روسيا تستعد لاحتجاجات جديدة.. وغورباتشوف يدعو لإلغاء نتائج الانتخابات

توتر مع الغرب.. وموسكو تحذر من دفعها لسباق تسلح بسبب الدرع الأميركية

محتجون يتظاهرون ضد تزوير الانتخابات الأخيرة في موسكو (أ.ب)
TT

تعهدت المعارضة الروسية، أمس، بتنظيم مظاهرات جديدة بعدما طعنت في نتائج الانتخابات التي أعلنت فوز الحزب الحاكم، رغم اعتقال المئات في حملة نفذتها الشرطة ضد احتجاجات شهدتها موسكو. وجاء هذا وسط دعوة أطلقها ميخائيل غورباتشوف، آخر زعيم للاتحاد السوفياتي السابق، لإلغاء نتائج انتخابات يوم الأحد الماضي وإجراء أخرى بديلة، ووسط توتر متصاعد بين موسكو والغرب زاد من حدته الجدل بشأن الدرع الصاروخية الأميركية.

وقامت قوات مكافحة الشغب باقتياد أكثر من 550 متظاهرا بالقوة للزج بهم في مركبات باتجاه اعتقالهم بوسط موسكو، مساء أول من أمس، في ثاني تجمع خلال يومين جرت الدعوة إليه عبر الإنترنت احتجاجا على نتائج الانتخابات الأخيرة. ونقلت وكالة «ايتار تاس» للأنباء عن مصدر في الشرطة قوله إن «الشرطة اعتقلت أكثر من 569 شخصا لسعيهم إلى القيام بمسيرة غير مصرح بها». وقد فاز حزب «روسيا الموحدة» بزعامة رئيس الوزراء فلاديمير بوتين، في الانتخابات، وإن تقلص هامش أغلبيته بشكل واضح عن نتائج الانتخابات السابقة، مع بوادر لتراجع في شعبيته.

وأثار سير الانتخابات قلقا دوليا، إذ قال مراقبون من منظمة الأمن والتعاون الأوروبي إن الانتخابات جرت في انحياز واضح لمصلحة حزب روسيا الموحدة. من جهتها، قالت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، إن الانتخابات لم تكن حرة ولا نزيهة. لكن وزير الخارجية الروسي انتقد تعليقات كلينتون التي أدلت بها على هامش أشغال اجتماع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، في العاصمة الليتوانية، أول من أمس، الثلاثاء. وقال سيرغي لافروف لصحافيين، أمس: «هذا ليس هايد بارك (لندن) ولا ساحة النصر في موسكو، حيث يصل الناس إلى مكبرات الصوت فيتكلمون ثم يغادرون دون أن يصغوا للآخرين». وأضاف لافروف أن تصرف كلينتون يظهر «عدم احترام» للدول الأعضاء في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. كما احتجت وزارة الخارجية الروسية على تصريحات كلينتون ووصفتها بغير المقبولة، بينما قال النائب الروسي قسطنطين كوزاتشيف إن تصريحات الوزيرة الأميركية تأتي في «إحدى أسود صفحات العلاقات الروسية - الأميركية في التاريخ المعاصر».

بدوره، دعا ميخائيل غورباتشوف إلى إلغاء نتائج انتخابات الأحد الماضي وإجراء أخرى بديلة. وقال لوكالة «إنترفاكس» للأنباء: «يتعين على قادة البلاد أن يقروا بأن حالات تزوير عديدة جرت، وأن النتائج لا تعكس إرادة الشعب، ولذلك أعتقد أنه ليس أمامهم سوى اتخاذ قرار واحد؛ هو إبطال نتائج الانتخابات وإجراء انتخابات جديدة».

وتعهد المحتجون الذين ينظمون أنفسهم عبر الإنترنت بالقيام بمزيد من المظاهرات في الأيام المقبلة، رغم تحذيرات الشرطة بأنه سيجري اعتقال المشاركين في مظاهرات لا تحصل على تراخيص. وقالت مجموعة تطلق على نفسها «من أجل انتخابات صادقة» على صفحتها على «فيس بوك» إن مظاهرة جديدة ستقام في وسط موسكو بعد ظهر السبت، بينما تعهد أكثر من 5 آلاف من المشاركين في الصفحة على «فيس بوك» بالحضور. وقالت مجموعة أخرى على الإنترنت سمت نفسها «ضد حزب الأفاقين واللصوص»، في إشارة إلى انتقادات المعارضة لحزب روسيا الموحدة، إن احتجاجات ستجري يوميا من الآن فصاعدا في الساعة السابعة من مساء كل يوم. وقالت تلك المجموعة: «ليس أمامنا سوى الدفاع عن حقوقنا في الشوارع بعد أن سرقت السلطات الانتخابات من أيدي الشعب».

وأشادت الصحف الليبرالية الروسية بالاحتجاجات، وقالت إن المعارضة وجدت أخيرا صوتا ضد هيمنة بوتين. وقالت صحيفة «فيدوموستي» الليبرالية اليومية: «أجهضنا العملية السياسية الحقيقية وأرسينا بدلا من ذلك مشاهد من ورق، لكن من الخطر حجب العملية الطبيعية، والآن جاء وقت المحاسبة». وأضافت صحيفة «نيفازيسيمايا غازيتا»: «بدأت الطبقات الوسطى في التعبير عن سخطها، وهي البادرة المقلقة جدا بالنسبة للسلطات». ومن جانبها قالت إذاعة «صدى موسكو» إن 6 من المحتجزين أول من أمس، الثلاثاء، حكم عليهم بالسجن لفترت تصل إلى 15 يوما، ولكن من غير الواضح كم عدد الباقين قيد الاعتقال من المحتجزين. وبعثت السلطات مئات الناشطين الشباب الموالين للكرملين لملء ساحة ترايمفالنايا بلوشاد قبل الاحتجاج. وقد قرعوا الطبول ولوحوا بالأعلام تحت حماية الشرطة التي حجبت أنصار المعارضة عن الساحة.

ووسط التصريحات والتصريحات المضادة بين موسكو والغرب بشأن الانتخابات الروسية، حذرت روسيا على لسان أحد قادتها العسكريين، أمس، من أن الحلف الأطلسي يدفعها إلى سباق تسلح جديد من خلال نشر الدرع الصاروخية في أوروبا، حيث يهدد بإلقاء ظلاله على المحادثات المرتقبة بين الطرفين. ومن المتوقع أن يبلغ الحلف روسيا خلال اجتماع يستمر يومين ويبدأ اليوم، الخميس، في بروكسل، أن نشر الدرع الصاروخية بات أمرا مؤكدا رغم اعتراضات وتهديدات موسكو. ووصلت وزيرة الخارجية الأميركية، كلينتون، إلى بروكسل لإجراء محادثات تستمر يومين مع نظرائها من 27 دولة حليفة ستناقش خلالها الخلاف مع روسيا حول الدرع الصاروخية، وقضايا أخرى.

ودعا الأمين العام للحلف، أندرس فوغ راسموسن، روسيا إلى عدم إهدار أموالها في محاولة التصدي للدرع الصاروخية. وقال إن الحلف لا يزال راغبا في التوصل إلى اتفاق مع روسيا للتعاون بشأن الدرع بعد أن هدد الرئيس ديمتري ميدفيديف الشهر الماضي بنشر صواريخ على حدود الاتحاد الأوروبي. وصرح راسموسن للصحافيين قبل المحادثات مع وزير الخارجية الروسي لافروف، اليوم، أن «مصلحتنا المشتركة تقضي بحماية شعوبها من أي تهديد صاروخي حقيقي. إذا بدأت روسيا الاستثمار بشكل كبير في إجراءات مضادة لمواجهة عدو مصطنع ليس له وجود، فإن ذلك بالتأكيد مضيعة لأموال غالية»، مضيفا أن روسيا يجب بدلا من ذلك أن تنفق المال على إيجاد الوظائف وتحديث المجتمع الروسي.

ويدور خلاف بين الحلف الأطلسي وروسيا بشأن الدرع الصاروخية رغم الاتفاق العام الماضي على بحث طرق التعاون بشأن الدرع الصاروخية التي يؤكد الغرب أنها تهدف إلى صد أي هجمات من إيران وغيرها من الدول الخارجة عن فلك الغرب. وتطالب موسكو الحلف بتقديم وثيقة ملزمة قانونيا تقول إن النظام الصاروخي لا يستهدف روسيا، إلا أن الحلف يقول إنه قدم ما يكفي من التعهدات بهذا الشأن، وإن التعاون هو أفضل حل.

وقال رئيس هيئة الأركان الروسي، نيكولاي ماكاروف، أمام مجموعة من الملحقين العسكريين الأجانب، إنه يتم دفع روسيا إلى سباق تسلح. وقال: «روسيا لا تريد سباق تسلح جديدا، ولكننا ندفع إليه». وأضاف: «لماذا يتم فصل روسيا عن أوروبا؟ من يحتاج إلى هذا؟ نحن مستعدون للتعاون وبناء نظام دفاع صاروخي مشترك». وتساءل: «لماذا لا يوجد من هو مستعد إلى أن يتوصل معنا إلى تسوية؟ هذا يعني أن ذلك يصب في مصلحة طرف معين».