات عبر بعض الأجهزة المرئية. وفي يوم 15 فبراير أكد لي الدكتور فرج أبو خشيم في زيارة خاطفة لي أن الأمر في غاية الجدية ولم يكمل أي تفاصيل حيث كان مدير السجن الفرجاني جالسا معنا مع عميد آخر يطلبان مني عدم إثارة الفوضى بالسجن وكنت وقتها في غرفة إنفرادية وفي نفس اليوم ثار السجن وتبعته بقية السجون».

لاحقا تمكن الحاجي من الحصول على معلومات إضافية عندما تم وضعه في زنزانات سجناء آخرين، وأضاف: «عندما كان يسألني الكثير من المعتقلين عن الوضع أقول لهم تمعنوا في وجوه الحراس وأشكالهم كلما يدخلون عليكم واسمعوا حديثهم وصياحهم ستجدون الإجابة الشافية وقرب ساعة النصر وكان ذلك فعلا وبدأ الجميع يركز على هذا الأمر وكانت النتيجة إيجابية لفك العزلة ومعرفة ما يدور ففي كل مرة يزداد الضغط عليهم وأحيانا تحصل مشادات كلامية بينهم لتأخر بعضهم لبحثه عن البنزين، كل هذا كان مهما في حساباتنا ويعكس الحالة بالخارج».

ومع ذلك كانت أجواء الرعب والقلق هي المهيمنة على أحوال المعتقلين، يقول الحاجي: «لقد كان تخوفهم يقلقني جدا ، فكان يراودهم أمر تصفيتهم دائما من خلال التهديدات والرعب والإرهاب الذي يسوقه الحراس وعملاء مخابرات القذافي».

هنا يتذكر الحاجي واقعة شديدة الأهمية بقوله: «وفجأة سمعت صوتا من إحدى الزنازين وإذا بشاب في إحدى الزنازين تحدثت معه وكان في حالة خوف شديد من شدة العذاب والتهم الموجهة إليه وأن مصيره الإعدام، سألته عن اسمه قال لي إنه يوسف الطبيب سألته عن محمود الطبيب قال لي خالي وأحمد الطبيب قال لي خالي أيضا، ولكن الشك من قبلنا كان حاضرا فللمخابرات وسائلها في تجنيد أقرب الناس، بعدما عرفته بنفسي وكان مطلعا على بعض كتاباتي والنداء الذي وجهته، أخبرني بعد أن اطمأن بأنه متهم بالإبلاغ عن ثلاث بوارج حربية بها 180 مقاتلا مسلحا متجهة لدعم الكتائب البرية لمهاجمة مصراته وتم تدمير هذه البوارج».

وأضاف: «طبعا هذا الخبر لم يترك لي أدنى شك في النصر. وكان هذا الحديث لدقائق بيننا ولم أره من ذلك اليوم حتى تحرير طرابلس هكذا كنا نسمع الأخبار، وهكذا نلتقي بالصدفة لدقائق طوال الأشهر السبعة. ولكن السعادة كانت حاضرة بنشوة النصر مع القلق».

وإذا كان البعض يشكك في مبررات الاستعانة بحلف الناتو لدعم الثورة الشعبية التي أطاحت في نهاية المطاف بنظام القذافي، فإن الحاجي يعتقد دون شك أن الاستعانة بالناتو كانت ضرورة تاريخية، وأضاف: «أي استعانة كنت سأباركها مهما كان ثمن التخلص من القذافي».

ويشرح الحاجي نظريته في هذا الإطار قائلا: «حصل خلل كبير في المعادلة الليبية لغير صالح ليبيا والشعب الليبي خلال العقد الماضي بمعنى أن مرحلة ما قبل الكذبة المسماة «إصلاح» كان الشعب الليبي بكل أطيافه في خندق التغيير لنظام القذافي مع الاختلاف في الكيفية والتفاصيل وهذه حقيقة. فمنهم من اختار الحل السلمي والمهادنة، ومنهم من رأى غير ذلك، ولكن الجميع يتفق على تغيير النظام، ثم نتيجة للمتغيرات الدولية، والظلم الذي يعانيه الشعب الليبي والمطالب الأميركية الواضحة للقذافي بضرورة إجراء إصلاحات، والتي قد لا نختلف كثيرا بأنها كانت ابتزازا لمصالح أميركية بالدرجة الأولى ولا شك في ذلك، ولكنها كانت مع ذلك في صالح الحراك السياسي الليبي بالداخل. وكان يجب التعامل معها بما يخدم مصلحة الشعب الليبي..».

وللتاريخ يقول الحاجي إن الشعب الليبي اختار الناتو بعد أن فقد الأمل فيمن يُسمون النخب والمعارضة الليبية وأنصار سيف القذافي وشركاء التضليل المسمى مشروع «ليبيا الغد».

ولا يفوت الحاجي الفرصة دون تسجيل شهادة إدانة لأصدقاء وحلفاء القذافي القدامى من حكومات الغرب، قائلا: «كلنا شاهد دور برلسكوني وهو يقبل يد القذافي، ودور العمالة الذي لعبه توني بلير ورأينا جميعا قادة أوروبا يتسابقون على الخيمة طبعا على مص دماء الشعب الليبي وليس تبركا بالقذافي وكذا المبعوث الأميركي لدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط ديفيد ولش وهو يشارك احتفال القذافي لأربعين سنة في الحكم جالسا في منصة احتفال رسمي أمام كل العالم لديكتاتور يحكم شعبا لأربعين سنة وكان مشاركا في الاحتفال بصفته ممثلا لواحدة من أكبر الشركات الأميركية (بكتل) هي سياسة الباب الدوار لشعب يدور ويطحن وسط زحام الرصاص والمشانق لأكثر من أربعة عقود..».

ولفت إلى أن القذافي كان يقود البلاد في ذلك الوقت إلى المزيد من تدمير أي كيان قد يسمح بتطوير تحولها إلى دولة مؤسسات خارج منظومته الأمنية التي يُسير بها البلاد ولو على مستوى جمعية خيرية محدودة.

يعتقد الحاجي أيضا أن القذافي كان شديد الحرص على أن يثبت للعالم عدم أهلية الشعب الليبي لمواكبة الحداثة وأنه قاصر وعاجز عن استيعاب وتبني منهج «الديمقراطية»...

وتابع: «كان هو وابنه وبكل وقاحة يتحدثون للعالم بأن اهتمام الشعب الليبي لا يتعدى المعاش والسكن والمركوب، والأكثر سفاهة من ذلك - ولا أعمم - هؤلاء المسترزقون الانتهازيون من اللاهثين وراء كذبة الإصلاح الوهمي الزائف خلف المشروع المسمى (ليبيا الغد) ممن كانوا قريبين من القذافي وابنه ومن حولهم».

ويشرح الحاجي ما يصفه بخطة وبرنامج القذافي لتدمير ليبيا خلال سنوات حكمه، قائلا: «نعم مع الأسف، بزعامة القذافي وابنه سيف كان يتم التدمير الممنهج لقيم البلاد وأخلاق شعبها كانوا بعلمهم يوفرون جميع أنواع المخدرات ويديرون ويسمحون لشبكات الدعارة ويدعمونها. كانت حقنة المخدرات أرخص من رغيف الخبز ويمكن الحصول عليها في أي حي في ليبيا كان الشاب الليبي يمد يده وبها دينار ليبي في (حفرة) على حائط لا يعلم من خلفه ليتم حقنه بالمخدرات بدينار واحد أرخص جرعة مخدرات في العالم كان يتم خلال فترة الإصلاح المزعوم جلب الدعارة إلى ليبيا بالبواخر».

واستطرد: «لم يخل شارع في مدينة من ليبيا دون مبالغة إلا وبه فندق أو فنادق تعج ببائعات الهوى أو وكر من أوكار الدعارة الأخرى المنتشرة وسط الأحياء السكنية في زمن (المربعات الأمنية)، كانت السمسرة في الدعارة تتم في أكبر الشوارع الرئيسية العامة أمام مرأى ومشهد الجميع كانت تتم حراسة العاهرات أمام الفنادق ولا يخلو فندق من مخابرات القذافي مقيمين فيه».

بيد أنه يعتقد أن القذافي شخصيا كان يوصي بهذا ويرعى شخصيا سماسرة الدعارة وتجار المخدرات ويحرص على حمايتهم في إحدى رسائله المعهودة على الهواء مباشرة عندما قال «اتركوا أخواتكم في شأنهم»..

وأضاف: «كانت الرشوة وشراء الذمم لفئات مختارة من الشباب بالسيارات والأراضي والشقق والبعثات ورفع المرتبات لتحييد فئات معينة من الشعب وإخراجهم من مطحنة الحاجة (أطباء وأساتذة جامعات وآخرون) وزواج المال والسياسة على قدم وساق في الوقت نفسه كان يطحن المواطن من الغلاء».

أما في الاتجاه الآخر فقد كان أبناء القذافي كما يقول الحاجي، يهدرون أموال الشعب الليبي على كتائب المرتزقة وكتائبهم الخاصة وعلى دعم وتطوير أجهزة المخابرات، حيث كان الساعدي الذي دكت كتائبه الجبل الغربي يعد العدة لفصل المنطقة الغربية وتهجير سكانها لأجل مشروع «موناكو ليبيا» مدينة للدعارة لتكون مركزا لأكبر كازينو قمار في الشرق الأوسط يدخلها الليبي بجواز السفر».

وأضاف بسخرية: «كانت لجنة سيف لإعداد الدستور تناقش (الزواج المثلي) في دستور الشعب الليبي المزعوم، ولم نسمع من قال لا إله إلا الله أو حتى كلمة هذا عيب».

ويشدد الحاجي على أنه لم يكن للمعارضة الليبية أي جسم يُذكر أو يستحق الإشارة بالاعتماد عليه بدور لاستعادة حرية وكرامة الشعب الليبي المسلوبة، مضيفا: «كان الشعب الليبي يعيش بالداخل تحت قمع القبضة الحديدية وكنا نرى تغول أعداء الشعب والضياع والفساد والمستقبل المظلم بعد يأسنا من دور (النخب) والمعارضة التي أصبح جزء كبير منها عبئا على الشعب الليبي ودعما لنظام القذافي وعائلته»..

وبينما تتجه الآمال إلى بناء دولة حديثة تعتمد على حكم القانون والديمقراطية في مرحلة ما بعد القذافي، يعتقد الحاجي أن أداء المجلس الانتقالي ومكتبه التنفيذي لم يرتق إلى مستوى الثورة على الرغم مما قدموه مشكورين، مع التسليم بأنهم في نهاية المطاف متطوعون لإدارة أزمة لا يُستهان بخطورتها وفي ظرف استثنائي.

وأضاف: «كنا نتوقع منهم أكثر من ذلك بكثير، وقعت مواقف وأخطاء ذات علاقة بقلة الخبرة أو ربما لمحدودية الإمكانيات لدى البعض وهذا أمر طبيعي ومقبول منها على سبيل الاستدلال أخطاء المكتب في عملية اختيار وتكليف المسؤولين بإدارة الأزمة، حيث تم الاتكال في هذا الشأن على عدد ليس بالقليل من عناصر نظام القذافي، وتم ذلك بطريقة أقل ما يقال عنها إنها مشبوهة لكونها اتسمت بقدر كبير من الاستهتار وسوء الفهم والقراءة الخاطئة للشعب الليبي».

لذلك فإنه يرى أن المجلس الانتقالي ومكتبه التنفيذي يتحملان جزءا كبيرا من المسؤولية لدعم هذه المواقف، وعدم التعرض لها، متسائلا: «أي ثورة هذه التي تزج بمسؤولين من أركان نظام فاسد على رأس مؤسساتها الأمنية أو تسمح لأزلام النظام المنهار بتولي مهام التمثيل الدبلوماسي بالخارج، مع إهمال واضح وصل لحد الاستهتار بأهمية وحساسية مواقع ذات علاقة بالاقتصاد الليبي. وهنا يبرز الحاجي سؤالا خطيرا ومهما وهو «كيف يتولى رئيس المكتب التنفيذي مهام أهم حقيبتين وهو مقيم خارج البلاد مقتنعا بأنه الأفضل وأنه لا يوجد غيره؟» وهو بتقديره خلل شخصي بامتياز.

وكمثال واضح على ما يصفه بالتقصير والتهاون من قبل المكتب التنفيذي في معالجة اثنين من أخطر ملفات الأزمة الليبية على الإطلاق، يشير الحاجي إلى «ملف الجرحى» الذي تمت معالجته بطريقة يقول إنه عجز عن وصفها، و«ملف الثوار والسلاح» والذي يتجلى فيه سوء الإدارة لمجرد قبول المعنيين وهم كثر بتداول موضوع الثوار عبر وسائل الإعلام.

وعن ملاحظاته على أداء الثوار المسلحين الآن في طرابلس، يلفت الحاجي إلى ضرورة الفصل بين أداء المسلحين في طرابلس الآن والثوار في جميع أنحاء ليبيا، وأضاف: «عندما نتحدث عن الثوار يجب أن نحصر هذا في أولئك الرجال الذين ضحوا بالنفس والنفيس فداء لهذا الوطن، أما الخليط الحالي مما يجري على أرض الواقع في العديد من المدن والمناطق الليبية وخاصة العاصمة طرابلس فلا يجب أن يُحسب على الثوار الذين حرروا ليبيا فمنهم من هم ثوار فعلا ومنهم غير ذلك. وهذا بتقديري جرم جسيم يتحمل مسؤوليته من أوصلوا البلاد إلى هذا المنحدر. كما نحمل المسؤولين على الإعلام وهم شهود على اغتيال (صورة الثوار وشخصية الثوار) وهم رمز ليبيا من خلال خلط الأوراق والزج بهذا الاسم الرمز في خضم التيارات المتضاربة التي تحرك النشاط الإعلامي، متناسين أن ليبيا الآن أصبح لها رمز واحد لن يتكرر وهو (ثوار17 فبراير) الذين ارتفعت ليبيا بتضحياتهم وإبداعهم وإنجازهم المعجز حتى حازت إعجاب وتقدير القاصي والداني لدرجة اعتبرها المراقبون المنصفون مادة يمكن تدريسها في الأكاديميات العسكرية المرموقة».

ويرى أنه من المؤسف أن يلبس للثوار فشل غيرهم وتتحول قضية وطن ليستهتر بها بعض موظفي الإعلام بتجاهل وتهرب المسؤولين عما يحدث الآن من شغب مسلح بسبب سياساتهم وتقصيرهم وفشلهم الذريع في أهم ملفين «ملف السلاح» و«الملف الصحي»، من تعاملوا مع الملف الصحي كثير وعليهم أن يكونوا موظفين في وزارة الصحة لا أن يُسلم لهم أهم ملف في ليبيا ناهيك عن الإهمال لأسر الشهداء وانعدام الاهتمام بالمفقودين.

وردا على الاتهامات الموجهة للثوار، يتساءل الحاجي: «أين ذهب أكثر من ربع مليون من عملاء مخابرات القذافي ذوي السمعة السيئة وهم من أحط شرائح هذا المجتمع؟ وأين اللجان الثورية؟»..

ورغم كل هذا لا يخشى الحاجي وقوع حرب أهلية جديدة في ليبيا، مضيفا: «آخر شيء أفكر فيه وآخر شيء يحصل في ليبيا وآخر دولة في العالم يحصل فيها حرب أهلية».

وعندما سئل عن رؤيته لمستقبل الدولة الليبية، قال دون تردد: «زاهر ومزدهر، وسيُفاجأ العالم بهذا البلد الصغير والمغيب والمجني عليه من أهله والعالم».