تونس: حركة النهضة تستجيب لمطالب المعارضة

وافقت على إجراءات التصويت ضد الحكومة وسحب الثقة منها بنسبة «50% + 1»

TT

تمكنت حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي من تخطي فترة صعبة في إدارة النقاش حول تنظيم السلطات العمومية في تونس، وسحبت البساط من تحت أقدام الأحزاب المعارضة التي ظلت تتربص بها طوال الأيام الماضية.

وقدمت «النهضة» تنازلات وتعهدات اعتبرها جل الملاحظين بمثابة التراجع الكبير للحركة عن مبدأ قيادة البلاد بيد حديدية، ووافقت بصفة مبدئية على إجراءات التصويت ضد الحكومة وسحب الثقة منها بنسبة 50%زائد واحد، وفسرت ذلك بإتاحة الفرصة للمجلس التأسيسي لممارسة سيادته، واعتبرت قوانين الأحوال الشخصية (حرية المرأة بالأساس) ومكانة الحريات الشخصية بمثابة القوانين الأساسية وليست العادية. وقبلت حركة النهضة بمبدأ التنصيص على اعتماد هيئة مستقلة للانتخابات، وهو ما مكنها من تجاوز فترة سياسية معقدة وصعبة منذ الإعلان عن نتائج انتخابات المجلس التأسيسي وفوزها بأغلبية الأصوات. وكان راشد الغنوشي، زعيم الحركة، قد أصدر بيانا أول من أمس ندد خلاله بما سماه «استدراج البلاد نحو الفوضى»، وذكر بالموقف المبدئي الرافض لإثارة الرأي العام التونسي ورفض الحركة سبل توتير الأجواء وتعكيرها في أي مجال أو قطاع.

وكانت مصادر مطلعة قد أكدت سعي حزبي التكتل والمؤتمر المكونين للائتلاف الحاكم مع «النهضة» إلى إقناع قياداتها بضرورة التنازل عن بعض محاور الخلاف مع المعارضة داخل المجلس حتى تتمكن من تجاوز الصعوبات والعقبات الكثيرة التي تسعى المعارضة إلى جرها إليها. وقالت تلك المصادر إن حركة النهضة برهنت على التفهم والتعقل حتى لا تظهر في موقع من يبحث عن «التغول» والسيطرة الكاملة على السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في الوقت ذاته.

وكان حمادي الجبالي قد أكد أن حركة النهضة «مستعدة للتنازل والتضحية قدر الإمكان من أجل الحصول على توافق داخل المجلس التأسيسي، وهو التوجه ذاته الذي عملت الحركة على تنفيذه وإرباك المعارضة الباحثة عن تضييق الخناق على الحركة وشركائها السياسيين من أجل إظهارهم جميعا في مظهر العاجز عن تسيير دواليب الدولة».

وحول هذه الخلافات السياسية التي لا تزال ترافق عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، قال نور الدين البحيري، رئيس كتلة حركة النهضة النيابية في المجلس التأسيسي، إن الائتلاف الثلاثي لديه ثقة في أعضاء المجلس الذين سيعجلون بانتخاب رئيس الجمهورية وتزكية الحكومة حتى تتمكن من الالتفات إلى مجموعة كبيرة من الملفات الاجتماعية والاقتصادية التي تقف في انتظار الحكومة الجديدة. واعتبر البحيري في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أنه لا خوف على مؤسسة منتخبة بصفة شرعية من النقاش والحوار، فهذا الوضع هو الكفيل بإنجاز إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية في مستوى طموحات التونسيين. وأضاف البحيري أن كل أعضاء المجلس التأسيسي سيدخلون المرحلة القادمة في ظل روح توافقية بعيدا عن التناحر السياسي الذي لا يفيد عموم الناس، على حد تعبيره.

إلى ذلك، قال إياد الدهماني، عضو المكتب السياسي لحزب الديمقراطي التقدمي، إن المعارضة متمسكة بضرورة توحيد إجراءات سحب الثقة من الحكومة أو تزكيتها، وأن تكون في حدود 50 في المائة زائد واحد، حتى لا نعيش ديكتاتورية جديدة، على حد قوله. وقال إن مجمل تلك النقاشات تصب في خانة خدمة مستقبل البلاد بعيدا عن منطق الهيمنة السياسية من قبل أي طرف سياسي حتى لا نتحول من ديكتاتورية الفرد إلى ديكتاتورية المجموعة.

وفي ظل هذه التجاذبات، من المنتظر حسب مصادر من الائتلاف الثلاثي أن يقع انتخاب رئيس الجمهورية في شخص المرشح الأقوى المنصف المرزوقي اليوم الخميس، على أن يتسلم الرئيس الجديد السلطة بصفة رسمية يوم السبت القادم، ويكلف حمادي الجبالي الأمين العام لحركة النهضة بتشكيل أول حكومة شرعية بعد الثورة.